بيروت تستعيد لحظة سقوط جدار برلين

في معرض فوتوغرافي بعد 20 عاما على الحدث التاريخي

مانفريد مايكل ساكمان «أم وأطفالها نحو برلين الغربية»
TT

زحمة ناس وصيحات وضحكات ودموع وسماء متحررة من قيود النازية، هذا ما تؤرشفه عدسات 14 مصورا فوتوغرافيا لدى سقوط جدار برلين في ذاك الخريف من عام 1989، في معرض يقيمه مركز «أمم للتوثيق والأبحاث» بالتعاون مع «معهد غوته» في بيروت احتفالا بمرور 20 عاما على الانهيار العظيم. كلٌّ من زاويته، التقط جانبا من اللحظة التاريخية لانهيار جدار شطر مدينة وشعبا ودولة وقارة وعالما، وبقي أقل بقليل من ثلاثة عقود رمزا شامخا لهذا الشرخ العميق. بيروت وفي قلب ضاحيتها الجنوبية حيث مركز أمم التي تدأب على تنظيم نشاطات ثقافية راقية، استحضرت الذكرى باستضافتها بعضا من أعمال هؤلاء المصورين. لحظات، بالأسود والأبيض، تنبض دهشة وكأنه فجر جديد ينبلج وكأنها مدينة تولد من بين الركام وكأن الحياة نفحت فيها للتو، كل هذه المعاني وأكثر تنضح بها الصور، المعلقة في «هنغار» أمم، لفرط ما تحمل من سرور لشعب لم يخل أن هذا الجدار سيسقط يوما.

حماسة هذا المراسل المنتصب أمام الكاميرا واضحة وكذلك هو إصرار ذاك الرجل على المشاركة في هدم جدار الفصل. فرغم تقدمه في السن حمل تعبه وانحناءة ظهره واتجه نحو السور ممسكا مطرقته بعدما سبقه إليه أحدهم أكثر شبابا. شاب آخر استسلم للضحك تحت ذرات المياه، ويد التقطتها ماريا سوزيتز تشد على قطعة انتزعتها من الجدار.

اللافت في هذه الأعمال أنها تحمل متأملها إلى تلك اللحظات وتجعله يشعر وكأنه ينساب بين الجموع الغفيرة ليهتف معها ويصرخ من القلب ويشارك في هدم هذا الفاصل.

مقاربة برند هورست سيفزيك لهذه اللحظة مختلفة، فصورها سوداء بالكامل لا ضوء فيها سوى الضوء المسلط على «شخصياتها». ففي مقدمة إحدى اللوحات وجوه تشعّ فرحا تشرب الأنخاب احتفالا، وفي الخلفية بضعة أشخاص يحملون الشموع. في صورة أخرى، سيارة تُستقبل بالترحاب ومن في داخلها يحمل جواز سفر يبدو انه لم يعد يحتاج إليه بعدما توحدت الـ«برلينان».

لكل صورة قصة، وكما أن المأساة يأتي وقعها على المجموعة مختلفا، كذلك المعاناة تتجلى بالآلاف لتحكي الكثير من القصص التي حاول هؤلاء المصورون أن يعكسوها بعدساتهم. فهذه السيدة التي حفر الزمن في وجهها تضاريسه وأخاديده، تنظر إلى هذا الشرطي وتحكي بعينيها ويديها! مذهلة عين لوثر مايكل بيتر كيف جعل هذه السيدة محور «لوحته» وسط هذا الازدحام. لدى الدخول إلى الهنغار، أربع صور التقطت عند بوابة براندنبورغ يؤرشف فيها نيللي راوهارونغ وجه هذا المصور وربما كان من إلى جانبه مراسل، يتسلل الزهو والإعجاب من خلف نظارتيه السوداوين ليطبع كل ملامح وجهه. وبعد افتتاح ساحة بوتسدام التي شطرها الجدار وجعل قسمها الشرقي خاويا، ها هي تصير مليئة بضحكات الطلاب. وفي الجهة الأخرى يصور مانفريد مايكل ساكمان أما وأولادها، وحده ذاك الطفل الصغير يلتفت إلى الخلف بعينين ضاحكتين. وتضفي أعمدة الإنارة على جنبات الطريق عمقا على الصورة. وهنا أناس يتصافحون بعدما باعد بينهم الجدار من دون أن يتمكّن من القضاء على اللحمة التي تربطهم. هانز ميندي يلتقط «برلينين» ليسلّط الضوء على التنافر بينهما، الأولى مقفرة والثانية مزدحمة. واختار ايبرهارد كلوبل التركيز بصوره الأربع على الجدار نفسه وفي خضوعه لعملية هدم بعدما حطم طوال سنوات الكثير من الجسور بين أبناء العاصمة الواحدة. ولا شك انه بين هؤلاء المصورين يبدو هيرالد هيرش أستاذا في التقاط الزحمة. ففي أعلى اللوحة يبدو الناس أشبه بخطوط عمودية وفي جزئها الأسفل والأقرب يبدون في اصطفاف أفقي. هذا التعاكس هو ما يمنح العمل بعدا مميزا.

وفي المعرض شريط وثائقي لأورليش فيكرت يحكي بالصوت والصورة عن تلك الحقبة لمن يجهلونها. الجولة لا تنتهي مع اجتياز عتبة الهنغار لاسيما بعد قراءة: «جدار برلين يسقط في الضاحية» على تلك البطاقة البريدية التي يحملها الزوار معهم أو تذكارا من المناسبة.