دقيقة نيويورك السرية: القطارات تتأخر عمدا

إذا كنت تعتقد أن أمامك دقيقة واحدة للوصول إلى القطار عليك أن تهدأ فلا تزال أمامك فعليا دقيقتان

في الواقع توجد هذه الدقيقة منذ عقود ويجري نشرها فقط في الجداول الزمنية الخاصة الموجهة إلى الموظفين. وتعد هذه الدقيقة بمثابة فترة سماح لأولئك الذين يناضلون لكسب مزيد من الوقت من أجل القفز من على رصيف المحطة إلى داخل القطار (نيويورك تايمز)
TT

بالنسبة للراكب الذي يسرع خطاه سعيا للحاق بقطار، يمكن لدقيقة واحدة أن تعكس الاختلاف ما بين تناول العشاء مع الأسرة أو الحصول على مجرد بقايا الطعام. أما الأمر الذي لا يدركه معظم الركاب أن هذه الدقيقة متاحة بالفعل، ذلك أن جميع قطارات الركاب التي تتحرك من مدينة نيويورك ـ ويبلغ عددها نحو 900 قطار يوميا ـ تغادر رصيف المحطة متأخرة دقيقة عن موعدها المحدد. على سبيل المثال، إذا ذكر الجدول الزمني لانطلاق القطارات أن موعد رحيل القطار 8.14، فإن ذلك يعني أن القطار سيغادر المحطة فعليا الساعة 8.15. وبالمثل، فإن 12.48 تعني 12.49. يعني ذلك أنه إذا كنت تعتقد أن أمامك دقيقة واحدة للوصول إلى القطار ـ حسنا، عليك أن تهدأ، فلا يزال أمامك فعليا دقيقتان. في الواقع، توجد هذه الدقيقة منذ عقود ويجري نشرها فقط في الجداول الزمنية الخاصة الموجهة إلى الموظفين. وتعد هذه الدقيقة بمثابة فترة سماح لأولئك الذين يناضلون لكسب مزيد من الوقت من أجل القفز من على رصيف المحطة إلى داخل القطار. من جهتها، أوضحت مارجوري آندرز، المتحدثة الرسمية باسم «سكة حديد مترو نورث»، أنه «إذا علم الجميع أن أمامهم وقتا إضافيا، سيتلكئون». وعندما علمت بأمر هذا المقال، قالت ضاحكة: «لا تكشفوا سرنا!». الملاحظ أن المسؤولين يعمدون إلى إخفاء أمر الدقيقة الإضافية عن الرأي العام. وتتعارض هذه الدقيقة السرية مع الثقافة السائدة في خدمة السكك الحديدية التي تقوم على الدقة البالغة. يذكر أن خدمة خطوط السكك الحديدية ساعدت في ابتكار مفهوم التوقيت القياسي، وتم إقرار نطاقات التوقيت المختلفة في الولايات المتحدة في عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر، أي قبل دمجها في القانون بـ35 عاما. ويشير معظم الركاب إلى قطاراتهم بمواعيد انطلاقها. على سبيل المثال، ألف الروائي جون تشيفر قصة قصيرة حول السكك الحديدية بعنوان «ذي فايف فورتي إيت» (الذي اتضح الآن أنه 5.49، وليس 5.48 كما ظن تشيفر). وسرعان ما يعوض القطار الدقيقة المتأخرة، ففي جميع المحطات الأخرى، يلتزم القطار بالمواعيد الزمنية المحددة في الجدول المعلن. الملاحظ أن الدقيقة الإضافية لا يجري العمل بها في خطوط السكك الحديدية في أي من شيكاغو أو لوس أنجليس أو فيلادلفيا أو سان فرانسيسكو. إلا أنه في نيويورك، يعود العمل بالدقيقة السرية إلى عقود ماضية، حسبما أوضح بعض المعنيين بالسكك الحديدية. على سبيل المثال، قال جاك سوانبرغ، 70 عاما، مؤرخ غير رسمي لـ«سكة حديد مترو نورث» الذي تولى في وقت سابق الإشراف على القطارات المنطلقة من محطة «غراند سنترال»: «ظل هذا الأمر معمولا به طيلة الوقت، منذ أن بدأت أعي ما حولي. لقد عملت مسؤولا عن مواعيد انطلاق القطارات عام 1970، وكان هذا الوضع قائما حينها. أنا على ثقة من أن هذا الأمر ظل متبعا منذ عام 1870 حسب علمي». داخل «غراند سنترال»، لا ينبغي أن يعد أي راكب الدقيقة الإضافية أمرا مضمونا، ذلك أن مسؤولي القطار يحق لهم مغادرة رصيف المحطة في الوقت المحدد في الجدول الزمني المعلن، طالما أن الرصيف خال وليس هناك عملاء يسارعون للحاق بالقطار. إلا أن دراسة مسحية غير رسمية شملت 20 قطارا غادروا المحطات وقت الذروة مساء أحد أيام العمل العادية توصلت إلى أنه في المتوسط غادرت القطارات المحطة بعد الوقت المحدد بنحو 58 ثانية تقريبا. الملاحظ أنه لا توجد جداول زمنية أو أي مؤشرات توحي بوجود الدقيقة الإضافية، فعند اللحظة المحددة لرحيل أي قطار، تعلن اللوحة المعلقة بالمحطة عن رحيل القطار، على الرغم من استمرار وجوده على رصيف المحطة، حيث يتلقى آخر مجموعة من الركاب المهرولين للحاق به قبل انطلاقه. وعندما سألنا مسؤولا في مكتب الاستعلامات بالمحطة عما إذا كان أي من القطارات يغادر المحطة متأخرا دقيقة عن الموعد المعلن، هز رأسه نافيا، وشدد بصرامة على أنه: «إذا نص الجدول على أنه يغادر 7.14، فإن ذلك يعني أنه يغادر 7.14».

