تماثيل الشمع لنجوم هوليوود في «مدام توسوو» الأكثر إثارة.. ومكان صدام بين هتلر وموغابي

زوار المتحف في لندن لا يلتقطون صورا قربها

تمثالي زعيم النازية أدولف هتلر، ورئيس زيمبابوي الحالي، روبرت موغابي،
TT

مع حلول فصل الخريف تأخذ طوابير السياح في الانحسار أمام أماكن الجذب السياحي التي تزخر بها العاصمة البريطانية، إلا الطابور الذي يقف أمام متحف «مدام توسوو» أو كما هو معروف في عالمنا العربي باسم «متحف الشمع»، فهو لا يعرف التناقص، فهو يحافظ على أعداد زواره في كل الفصول.

تصل المتحف، الذي يقع في ركن بالقرب من محطة بيكر ستريت وسط لندن، فتجد طابورا طويلا لا نهاية له، فتشعر بالندم لأنك لم تقطع تذكرة عبر الموقع الإلكتروني للمتحف كانت ستجنبك الوقوف في الطابور. فتنضم إلى صف الواقفين معتقدا أن الأمر لن يستغرق سوى 20 دقيقة لكن الأمر سيستغرق في الحقيقة أكثر من ذلك، ولا يخفف من وطأة الانتظار سوى مرور موظفي المتحف الذين يتلاطفون مع الواقفين بين الحين والآخر. وخلال فترة الانتظار قد تستمع إلى مختلف لغات الدنيا بسبب السائحين الذين يصل معظمهم من الدول الأوروبية وأستراليا ونيوزيلندا وأميركا وكندا واليابان ودول الخليج العربي.

ومتحف «مدام توسوو» هو واحد من تسعة متاحف متوزعة في أنحاء العالم، سواء في مدن آسيوية مثل هونغ كونغ وشنغهاي مرورا بأوروبا في أمستردام وبرلين وانتهاء بأميركا في نيويورك ستي وواشنطن دي سي وهوليوود. غير أن متحف لندن يعتبر أقدمها والأكثر شهرة. وتمضي ساعة وأنت واقف على قدميك والطابور يسير ببطء شديد ولا تكاد تصدق عينيك عندما تصبح قريبا من بوابة المتحف، وعندما تدخل ستكتشف أن هذا ليس نهاية المطاف بل إن هناك طابورا آخر في الانتظار لقطع التذاكر. ويبطئ الموظفون في عملهم كوسيلة لكي يخف الازدحام داخل المتحف قبل أن يسمحوا للقادمين الجدد بالدخول. وعندما تحصل أخيرا على التذكرة تكاد تطير من الفرح لأن المحنة قد انتهت، وبت قريبا جدا من الهدف. ثم يأخذك مصعد مسافة طابقين وعندما تفتح بابه للمغادرة تشعر بالنشوة، إذ تفاجئك فلاشات كاميرات سلطت عليك مع صيحات مسجلة لجمهور لا وجود له، في محاكاة لمراسم استقبال نجوم هوليوود في ما يعرف بـ«البساط الأحمر» لدى افتتاح فيلم ما أو مهرجان سينمائي، ويريد القائمون على المتحف أن يشعروك بأنك لا تقل شأنا عن أولئك النجوم الذين ستلتقي بهم بعد ثوان معدودات وأنك تستحق استقبالا يشابه استقبال المشاهير.

تدخل إلى القاعة الأولى التي خصصت لمشاهير الساعة من فنانين ورياضيين ومقدمي برامج فتشعر بالانبهار وكأنك دخلت إلى حفلة بموسيقى صاخبة، وقد توزع النجوم في كل مكان؛ بعضهم جالس وآخرون واقفون، فتحبس أنفاسك عندما ترى براد بيت وصديقته أنجلينا جولي وتوم كروز وطليقته نيكول كيدمان ثم لاعب كرة القدم الإنجليزي الشهير ديفيد بيكام وزوجته فيكتوريا، ناهيك عن جورج كلوني وجوليا روبرتس وجون ترافولتا وآخرين لا حصر لهم بأشكالهم وأحجامهم الحقيقية وقسمات وجوههم وملامحهم وربما بملابس اشتهروا بها، لكنهم مجرد تماثيل مصنوعة من الشمع. ويملأ الضجيج والهرج والمرج القاعة وترى السائحين بأعمار مختلفة وقد تحلقوا حول المشاهير وبدوا متلهفين لالتقاط الصور معهم وكأنهم أحياء يرزقون.

