النساء السعوديات تحت المجهر في «منتدى المرأة العربية والمستقبل»

«المحرمات» في المناهج التعليمية والأدب تثير نقاشا حارا

جانب من جلسة «الجنس في وسائل الإعلام» من اليمين: بدرية البشر ونهاوند القادري وطوني خليفة وفوزية سلامة
TT

لقاءات ساخنة وصريحة شهدتها بيروت طوال يومين، اجتمعت لها عشرات النساء من مختلف الدول العربية، إضافة إلى قلة مدعوة من الرجال بدت، في الأحيان، أشد حماسة من النساء أنفسهن في دفاعهم عن قضايا المرأة. وكان لافتا في هذه اللقاءات التي انعقدت بدعوة من «منتدى المرأة العربية والمستقبل» بمبادرة من مجلتي «الحسناء» و«الاقتصاد والأعمال» وبالتعاون مع «جامعة الدول العربية»، الحضور النسائي السعودي، الذي اعتبرت إحدى المشاركات أنه جديد، ويدعو للفرح، بعد أن كانت المرأة السعودية مفتقدة في مثل هذه المناسبات. واشتدت حرارة النقاشات أو بردت تبعا للموضوع ومدى الحماس أو الاستفزاز الذي كان يتسبب به الحضور المشارك بفاعلية.

ولعل الجلسات الأكثر سخونة هي تلك التي خصصت لـ«المرأة في الإعلام»، و«التعليم والمحرمات» كما «الإباحية في الروايات».

ففي اليوم الأول كان صدام في الآراء بين النائبة البلجيكية من أصول تركية ماهينور أوزدمير والإعلامية مي شدياق. أوزدمير روت تجربتها كمسلمة في أوروبا وانتمائها إلى الحزب الديمقراطي المسيحي البلجيكي، وفوزها كنائبة ممثلة للحزب في الانتخابات، والانتقادات التي وجهت لها بسبب حجابها. وهو ما أثار حفيظة الإعلامية مي شدياق التي أرادت أن تدافع عن البلجيكيين، فوقعت في ورطة، وهي تقول إن ما جوبهت به النائبة من أصول تركية ليس عنصرية، بقدر ما هو استغراب ودهشة من الحجاب، الذي كان سيثير الأمر نفسه في لبنان. وقد غاب ربما عن ذهن شدياق وجود النائبة بهية الحريري محجبة في البرلمان اللبناني، الذي لم يثر بطبيعة الحال أي تعليق من أحد. وكما في جلّ المؤتمرات العربية هذه الأيام فإن النقاشات بقيت تراوح مكانها في كثير من النقاط ـ رغم الحدة والجرأة التي تحسب للجنس اللطيف ـ بسبب وجود الرأي والرأي المضاد ومن هم في الوسط، مما أبقى غالبية المسائل معلقة، وموضع جدل، بين الأطراف الثلاثة. فقد اختلف المشاركون حد التنافر في جلسات اليوم الثاني المخصصة للمحرمات حيث تمحورت الجلسة الأولى حول «الجنس في الإعلام»، فكان ثمة من هاجم الوسائل الإعلامية واعتبر أن الرقابة غائبة في لبنان، وكأن بعض المتحدثين نسوا أن أفلاما وكتبا تمنع، ومسرحيات تحذف منها مقاطع تقصر أو تطول. وتباينت الآراء حتى وقفت إحدى الشابات وتساءلت عما تريده الحاضرات وقالت: «من ناحية أنتن تطالبن بمجتمع ليس فيه كبت ومن ناحية أخرى تلتجئن للشكوى عند الخوري والشيخ عندما ترون ما لا يعجبكن وتردن كبحه». وشاركت في هذه الجلسة الأديبة السعودية بدرية البشر، ولسبب غير مفهوم وخارج عن موضوع النقاش سألها مدير الجلسة، الإعلامي طوني خليفة إن كانت قد تزوجت عن حب أو بشكل تقليدي، فرفضت الإجابة عن سؤال شخصي، ثم سألها عن رأيها في العلاقات قبل الزواج. فأجابت دون تردد بأن في الإسلام اليوم فتاوى لزيجات من أنواع مختلفة. لكن المشكلة دائما أن هذه الزيجات توظف لصالح الرجال، وغالبا ما تخرج النساء مغبونات، ومهضومات الحقوق، وهنا تكمن المشكلة التي تستحق النظر فيها.

