أدونيس قرأ قصيدة وانسحب غاضبا من «معرض الكتاب الفرنسي» في بيروت

لم يجد من يستقبله أو يمده بكوب ماء

أدونيس ما بين إرضاء الجمهور والاحتجاج اختار الثانية («الشرق الأوسط»)
TT

اضطر أدونيس إلى الانسحاب غاضبا، من أمسية شعرية كان قد دُعي لإحيائها في «معرض الكتاب الفرنسي» في بيروت يوم السبت الماضي، نتيجة الفوضى في التنظيم وسوء المعاملة.

وكان أدونيس قد وصل إلى المعرض الذي يقام في «البيال»، لإحياء الأمسية التي تجمعه مع الشاعرة اللبنانية باللغة الفرنسية فينوس خوري غاتا، فلم يجد من يستقبله، في مكان يعج بالناس إلى حد الفوضى. وبمعونة أصدقاء التقاهم ومعارف صادفهم وصل إلى القاعة التي تقام فيها الأمسية، فلم يكن أحد من المنظمين هناك أيضا. وبدأت الأمسية دون تقديم أو تعريف أو ترحيب، وبالكاد وجود فني استطاع ضبط الصوت، وساعد بما استطاع لإطلاق الكلام من الميكروفونات.

وبدأت فينوس خوري غاتا قراءات بالفرنسية من شعر أدونيس استمرت نحو ربع ساعة، فيما كان الجمهور ضئيلا وقليلا، بما لا يليق بشهرة أدونيس. وهو ما يعتبر طبيعيا إذا عرفنا أن النشاطات في هذا المعرض تتزامن وتتقاطع بشكل كثيف ويعلن عن صغيرها وكبيرها بالطريقة نفسها، حتى ليكاد الزائر لا يميز بين محاضرة لعالم لغوي كبير واستعراض لبهلوان خارج من أحد كتب الأطفال، إلا إذا كان من المدققين والمهتمين. ويبدو أن كل هذه العوامل مجتمعة، كانت قد أشعلت غضب أدونيس، وبقي كاتما غيظه إلى أن احتاج إلى شرب الماء فلم يجد قنينة، أو من يستطيع أن يسعفه بكوب ماء، خصوصا أن التقني المسؤول عن الصوت قال إن هذا الأمر ليس من مسؤوليته. وحين جاء دور أدونيس ليقرأ قصائده كان الحضور قد تكاثر في القاعة، لكن صبر الشاعر قد نفد، فقال مستشيطا: «أعلن مقاطعتي لهذا المعرض الذي لم يزودنا حتى بزجاجة ماء». لكن أدونيس أضاف أنه سيقرأ قصيدة واحدة إكراما للجمهور الذي تكبد مشقة الانتقال. وهنا انقسم الجمهور بين معترض لأنه لا ذنب له في الإهمال الحاصل وسوء التنظيم، فيما اعتبر آخرون أن معاملة كهذه للشاعر أدونيس تستحق موقفا قويا منه، تضع الأمور في نصابها. ولم يعبأ أدونيس كثيرا بنداءات الطالبين لقصائده، فقرأ قصيدة عن حبه للغة الضاد وتعلق قلبه بها ثم انسحب سريعا، ليغادر المكان إلى أحد المقاهي البيروتية، ويستعيض عن الأمسية بجلسة مع الأصدقاء، تبحث في أسباب ما حدث. والمثير في الأمر، أن انسحاب أدونيس واحتجاجه القوي الذي أثار لغطا كبيرا في القاعة، بقي في غياب المنظمين الذين لم يظهر أي أحد منهم، وبالتالي فإن الشاعر خرج من المكان دون أن يجد من يسترضيه أو حتى يعتذر له، أو يعلم باحتجاجه.

وفوجئ أدونيس بالإهمال وسوء التصرف، خصوصا أنه لم يكن ليحضر لو لم يتلقَّ اتصالا من جهات فرنسية رفيعة في وزارة الخارجية تتمنى حضوره في هذه المناسبة التي يُفترض أنها أحد أهم وأضخم الاحتفالات الفرنسية السنوية الثقافية في المنطقة العربية. لكن يبدو أن الضخامة قد ألهت المنظمين وشغلتهم عن الاهتمام بتفاصيل كثيرة. فتزامن خمسة أو ستة أنشطة في وقت واحد، عدا تعدد الجهات المعنية بالمتابعة خلق نوعا من الالتباس سواء عند الصحافيين الذين لا يعرفون إلى من يتوجهون لطرح أي استفسار، أو الضيوف وبينهم نجوم كبار وأكاديميون فرنسيون لامعون، يتوهون في أروقة مزدحمة، ولا يجدون من يُعنى بأمرهم في أثناء الندوات والأمسيات.

وجدير بالذكر أن هذا المعرض السنوي الفرنسي للكتب الذي تعول عليه فرنسا كثيرا، حاول هذه السنة أن يقدم نفسه، ومن خلال جهد استثنائي بصورة لم يسبق لها مثيل. فقد تم الإعلان عن حضور 150 كاتبا دفعة واحدة. كما تمت استضافة جان ماري غوستاف لوكليزيو (حاز جائزة نوبل لعام 2008) الذي عُقدت ندوة تحية له مساء أمس. وكذلك استقبل المعرض كلود أجاج أمس ليتحدث عن إصدار جديد له، وهو لغوي ضليع من أبرز الأكاديميين الفرنسيين في مجاله. لكن الرغبة في إضفاء النجومية على المعرض اصطدمت بفوضى وتداخل وارتباك في المواعيد، جعل الناس يتساءلون عما آلت إليه حال الفرنسيين وحلفائهم من المنظمين اللبنانيين المعنيين بالفرانكفونية في بلاد الأرز.