ورتبت تماثيل الشمع بطريقة تتيح لزوار المتحف التقاط الصور محتفظين بمسافة عدة أمتار بين تمثال وآخر. وتنتبه إلى أن هناك شخصيات لا تحظى باهتمام السائحين وربما يلقون عليها نظرة سريعة ثم يتجاوزونها للبحث عن نجوم أكثر شهرة. فهناك زاوية كاملة صنعت نسخة طبق الأصل من استوديو برنامج «ليلة الجمعة مع جوناثان روس» الذي يقدمه أشهر مقدمي برامج تلفزيون الـ«بي بي سي» البريطاني جوناثان روس، ولكن من أين يعرف السائحون القادمون من أميركا الجنوبية أو أستراليا روس هذا؟ ويقول السائح الأسترالي توم تشيتن (54 سنة) إنها «زيارتي الثانية للمتحف، وهذه المرة جئت بصحبة ابنتي، فالمتحف ما زال رائعا وممتعا، لقد أضافوا شخصيات جديدة لم تكن موجودة عندما زرته المرة الأولى».

ثم تأخذك قدماك إلى القاعة الثانية، وهناك ستجد نجوما آخرين من هوليوود ولكنهم أقدم زمنيا، فهنا أودري هيبورن وجيمس دين وستيفن سبيلبرغ وروبن ويليامز وجون وين وشين كونري وبيرس بروزنان وهاريسون فورد وآرنولد شوارزنيغر وآخرون، وهنا الصخب أقل بقليل من الصالة الأولى، وبعد أن تلتقط عدة صور بقرب نجومك المفضلين تنتقل إلى الصالة الثالثة. والقاعة الثالثة ربما هي الأكبر والأكثر متعة، ففيها ستجد مشاهير الرياضة والسياسية وحتى الفن والأدب والتاريخ من مختلف الجنسيات والعصور. فهنا تجد الملك هنري الثامن والملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب والأميرة الراحلة الليدي ديانا والأمير تشارلز وزوجته كاميلا. وعلى مسافة قريبة ستجد أشهر رؤساء وزراء بريطانيا ابتداء من السير وينستون تشرشل مرورا بمارغريت تاتشر وانتهاء بتوني بلير. وهناك أيضا ركن خاص لرؤساء الولايات المتحدة أمثال جون كينيدي ورونالد ريغان وجورج بوش وبالتأكيد باراك أوباما وهو يقف قرب مكتب كبير وبقربه العلم الأميركي. ثم هناك مجموعة مثيرة من الرؤساء العرب أشهرهم الرئيس العراقي السابق صدام حسين والليبي معمر القذافي ورئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات. ويحرص الزوار العرب على التقاط الصور مع الرؤساء الثلاثة، وتجد البعض يحتضنهم بينما يرفع آخرون أيديهم بإشارات النصر، ومثلت سائحة أجنبية أمام الكاميرا وكأنها على وشك أن تخنق الرئيس العراقي. جدير بالذكر أن تمثال صدام حسين توسط تمثالي زعيم النازية أدولف هتلر، ورئيس زيمبابوي الحالي، روبرت موغابي، الذي وجهت إليه تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويقول سعود (24 سنة) وهو طالب قطري يدرس في لندن لـ«الشرق الأوسط» لقد «رأيت شخصيات هنا كثيرة تستحق أن يكون لها تماثيل من نجوم سينما وسياسيين، فقد كان لهم أثر ودور»، لكنه يستدرك قائلا إن هناك «شخصيات عربية كان لها أدوار أهم، ولكنها لم تجد لها مكانا في المتحف، وقد وجدت أن الشخصيات التي أضرتنا فقط هي التي وضعت، وكذلك الذين كان لهم دور سلبي في حالتنا العربية. أنا لا أعرف المعايير التي يتم على أساسها اختيار الشخصية التي يوضع تمثال لها في المتحف، ولكني لم أرَ هنا سوى الشخصيات العربية السيئة». من جانبها، تقول مديرة المتحف ليز إدوارد لـ«الشرق الأوسط» إن اختيار الشخصيات يأتي عبر تصويت زوار المتحف أنفسهم، وتوضح إدوارد أنه «عندما يغادر زوار المتحف المكان يصوتون لمن يريدون رؤيتهم، عندها تقرر مجموعة من متحف (مدام توسوو) من خلال هذه اللائحة اختيار الشخصية القادمة بعد عمليات بحث طويلة».

