بعض المدارس الأميركية تتخلى عن الكتاب المدرسي

النصوص الرقمية تلقى رواجا.. ومعارضون يشككون في جودة العملية التعليمية

طلاب مدرسة راسل ستيفنز في اغورا بكاليفورنيا خلال حصة للجبر يستخدمون التكنولوجيا الرقمية بدلا من الكتب المدرسية التقليدية (واشنطن بوست)
TT

تبدد الخوف من مادة الجبر في المرحلة الثانوية هنا وسط الضوء الأزرق النابع من شاشات الكومبيوتر وأصوات النقر على لوحات المفاتيح. وتنبعث أصوات الموسيقى من مكبر صوت بينما يخضع الطالب لاختبار في جزء من المنهج. وبالقرب منه، يشاهد زميل له في الفصل فيديو لمحاضرة عن النسبة. وتحاول أخرى أن تحل مسألة في مفكرتها قبل أن تضغط على الإجابة في سؤال متعدد الاختيارات على شاشة الكومبيوتر أمامها.

ويجلس معلمهم في مدرسة أغورا الثانوية راسل ستيفانز في مؤخرة الغرفة وهو يشاهد درجات تظهر له في الوقت ذاته في جدول التقديرات على جهاز الكومبيوتر. وتظهر البيانات أن أحد الطلاب قد اجتاز مستوى جديدا، وآخر يعيد حل اختبار ما.

يقول ستيفان ضاحكا: «من كان يظن أن ذلك سيجعل الحياة أسهل بكثير». لا تعد تلك الحجرة الدراسية الخالية من الكتب نموذجا في المدارس، ولكن ربما تصبح كذلك في يوم من الأيام. وتشهد المدارس في جميع أنحاء البلاد، على نحو متزايد ولكنه بطيء، استبدال الكتاب الرقمي بالكتب الثقيلة الغالية التي لا يمكن تعديلها، حيث يعد أخف وزنا وأقل ثمنا ويمكن التغيير فيها: وهو الكتاب الرقمي.

ويمكن تحميل الكتاب الرقمي، الذي يعرف أيضا بالكتاب المرن لقدرته على التكيف، وعرضه على الشاشة وطباعته، ويتنوع ذلك الكتاب ما بين كتاب مدرسي بسيط ومنهج يعتمد على شبكة الإنترنت مدمج به وسائط متعددة وروابط إلى محتويات على الشبكة. ويجب شراء بعض النسخ، بينما تعد أخرى «مصدرا مفتوحا»، مجانيا ومتاحا على الإنترنت للجميع.

ويثني البعض على التكنولوجيا كوسيلة لتوفير أموال المدارس، وإحلال الكتب منتهية الصلاحية، وتشجيع الطلاب الشغوفين بالوسائل التكنولوجيا بصورة أفضل. ويقول آخرون إن المدارس ليس لديها موارد للانضمام إلى التيار الرقمي، أو يشككون في جودة محتوى المصدر المفتوح.

وما زالت الكتب المدرسية المطبوعة سائدة في سوق الكتب الأميركية التي تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار، وتشكل الكتب الرقمية في تلك السوق نسبة تقل عن 5 في المائة، وفقا للمحللة كاثي مايكي من مجموعة أبحاث السوق «سيمبا إنفورماشن».

ولكن بدأ ذلك الوضع في التغير، حيث بدأت المدارس التي تضم فصولا من الروضة إلى المرحلة الثانوية تتبع أسلوبا سبقتها إليه الجامعات الأميركية والمدارس في دول أخرى منها كوريا الجنوبية وتركيا. وفي مقاطعة برووارد في فلوريدا، يدخل الطلاب والمدرسون على الإنترنت للوصول إلى نسخ رقمية من كتب لمواد اللغة الإسبانية والرياضيات والقراءة. وفي أريزونا، تعمل الفصول في إحدى مدارس إدارة فايل التعليمية بشكل كامل معتمدة على أجهزة الكومبيوتر المحمولة بدلا من الكتب. وفي فيرجينيا في العام الحالي، كشف مسؤولو الولاية ومسؤولو التعليم عن استخدام كتاب رقمي مجاني في مادة الفيزياء بصفته مكملا للكتب المطبوعة.

وقد حققت ولاية كاليفورنيا أكبر معدل في تبني الكتب المدرسية الرقمية في الصيف الحالي عندما أقرت 10 كتب مجانية في مادتي العلوم والرياضيات في المرحلة الثانوية طورها أساتذة جامعيون ومؤسسة CK ـ 12 التي يقع مقرها في بالو ألتو والتي لا تستهدف الربح وتعمل على تخفيض تكاليف المواد التعليمية. وقد تمت الموافقة على الكتب حيث تنطبق عليها 90 في المائة من المعايير الأكاديمية التي تشترطها الولاية، وتركت الولاية اختيار استخدامها للمدارس ذاتها.

ويأمل الحاكم أرنولد شوارزنيغر (الجمهوري) في أن تستعين المدارس بالكتب الرقمية. ويقصد من وراء مبادرته لاستخدام الكتب المدرسية الرقمية تخفيض النفقات في الولاية التي تعاني من تعثر مالي حاد. ويقول إنه نظرا لأن متوسط تكلفة الكتاب المدرسي تبلغ 100 دولار، يمكن أن توفر الولاية 400 مليون دولار إذا استخدم طلاب المدارس الثانوية كتبا رقمية في العلوم والرياضيات).

