مهرجان «تريبيكا» السينمائي يصل إلى الخليج العربي

النموذج الأخير للظاهرة السينمائية داخل المنطقة

مشهدان من فيلم «أميليا» للمخرجة ميرا ناير الذي يفتتح أيام مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي
TT

في رحلة إلى دولة قطر قام بها مؤخرا جيوف غيلمور، رئيس قسم الإبداع في «تريبيكا إنتربراسيس»، زار شخصية قطرية بارزة للترويج لمهرجان «الدوحة تريبيكا» السينمائي. ويتذكر السيد غيلمور أن الرجل تساءل بشك قائلا: «سيكون ذلك كأحد برامج نيويورك، أليس كذلك؟».

حسنا، نعم، ولا.. في الوقت ذاته. فلا يمكن نفي أصول الشركة التي تعود إلى نيويورك. ولكن، عندما يفتتح المهرجان الأسبوع المقبل في العاصمة القطرية، الدوحة، مع حضور روبرت دي نيو، المؤسس المشارك لـ«تريبيكا»، ستعكس قائمته، التي تضم 31 عملا سينمائيا، جهدا بذل على مدى أشهر من أجل للوصول إلى النغمة المتعددة الثقافة الصحيحة وتحقيق مزيج يجمع بين الأفلام الغربية والعربية.

ويقول غيلمور، الذي انضم إلى «تريبيكا» هذا العام بعد 19 عاما في مهرجان ومعهد «صندانس»: «ربما ظن الناس أن ذلك سوف يكون عملية تبادل في اتجاه واحد تقوم فيها (تريبيكا) بإحضار أفلام إلى منطقة الخليج، ولكننا ننظر إلى ذلك كعلاقة متساوية».

ويعد مهرجان «تريبيكا الدوحة» السينمائي هو النموذج الأخير للظاهرة السينمائية داخل منطقة الخليج العربي، وبعد أن بدأت دبي ذلك في 2004، وسوف تعقد مهرجانها السادس في ديسمبر (كانون الأول). ويعقد مهرجانان اثنان في أبوظبي، بالإضافة إلى مهرجانات أخرى متواضعة تقام داخل السعودية في مدينة الخبر، على ساحل الخليج، ومدينة جدة.

ويتحدث منظمو المهرجانات في جميع هذه الأماكن عن عطش شعبي لأفلام ذات جودة عالية تكون متميزة عن أفلام هوليوود وبوليوود الشائعة التي يمكنهم مشاهدتها. ولكن ثمة سؤال لم تتم الإجابة عنه وهو: هل يمكن للمنطقة أن تدعم الكثير من المهرجانات أو أن توفر الانفتاح الثقافي الذي تحتاج إليه كي تزدهر؟

ويبدو أن المنظمين في دبي يتبعون نمطا أوروبيا للمزج بين المنافسة ومبيعات الأفلام كما يحدث في مهرجان «كان». ويحتمل أن يقدم مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الذي يقام في أبوظبي، الذي وقع مؤخرا عقدا مع بيتر سكارلت، المدير الفني السابق بـ«تريبيكا»، لمدة خمسة أعوام، جوائز مالية كبرى، على غرار ما يحدث في هوليوود. ويشار إلى أن بعض الأفلام التي سوف تعرض في الدوحة مثل فيلم «المخبر!» لستيفن سودربرغ وفيلم «الرأسمالية.. قصة حب» لمايكل مور عرضت مؤخرا في أبوظبي.

وتقول أماندا بالمر، المديرة التنفيذية لمهرجان الدوحة: «مهرجاننا ليس مهرجانا تنافسيا، وبالنسبة لي فإن الأمر يرتبط بالوصول إلى الفيلم وتمكين صناع الأفلام الشباب وتوفير منصة لهم لعرض أفلامهم من دون رقابة أو حذف شيء منها».

ويعود التعاون بين «تريبيكا» وقطر إلى صيف عام 2006، وذلك عندما انضمت إلى «تريبيكا» الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، وهي خريجة جامعة ديوك تبلغ من العمر حاليا 26 عاما، وتمثل القوة الدافعة للمهرجان.

وكانت شركة «تريبيكا»، التي عقدت أول مهرجان لها بعد الهجمات على برجي مبنى التجارة العالمي عام 2001 بفترة قصيرة، تبحث عن أعمال جديدة في الخارج، وبدا أن الفرصة بالعمل مع شركاء عرب مسلمين بها الكثير من الحظوظ، وتتماشى مع رسالة المهرجان.

وتقول جين روزنثال، وهي صانعة أفلام ومن شركاء دي نيرو: «نحن من المهرجانات القليلة التي بدأت كرد على عمل حربي، وربما يكون سراييفو هو الثاني الوحيد، ولذا فإن التعامل مع المجتمعات عبر السينما في تفكيرنا على الدوام».