وتجد في هذه القاعة السياح الهنود وهم يحرصون على التقاط صور قرب الرموز الهندية مثل المهاتما غاندي وأنديرا غاندي، أما «أعداؤهم» الباكستانيون فيتحاشون التماثيل الهندية ويردون بالمثل عبر التقاط الصور مع الشخصية الباكستانية الوحيدة في المتحف وهي بي نظير بوتو رئيسة الوزراء السابقة التي اغتيلت أواخر 2007. ثم تجد أيضا فرقة «البيتلز» أو «الخنافس» الإنجليزية الشهيرة، بينما احتل ملك البوب الراحل مايكل جاكسون مكانة خاصة في قلب القاعة، وتم استبدال تمثاله القديم بآخر جديد بعد أسابيع فقط من وفاته في يونيو (حزيران) الماضي، وبحسب مديرة المتحف، فإن تمثال جاكسون هو الأحدث في المتحف من بين 300 تمثال شمع. وتقول ليز إنه لا يتم عادة استبدال التماثيل إلا في حالات خاصة، وتشرح قائلة «لا نغير التماثيل عادة، ولكن نجري تحديثا على شخصيات معينة بين حين وآخر، مثل الملكة (إليزابيث الثانية)، عندما نشعر بأن لتلك الشخصية إرث طويل، كما يعتمد الأمر على مدى بقاء الشخصية في منصبها في الدولة، ولكن هناك شخصيات أخرى تبقى على تمثال واحد فقط». وتقول إن قرار رفع تماثيل من المتحف يعتمد كليا على تغيير مساحات العرض وقيودها، وتستطرد قائلة: «لدينا تسعة متاحف في كل أنحاء العالم، وعندما يغادر تمثال لندن فإنه يرحل إلى متحف آخر كبرلين أو شنغهاي أو هوليوود».

