فاروق الباز: يجب تعزيز دور النساء من أجل التنمية في الدول العربية

على هامش مشاركته في مؤتمر «المرأة العربية في العلوم والتكنولوجيا»

د. فاروق الباز (الشرق الاوسط)
TT

العالم المصري العالمي الشهير الدكتور فاروق الباز، مدير مركز أبحاث الفضاء والاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة، والخبير في وكالة طيران والفضاء الوطنية الأميركية «ناسا»، غني عن التعريف. فهو أحد أشهر علماء الجيولوجيا في العالم، كما أنه أحد الوجوه العلمية والفكرية العربية المستنيرة. وتاريخه حافل بالكثير من الإنجازات والأعمال المتميزة في خدمة العلم والمجتمع الدولي. وأخيرا ترأس الجلسة الأولى المنعقدة تحت عنوان «جهود الدول العربية في تعزيز دور المرأة في العلوم والتكنولوجيا» ضمن جلسات مؤتمر «المرأة العربية في العلوم والتكنولوجيا: التعزيز من أجل التنمية في الدول العربية» الذي استضافته دبي على مدى ثلاثة أيام من 28 إلى 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، برعاية الأميرة هيا بنت الحسين حرم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، والرئيسة الفخرية لمجلس سيدات أعمال دبي، وهو من تنظيم المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا في الشارقة.

على هامش فعاليات المؤتمر كان لـ«الشرق الأوسط» الحوار التالي مع الدكتور فاروق الباز، حول أهمية انعقاد المؤتمر، ومعوقات النهوض بالمرأة العربية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وأساليب تشجيعها سواء في العمل أو الدراسة في هذه المجالات، ومواضيع أخرى. وفي ما يلي نص الحوار..

* كيف ترى أهمية انعقاد هذا المؤتمر في الوقت الراهن؟

«مثل هذا المؤتمر من المفترض أن يعقد في أي وقت.. وليس هذا الوقت بالذات هو المهم. فنحن بحاجة إلى مشاركة المرأة في دعم الاقتصاد الوطني، وهذا يستدعي أن تلعب دورا كبيرا في العلوم والتكنولوجيا».

* المرأة العربية المتعلمة تمثل شريحة كبيرة في عالمنا العربي، لكنها ما زالت غير مستثمرة. حسب رأيك ما هي المعوقات أو العوامل التي ساعدت على خفض تمثيل واستثمار المرأة العربية في العلوم والتكنولوجيا؟

«هناك معوقات أساسية، أبرزها التربية في البيت، حيث يعتقد البعض أن البنات لن تدخل ولن تتقدم في مثل هذا المضمار، وهؤلاء يدعمون اتجاه البنات إلى الدراسات الإنسانية كالموسيقى والأدب والعلاقات العامة والفنون. فالأسرة تقلل من اهتمام البنت بأن تدخل مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة عبر إسماعها كلمات مثل (يا بنت انتي مش شغلتك دي). ولكن لا بد أن نفهم الأسرة أن المرأة تستطيع أن تخوض أي مجال فكري من دون حواجز، ولا بد أن نشجع المرأة على خوض مجالات العلوم والتكنولوجيا».

* وحسب رأيك.. ما هي آليات التشجيع المناسبة؟

«من خلال الإعلام والتربية الأساسية في المدارس. على المدرسين أيضا أن يشجعوا الطالبات كما يشجعون الطلبة. الآليات موجودة إذن في المدرسة والبيت والإعلام».

* وماذا عن ضغوط العمل والمسؤوليات الأسرية.. هل ترى أنها تعوق نجاح المرأة العربية وتعرقل وصولها لمراكز القرار في مجالات العلوم والتكنولوجيا؟

«لا.. أبدا. هناك سيدات كثيرات في الغرب.. وأيضا الشرق، وبالذات في الصين والهند، أمهات. إن هناك فترة حمل وإنجاب وتربية أطفال، وبإمكان المرأة أن تتصرف بشكل ما، قد تأخذ إجازة، أو تلجأ للأقارب للمساعدة أو للمربيات. وفي النهاية كل امرأة تتصرف بما تستطيع أن تتصرف به، وما علينا إلا أن نسمح للمرأة بالعمل في العلوم والتكنولوجيا وتتصرف هي كيفما تشاء».

* حصول المرأة عموما على جوائز في العلوم والتكنولوجيا ما زال دون المتوقع والمأمول، بما في ذلك جوائز نوبل. لماذا في رأيك هذا التواضع في تكريم المرأة عربيا وعالميا بجوائز في العلوم والتكنولوجيا، وما هي الأساليب الفعالة لتعزيز حصولهن على جوائز في العلوم؟

«في الغرب كانت الغالبية العظمى من الذين يحصلون على جوائز نوبل من كبار السن ـ في الستينات والسبعينات من العمر ـ وحتى في الغرب كان هناك عدد قليل جدا من النساء اللائي يدخلن ويتخصصن في مجالات العلم والهندسة.. إلخ. كان عدد النساء قليلا مثل حالنا الآن، وعام 1964 عندما رجعت إلى مصر مع زوجتي الأميركية قالت لي: «أول مرة التقيت فيها بمهندسة كانت في مصر، فطول عمري كنت أقابل مهندسين رجالا»، وهذا دليل على قلة عدد النساء. وعام 1959، أنا كنت في جامعة متخصصة في الهندسة والتعدين والمناجم والجيولوجيا والبترول، وكنا يومذاك 2000 طالب وليس بيننا غير فتاتين، أما الآن في الجامعة نفسها فنجد نسبة البنات نحو 55 في المائة، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن عدد النساء كان قليلا، وبالتالي فالسواد الأعظم من جوائز نوبل كان يحصل عليها الرجال. ولكن في الوقت الحاضر فعدد النساء يساوي أو يتجاوز عدد الرجال في الكثير من جامعات العالم».