وفي جلسة المحرمات والتعليم التي أرادت أن تلقي الضوء على المناهج المدرسية العربية وصورة المرأة فيها، شاركت السعوديتان، سهير القرشي، عميدة كلية دار الحكمة، وخولة الكريع رئيسة مركز أبحاث الموروثات البشرية لمكافحة السرطان في مستشفى الملك فيصل إلى جانب ليلى فياض رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء في لبنان. وبدأ مدير الجلسة شكري حسني، مدير عام الاستشاريين للتطوير المدرسي، بمهاجمة المنهاج اللبناني الذي ألغى تاء الإناث فصار هناك عالم ومفكر وكاتب، بصيغة المذكر دون المؤنث، واستغرب أن لا تذكر في المنهاج الابتدائي غير سيدتين هما مي زيادة وبنت الشاطئ، وكأنما لا نساء كتبن أو فكرن. واعترضت ليلى فياض على هذا التشاؤم معتبرة أن التطوير قائم للمناهج على قدم وساق، والمراجعة مستمرة، شارحة أن أعضاء متخصصين في موضوع الجندرة كانوا موجودين في لجان وضع المنهاج، لكن هذا أمر وترجمته في كتاب أمر آخر. وبشرت فياض الحاضرين بأن المنهاج الجديد سيتضمن قريبا كتابا وظيفته التربية والتوعية الجنسية للطلاب. وانتظر مدير الجلسة على ما يبدو من المشاركتين السعوديتين في الجلسة هجوما على المناهج السعودية، لكن شيئا من هذا لم يحدث، ورغم أسئلته الاستفزازية، أصرت سهير القرشي على أن الدور الأكبر يقع على عاتق المعلمين وليس المناهج. وتحدثت عن استطلاع أجرته بين الطالبات السعوديات يظهر أن أولوياتهن ليست الجندرة كما تدّعي الحاضرات، وإنما جودة التعليم، توسيع النشاطات الجامعية للشباب، وقلقهن هو من عدم وجود وظائف شاغرة. كما أن هؤلاء اشتكين من مشكلة تحديد الهوية، ونقص الوعي الثقافي والديني. أمر تحدثت عن شبيه له خولة الكريع مستنكرة الكلام عن مناهج متحيزة ضد المرأة، وقالت: إنها لم تجد فرقا في المستوى بين ما تعلمته في السعودية وما اكتشفته في أميركا. وأن «التعلم ليس فيه ذكورية كما يدّعي البعض. فهل يمكن أن يكون علم الرياضيات أو الفيزياء ضد المرأة مثلا». وتوجهت للحاضرين بالسؤال: «لماذا تتحدثون عن المرأة والرجل كأنهما كيانان منفصلان. مناهجنا السعودية مليئة بصور عن المرأة الناجحة، نحن في السعودية أول من عرف ماري كوري. أنا أعيش في قرية شمال المملكة وتعلمت هناك، ولم أر في ما تعلمته أي تحيز ضدي».

وفي الجلسة الختامية للمنتدى، المخصصة للروايات النسائية والمحرمات قرأت الممثلة رندا الأسمر مقاطع جريئة من أدب المشاركات اللواتي أجمعن ـ وربما كان هذا من الأمور القليلة التي لم يكن اختلاف حولها ـ أن الجرأة في الكتابة النسائية ليست جديدة، وما كانت تقوله الشاعرات المسلمات، تجاوز ما نقرأه اليوم. كما أن هذه الجلسة التي أدارها الإعلامي جوزيف عيساوي وتوقع كثيرون أن تكون الأكثر سخونة، تكلمت فيها حنان الشيخ وليلى العثمان كما سمر يزبك وعفاف البطاينة، عما بات يسمى مشاهد إباحية، على أنها تأتي في سياق أدب يعبر عن الحياة بتعدد وجوهها، رافضات مبدأ الجرأة للجرأة، والمجانية في استخدام الأدب المكشوف، دون أن يجدن من عارضهن.