وعندما تنهي القاعة الثالثة تعتقد بأنك قد وصلت إلى نهاية المطاف، لكن تمهل، فهناك مزيد من الإثارة في متحف «مدام توسوو». فعندما تخرج من القاعة ستجد أمامك الممر المرعب، وإن لم تكن قوي القلب فإن إدارة المتحف تقترح عليك تجاوزه والانتقال إلى المرحلة اللاحقة. أما إن كنت من عشاق المغامرة والإثارة فستختار دخول الممر. ولدى دخولك تبدأ بتحسس طريقك وسط الظلام الذي يلف النفق، وقد تقفز من الرعب عندما تجد أمامك فجأة شخصا يرتدي قناعا مرعبا مغطى بالدماء وهو يصرخ عاليا بوجهك، فتحاول الإسراع في الهرب، لكن مناظر الرعب والدم والقتل والتعذيب، والجثث وأشلاؤها ستلاحقك خلال سيرك ترافقها مؤثرات صوتية مخيفة. وبعد دقائق من الرعب المتواصل تنهي هذه الممر وأنفاسك متقطعة لتجد أنك تلج في ممر آخر تلتقي خلاله بأشهر السفاحين والقتلة في التاريخ وقد صنعوا من الشمع مع نبذة عن سيرتهم الشخصية، ناهيك عن عرض نماذج من وسائل التعذيب والقتل إبان قيام الثورة الفرنسية في 14 يوليو (تموز) 1789 وما تلاها من أعمال فوضى وسفك الدماء في السنوات الخمس اللاحقة. وبعد أن تنهي هذه المحطة العصيبة تنتقل إلى قاعة صغيرة أكثر هدوءا، وفيها سترى السيدة التي تقف وراء فكرة إقامة هذا المتحف وأول من صنع تماثيله من الشمع، إنها مدام توسوو (1761 ـ 1850). وهناك تمثالان لهذه السيدة الفرنسية وقد صنعتهما بنفسها وكانا آخر أعمالها قبل وفاتها، بحسب مديرة المتحف، التي اعتبرت التمثالين الأقدم من بين تماثيل المتحف. والتمثال الأول يجسد مدام توسوو في شبابها وهي ترسم اسكتشا للملك الفرنسي لويس السادس عشر وأسرته، أما الثاني وهي في شيخوختها. وترى السائحين وهم يحدقون في هذه السيدة ثم يشيحون عنها، وبعضهم اهتم بقراءة نبذة قصيرة عنها وضعت هناك، فيما لم يكلف آخرون أنفسهم عناء قراءة سيرتها الشخصية، كما ترى أن أحدا لم يلتقط صورة معها، بل فضلوا إلقاء النظر على الجانب الآخر من القاعة الذي يوضح عملية صنع التماثيل، ابتداء من أخذ قياسات الجسم والوجه وانتهاء بصناعة التمثال كاملا من الشمع. وتقول السائحة البيروفية جيني غيريرو (36 عاما) لـ«الشرق الأوسط» لقد «سمعت باسم مدام توسوو، لكني لا أعرف الكثير عنها، ولم أفكر في التقاط صورة إلى جانبها».

وفي هذه المرحلة وأنت تعاين تمثالي مدام توسوو لا تملك إلا أن تتساءل: من تكون هذه السيدة؟ ومدام ميري توسوو ولدت في مدينة ستراسبورغ الفرنسية وعملت والدتها كمدبرة منزل لدى طبيب فرنسي اشتهر بصناعة تماثيل الشمع، واكتسبت توسوو منه مهارة صناعة التماثيل. وصنعت أول تمثال عام 1777 للمفكر الفرنسي فولتير، كما صنعت «أقنعة الموت» التي استوحتها من الرؤوس المقطوعة وأشلاء الجثث التي تكدست أيام الثورة الفرنسية. وفي عام 1802 ذهبت إلى لندن في زيارة، وبسبب اندلاع الحرب بين إنجلترا وفرنسا آنذاك لم تتمكن من العودة واستقرت هناك. وفي شارع بيكر ستريت، حيث المتحف حاليا، أسست معرضا صغيرا في بازار عرضت فيه مجموعتها، ثم تحول المعرض إلى متحف صغير عرضت فيه نماذج شمعية لضحايا الثورة الفرنسية وأشهر القتلة والمجرمين. وبعد أكثر من ثلاثة عقود على وفاتها أحيا أحد أحفادها مشروع المتحف الذي افتتح في 14 يوليو (تموز) 1884 أي قبل 125 عاما وحقق نجاحا منقطع النظير منذ ذلك الحين وحتى الآن. وتوشك رحلتك الرائعة في المتحف على الانتهاء، حيث يأخذك تاكسي إنجليزي كلاسيكي أسود في رحلة عبر تاريخ لندن من العصر الإليزابيثي، نسبة إلى الملكة إليزابيث الأولى (1558 ـ 1603) مرورا بالثورة الصناعية في القرن التاسع عشر وحتى وقتنا الحاضر لتعيش «روح لندن» في رحلة تستغرق دقائق معدودة.

وفي نهاية المطاف ستجد نفسك في محل يبيع هدايا تذكارية، وعندما تنتهي من التبضع وتقترب من المغادرة ستجد أمامك ماكينة يمكنك من خلالها أن ترشح شخصية ما لإدارة المتحف لكي يصنع تمثال لها في المستقبل، ومن يدري فربما سترى في زيارتك القادمة إلى المتحف رئيس دولتك أو أحد نجومك المفضلين وقد تحولوا إلى تماثيل من الشمع.