إلا أن هذا القول يفتقر إلى الدقة، ذلك أن ما يزيد على نصف القطارات التي جرت مراقبتها هذا الأسبوع انتظرت الدقيقة الإضافية بأكملها أو لمدة أطول. أما أكثر هذه القطارات تأخرا فقد انتظر على رصيف المحطة لمدة 81 ثانية، بينما انطلق قطار متجه إلى كونيكتيكيت بعد موعده المحدد بـ32 ثانية فحسب. ومع ذلك، سمح هذا التأخير لأحد الركاب، الذي جاء متأخرا عن موعده بالفعل، بشراء ثلاثة زجاجات من العصير قبل الهرولة على الرصيف للقفز داخل القطار. من جانبه، علق جيسون مكالوسو، مسؤول لدى «سكة حديد مترو نورث» منذ 12 عام، ضاحكا: «هذا الأمر يجعلني أبدو كشخص لطيف المعشر». في البداية، كانت الدقيقة الإضافية تعرف باسم «وقت البوابة»، وتعود إلى الفترة التي كان يجري خلالها استخدام بوابات في غلق السلالم المؤدية إلى أرصفة المحطات (وما يزال يجري استخدام بوابات من حين لآخر في «غراند سنترال»). عند وقت المغادرة المعلن، كان يجري إغلاق البوابات، وكان أمام من نجحوا في اجتيازها دقيقة لركوب القطار. بصورة تدريجية، جرى توسيع نطاق تطبيق هذه الممارسة لتشمل القطارات المتجهة إلى لونغ آيلاند ونيو جيرسي وتبدأ انطلاقها من محطة بنسلفانيا ومحطة «لونغ آيلاند ريل رود». الملاحظ أن مسؤولي السكك الحديدية يبدون بعض الحذر عند سؤالهم عن أمر تلك الدقيقة. في هذا الصدد، اعترف متحدث رسمي باسم شركة «أمتراك» (الشركة الوطنية لركاب السكك الحديدية) بأن بعضا من القطارات التابعة للشركة والعاملة داخل المدن الكبرى تنتظر لمدة 60 ثانية بعد الوقت المحدد، لكنه لم يحدد أي القطارات تقوم بذلك ولا أي المدن يحدث بها ذلك. على الجانب الآخر، أبدى الذين تم إطلاعهم على أمر الدقيقة الإضافية من الركاب دهشتهم وامتنانهم البالغ. على سبيل المثال، قال كريستينا ريدل، 28 عاما، بينما تهدجت أنفاسه بعدما هرول سريعا للحاق بقطاره في «غراند سنترال»: «أصدقك القول، شعرت بالدهشة من أن القطار كان لا يزال موجودا بالمحطة». كان ريدل، الذي يعمل نجارا، قد حرص على الجري بسرعة ليلحق بقطاره الذي كان مقررا انطلاقه في الساعة 8.23. وبعد قفزه إلى داخل القطار، لم تغلق الأبواب سوى بعد عشر ثوان. بالنسبة لريدل، يعني عدم اللحاق بالقطار، الانتظار نصف ساعة أخرى، ما جعله يصف سياسة الدقيقة السرية بـ«رائعة للغاية». إلا أنه أردف قائلا: «لكنني سأحاول الوصول في الوقت المحدد، فأنت لا تدري ما قد يحدث».

* خدمة «نيويورك تايمز».