وقال شوارزنيغر في الصيف الماضي: «إن الكتب المدرسية أصبحت قديمة للغاية، في رأيي، ولا يوجد سبب لأن ترهق المدارس طلابنا بتلك الكتب البالية الثقيلة غالية الثمن. وتعد الكتب المدرسية الرقمية جيدة ليس فقط من أجل الطلاب، بل أيضا من أجل منفعة المدارس أيضا».

وقد أنفقت مدارس كاليفورنيا الحكومية والخاصة ما يزيد على 633 مليون دولار على الكتب المدرسية في عام 2007، مما جعل من الولاية أكبر منفق في البلاد، وفقا لأحدث بيانات صادرة عن جمعية الناشرين الأميركيين. وقد أنفقت المدارس في تكساس 375 مليون دولار؛ ونيويورك 264 مليون دولار. وأنفقت واشنطن العاصمة 13.9 مليون دولار.

وقد شجع الشعور بالقلق من التكاليف الكونغرس على تمرير تشريع في العام الماضي يتطلب أن يكشف الناشرون عن أسعار الكتب المدرسية عندما يبيعونها للمدرسين. ويضع ذلك التشريع أيضا حدا للأسلوب الذي كان الناشرون يبيعون به الكتب والمواد التكميلية معا، مما يزيد من التكاليف. وقد مررت عدة ولايات تشريعا مماثلا.

ولكن يعارض البعض فكرة أن بعض الكتب المدرسية الرقمية، حتى نسخ المصادر المفتوحة، ستكون أقل تكلفة للولايات، على الأقل بصورة مباشرة، أو أنها ستحسن من جودة التعليم.

وقال جاي ديسكي، المدير التنفيذي لقسم المدارس في جمعية الناشرين الأميركيين: «لنضع في الاعتبار أننا يجب أن نسأل مع وجود مواد المصدر المفتوح: من أين تأتي؟ هل هو مصدر موثوق به؟ هل يتماشى مع معايير الولاية؟ هل يعتمد على بحث حقيقي؟» وأضاف ديسكي إن الكتب المدرسية التقليدية تقدم منهجا متكاملا، بينما تقدم بعض نصوص المصدر المفتوح أجزاء وقصاصات فقط. وقال: «يمكن أن يكون هناك اختلاف في المحتوى والدقة. وفي كثير من الحالات، تحصل على ما تدفع من أجله».

ويواجه ناشرو الكتب المدرسية خسائر في أعمالهم في الوقت الذي يشهد فيه محتوى شبكة الإنترنت توسعا. ولكن يلقي ديسكي باللوم على حالة الركود وليس الكتب الرقمية، في أنها السبب وراء المتاعب المالية التي تواجهها الصناعة. ويقول: «لا نعتقد أن تخفيض الميزانيات سببه مواد المصدر المفتوح».

وتذكر المدارس التي تستخدم النصوص الرقمية أنه من المبكر للغاية معرفة قدر المال الذي يمكنها توفيره. وكما يشير المعارضون، يتطلب تحقيق منافع مالية طويلة المدى استخدام موارد مقدمة تفتقر إليها العديد من المدارس: مثل الأموال وتدريب المعلمين ومعدل نقل البيانات لدعم الوسائط المتعددة عبر الإنترنت، والأكثر أهمية هو أجهزة الكومبيوتر.

ووفقا لتقرير صدر عام 2005 عن مكتب التعداد السكاني، تملك معظم المنازل أجهزة كومبيوتر شخصية ولديها اتصال بالإنترنت، ولكن يقل معدل الاتصال بالإنترنت مع انخفاض مستوى الدخل. وتملك المدارس الأميركية في المتوسط جهاز كومبيوتر واحدا لكل أربعة طلاب، وفقا لبيانات عام 2005 صادرة عن المركز القومي لإحصائيات التعليم.

ويقول ديفيد سنشيز، رئيس جمعية معلمي كاليفورنيا: «سيمثل الأمر بعض التحدي للمدارس في جميع أنحاء البلاد لتنفيذ تلك التكنولوجيا الحديثة. فكيف تضمن أن يتمكن جميع الطلاب من الوصول إلى ذلك النوع من الكتاب المدرسي؟» ويتساءل غلين توماس، وزير التعليم في كاليفورنيا، ما إذا كانت الكتب المدرسية الرقمية ستتطلب وجود جهاز كومبيوتر لكل طالب. وقال: «لا تتعلق تلك المبادرة بالأجهزة. وقد زرت فصلا دراسيا كان فيه طالبان يستخدمان جهازي كومبيوتر محمولين، وكان العديد يحملون كتبا مدرسية، وبعض منهم كان معه بعض الفصول المطبوعة، وكان الدرس معروضا على شاشة أمام جميع الطلاب في الفصل الدراسي».

وحتى الآن، يبدو أن الكتب المدرسية الرقمية تخضع إلى حد كبير إلى اختيار المدارس والمدرسين. ولكن سريعا ما تشجع عمليات تحويل، مثل تلك التي قام بها المعلم ستيفانز في مدرسة أغورا الثانوية، على المزيد.

وقال ستيفانز، الذي وافق مترددا على تجربة الفصل الدراسي الخالي من الكتب المدرسية في العام الحالي: «لو كانت هناك قائمة بمعلمي الرياضيات الذين سيشتركون في ذلك، كنت سأكون في المؤخرة». ولكنه يقول حاليا للمعلمين الذين يفكرون في الإمكانيات الرقمية: «ماذا تنتظرون؟»

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»