ولكن، ما سر هذه الزيادة المفاجئة في مهرجانات الأفلام داخل الخليج العربي؟ على مدى أكثر من ألف عام، كانت القاهرة المركز الرئيسي للتعلم والثقافة في العالم العربي. وحتى الحرب العالمية الثانية، كانت قطر، والإمارات التي تشكل دولة الإمارات حاليا منشغلة بالأساس بالصيد والبحث عن اللؤلؤ. وفي الوقت الحالي لديهم ثروات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، وقد شجع ذلك على نمو في الاستثمار الضخم داخل أي شيء مرتبط بالثقافة والترفيه، متاحف مثل غوغنهايم، واللوفر في أبوظبي، وأكاديميات سينمائية، وأفرع لجامعات أميركية وأوروبية، وسباقات السيارات «فورميولا1».

وقال عيسى سيف المزروعي، من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث والعضو المنتدب في المهرجان هناك، عندما سئل عن الصورة الثرية الجديدة للمنطقة: «هذه صورة نمطية في الغرب، وهذا ما نحاول أن نغيره، ولهذا ننفتح ولدينا هذه المنافسة وندعو الناس إلى الحضور والاكتشاف بأنفسهم».

ولكن، لا تزال الحساسيات الدينية مبعث قلق، فعلى الرغم من أن فيلم الأخوين كوين «رجل خطر»، الذي يتناول عذاب أستاذ جامعي يهودي في مينيسوتا، سوف يعرض في الدوحة، فإنه لم تعرض أي مهرجانات الخليج فيلما من إسرائيل.

ويقر السيد سكارلت: «هذه إحدى أمور الواقع في الوقت الحالي، أنا مهتم بالفنون لا السياسة، ولكني أميل للاعتقاد بأن ذلك سوف يتغير في نهاية المطاف. ولكنه شيء صعب، فأنت لا تستطيع القدوم إلى هنا بجواز سفر إسرائيلي والمنتجات الإسرائيلية ليست متاحة في السوق». ولكن، نجد أن المهرجانات التي تقام في دول الخليج تكون أكثر انفتاحا من تلك التي تقام في أماكن أخرى داخل المنطقة في بعض السمات. وقد أدرجت الدوحة وأبوظبي، على سبيل المثال، فيلما شبه وثائقي من إخراج بهمن قبادي يحمل اسم «لا يعرف أحد شيئا عن القطط الفارسية»، وهو يتناول معاناة موسيقيين روك شباب من أجل تشكيل فرقة موسيقية، وهو الفيلم الذي كان تم تصويره سرا في إيران.

وسيكون فيلم «أميليا»، الذي هو من إخراج ميرا ناير وعبارة عن سيرة لأميليا إيرهارت في افتتاحية مهرجان الدوحة. ويقول السيد غيلمور: «لم نفرض ذلك، ولكن رؤية (الشيخة) المياسة هو عدم الاكتفاء بتقديم نماذج للمحاكاة، ولكن عرض قصص تطرح فكرة الممكن، ويناسب ذلك فيلم لامرأة عن امرأة تقاتل من أجل شيء ما صعبا».

وتحرص دول الخليج على أن تصور نفسها بأنها جزر الانفتاح لأنها تأمل في أن تصبح يوما ما مراكز لإنتاج الأفلام. وعلى سبيل المثال، خصصت أبوظبي 2 مليار دولار لإنتاج أعمال بالمشاركة مع «وارنر براذرز» وغيرها من شركات صناعة الأفلام، وأنفقت ملايين أخرى على منطقة إعلامية سرعان من جذبت «سي إن إن» و«بي بي سي» وغيرهما، ولكنها لا تزال تسعى لجذب المزيد من الشركات الإعلامية الدولية.

وتم الدخول في هذه الخطط الطموحة عندما كانت أسعار النفط والغاز مرتفعة، ولكن يقول مسؤولون إن الاضطراب الأخير في أسعار النفط لم يؤثر على جهودهم، لأن الأموال تم تخصيصها في خطط استثمار خمسية قبل التراجع الاقتصادي.

ويقول السيد المزروعي: «تمثل إقامة مهرجانات في الدوحة ودبي وأبوظبي شيئا عظيما للمنطقة وآمل أن لا يفشل شيء، فإذا كانت هناك منافسة قريبة فإن ذلك يجعلك قويا وتسعى كي تكون الأفضل وأن تكون مثل ما يجب أن تكون. وفي رأيي، فإنه بالمزيد من ذلك سيكون الوضع أفضل».

* خدمة «نيويورك تايمز»