* وماذا عن قلة تمثيل المرأة عموما في العالم في المواقع البارزة بمجالات العلوم والتكنولوجيا؟

«لا، هذا الأمر تغير.. لم يعد ذلك موجودا. في الهند والصين هذه المشكلة لم تعد موجودة أبدا، والهند والصين ستغيران النظام في العالم لأن عدد النساء عندهم يتنافس مع عدد الرجال، لأنهم فهموا أنه لا بد من استثمار كل العقول الموجودة. لماذا أقول رجلا أو امرأة؟ علي أن أستثمر كل ما لدي من العقول.. والعقل الذي يثبت كفاءته وجدارته، بالتأكيد، سيساعد. إنهم يستخدمون كل العقول، أما نحن فلا نستخدم كل العقول، يجب أن نرتقي بالعقل، فكيف نرتقي بالعقل وهناك نسبة 50 في المائة من الناس لا يستخدمون عقولهم؟».

* ثمة مبادرات كثيرة طرحت في المؤتمر، لكن يقال إن على المرأة نفسها أن تأخذ بزمام الأمر، فما تعليقكم على ذلك؟

«طبعا.. طبعا. فالمرأة في الدول المتقدمة حيث تعمل في كل ميادينها، هي التي فتحت الباب لنفسها وأثبتت جدارتها وأسست لنفسها بنفسها».

* «غياب العرب عن المحافل العلمية العالمية» عنوان واحدة من مقالاتكم المهمة. في رأيك هل هناك أسباب للغياب العربي والتمثيل الرسمي عن المشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية؟ وما هي الأساليب الفعالة لتعزيز حضورنا ومشاركتنا في هذه المؤتمرات؟

«هذا يرجع إلى خيبتنا.. ليس لدينا فهم ولا مفهوم. إننا لا نقدم أي شيء (no contributions at all).

* ولكن ما هو السبب؟

«خلل في التفكير.. خلل في العلم، خلل في الفكر. لقد انحط مستوى الفكر عندنا».

* وما السبب؟

«لأن الدولة عندنا لا تفهم أهمية العلم والمعرفة. خذي مصر، مثلا، في الستينات.. عندما كنت في المرحلة الثانوية كان عندنا مفكرون وفنانون وموسيقيون وكتاب.. كلهم كانوا على درجة عالية من العلم والمعرفة والثقافة».

* هل هذا يرجع في نظرك إلى نظام التعليم؟

«لا طبعا، هذا كله يرجع إلى نظام الحياة كله (the whole living system)، إلى الغرض والهدف من الحياة (the whole purpose of life)، إلى أهمية المعرفة(the importance of knowledge) .

فمثلا إذا ألقينا نظرة سريعة على حركة الترجمة وعدد الكتب المترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية نجد أننا منذ عهد الخليفة المأمون إلى الآن ترجمنا عشرة آلاف كتاب فقط، بينما دولة مثل اليونان، وهي نسبيا دولة صغيرة في أوروبا، تترجم العدد نفسه من الكتب في سنة واحدة فقط. لماذا؟ لأن الدولة تريد من أبنائها الانفتاح على ثقافات الدول الأخرى وحضاراتها. هذا هو احترام وتقدير أهمية العلم والثقافة والمعرفة.

وخذي كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، قبل 50 سنة كانت خرابا بسبب الحروب، ولكن انظري اليوم إلى ما فعلته كوريا خلال السنوات الخمسين الماضية. عملت الكثير.. غسالتك من كوريا، ثلاجتك وسيارتك، كله، كله من كوريا. نحن في مصر ماذا فعلنا؟ ماذا أنتجنا منذ خمسين سنة؟ لا شيء. قارني مصر كيف كانت قبل خمسين سنة خلت بما هي عليه اليوم».

* قضايا التغيرات المناخية والاحتباس الحراري من أهم القضايا العلمية الساخنة عالميا الآن، وآثارها ما عادت تقبل التشكيك. ما هي تأثيرات التغيرات المناخية على المنطقة العربية، وإلى أي مدى يعي عالمنا العربي أبعادها؟

«مشكلة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري تظهر كل يوم «بالمانشيت العريض» على صفحات الجرائد اليومية في العالم العربي، لكن لا أحد في العالم العربي من أوله لآخره يدرسها. نحن ليس لنا الحق في أن نتكلم عن تغير المناخ والاحتباس الحراري، لأنه لا أحد يعرف معنى التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، ولا درس عنها أي شيء إطلاقا. لا درسنا ثاني أكسيد الكربون في أي مكان في الوطن العربي ولا نقيسه، لا أحد يعرف مستوى البحر في العالم العربي، في الخليج العربي، في خليج عمان، في قناة السويس، في الإسكندرية..

* وما العمل إذن؟

«علينا أولا أن نقر ونعترف جماعيا (collectively) بالخطأ، ونترك الساحة لغيرنا، ونعطي الفرصة للأجيال الصاعدة ونشجعها وندعمها حتى وإن أخطأت. علينا أن نقول إن لدينا خللا ما، وإننا في المؤخرة، ولا بد أن يتغير الحال. يجب أن نتخلص من مبدأ أهل الثقة ليحل محلهم أهل العلم والمعرفة إن نحن أردنا أن نتقدم ونرتقي».