قصة فيلمين.. تكلفة أحدهما 60 دولارا والآخر 230 مليونا

فرانسيس كوبولا يطالب بأن يتواجد المخرجون في صالات العرض مثلهم مثل قائد الأوركسترا في الأعمال الأوبرالية

في الفترة نفسها التي يعرض فيها فيلم «كولين» تعرض دور السينما فيلم «2012» (إ. ب. أ)
TT

بدأت دور السينما البريطانية هذا الأسبوع بعرض فيلمين، أحدهما من إنتاج استوديوهات هوليوود وآخر صناعة بيتية، من إنتاج بريطاني. وإذا كنت تهوى السينما ومشاهد العنف والإثارة وخصوصا الأفلام التي تتخذ من شخصيات «الزومبي» (الأموات الأحياء) موضوعا لها، فستجد ضالتك. الأشلاء تتطاير هنا وهناك مع تحول إحدى الشخصيات الدمثة، شابا مسالما في مقتبل العمر، إلى زومبي، يهاجم شقيقته من أجل التهامها.

أن تشاهد هذا العمل الفني وان تعرض دور السينما هذا النوع من الأفلام ليس بالشيء الغريب. لكن الغريب هو تكلفة الفيلم، إذ أن الميزانية التي خصصت لإنتاجه قدرت بـ45 جنيها استرلينيا، (أي ما يعادل 70 دولار)، وأن يجد هذا النوع من أفلام الصناعة البيتية، إذا جاز التعبير، طريقه إلى دور السينما التي تختار دائما أفلام هوليوود الضخمة والتي تدر عليها الملايين.

وسيتزامن افتتاح هذا الفيلم يوم الجمعة المقبل في دور العرض البريطانية مع الفيلم الآخر، لكن تكلفة هذا الأخير قدرت بـ160 مليون جنيه استرليني (230 مليون دولار). تكلفة مشاهدة الفيلم الأول لا تتعدى سعر شراء خمسة تذاكر سينمائية (تكلفة التذكرة الواحدة في دور العرض البريطانية 10 جنيهات تقريبا).

الدم السائل في مشاهد الفيلم كان من المشروبات العسلية اللزجة والصبغات المستخدمة في الطبخ وإعداد الطعام في البيوت، أما الحروق فكانت من حبيبات القهوة المطحونة المستخدمة في إعداد قهوة النيسكافيه. الممثلون كانوا من الهواة من أصدقاء المخرج وصديقته، وبعضهم من الجيران وأيضا بعض الناس الذين تواجدوا في المكان عند تصوير بعض المشاهد، وهؤلاء جميعا لم يتقاضوا أي أجور.

جميع المشاهد صورت بكاميرا كومكوردر قديمة وقام بها شخص يعمل في شركة لتوزيع الرسائل البريدية والطرود، وهذا الشخص كتب السيناريو وفكر بالفيلم خلال تأدية واجباته الوظيفية وقام بالتصوير في منطقة توتينغ في جنوب لندن. ورغم ذلك فقد نال إعجاب النقاد الذين أثنوا عليه. وقدم ضمن قائمة من الأفلام أنتجت حديثا في البرنامج الأسبوعي لمراجعة الأفلام على القناة الأولى لهيئة البث البريطاني «بي.بي.سي».

أطلق على الفيلم، الذي أخرجه مارك برايس، 30 عاما، اسم «كولين». برايس الذي ينحدر من مدينة سوانزي في غرب انجلترا، ويعيش في لندن مع صديقته، قال في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية اليومية أجريت في غرفة جلوس بيته، التي صور فيها مشاهد الشخصية الرئيسية التي تحولت إلى وحش، إن الفكرة جاءته بعد أن قرأ «مقابلة مع المخرج شون ميدوز». وقام بالدور الرئيسي صديقه جاستين هيلي، 28 عاما، الذي يعمل في الجهاز الإداري الحكومي. وفي الفيلم تشاهده وهو يعد الشاي في المطبخ إذ ينشب شجار مع ديميان الذي يعيش معه في الشقة قبل أن يتحول هذا الأخير إلى زومبي. «شون ميدوز قال في المقابلة إن أي شخص يمكنه أن يصنع فيلما» قال برايس، «ميدوز قال كل ما تحتاجه هو تحمل معك كاميرا كامكوردار وتبدأ بالتصوير». كتب مخرج الفيلم «كولين» السيناريو وعدله عدة مرات على جهاز الكومبيوتر الشخصي (لاب توب) خلال عمله الليلي على بدالة التلفونات في شركة توزيع الطرود، والتي ما زال يعمل بها.

صديق آخر يعمل في وحدة البحوث في أحد البرامج التلفزيونية زوده بأشرطة «دي.في.دي» صغيرة الحجم والتي استخدمت في التصوير والتسجيل. وخلال التصوير تلفت الكاميرا لأنها كانت قديمة جدا، كما قال برايس في مقابلة مع «بي.بي.سي»، مما اضطره لاستبدالها مستخدما أخرى من النوع نفسه يمتلكها أحد أصدقائه لإكمال الفيلم.

صديقة أخرى اسمها ميشيل ويب، وهذه الوحيدة التي تعمل محترفة في الماكياج في صناعة السينما، قدمت هي الأخرى خدماتها مجانا في إنتاج الفيلم، بمساعدة جاستين هيلي الذي أظهر قدرات إبداعية في إظهار الرجال والنساء كموتى أحياء (زومبي).

وقال برايس مازحا إنه بالرغم من محاولاته السيطرة جيدا على الميزانية إلا أنه كان كريما مع طاقم الفيلم إذ قدم لهم الشاي والبسكويت مجانا في بيته خلال التصوير في البيت. وكان قد استخدم جوارب السيدات وبعض الحلويات الانجليزية في تصوير أحشاء الإنسان. شريكة حياته ايما وولكر المدرسة والتي تهوى الطبخ وعمل المعجنات قالت إن الكثير من مكونات الكعك كانت تختفي باستمرار من المطبخ، خصوصا السوائل السكرية والصبغات الطبيعية. «كما أن الكابلات المستخدمة في التوصيلات المنزلية الكهربائية قصرت جميعها بسبب استخدام أجزاء منها في إحداث أصوات انفجارات» قال برايس.

وفي أول يوم في العمل وخلال تصوير مشهد حالة حصار تقوم به مجموعة من الأموات الأحياء (زومبي)، والذي صور في بيت برايس وبيت صديقه جاستين هيلي في جنوب لندن، سأل المخرج الجيران إذا كانوا يرغبون بالاشتراك في التمثيل. وقال احدهم انه عمل ككمبارس في احد أفلام ديفيد لين «وبسبب هذه الخبرة فقد حاز على الظهور في بعض المشاهد عن قرب»، قال برايس. توزيع الفيلم تقوم به إحدى الشركات الكبرى في هذا الحقل «كلاديسكوب انترتينمانت» وتزامن توزيعه مع «هالاوين».

بعض المشاهد صورت في الشارع «حاولنا السيطرة على الوضع لتفادي التسبب بأي حادث» قال برايس. «إحدى السيدات رأت شخصا خلال التصوير والدم يتصبب من وجهه وسألته إذا كان يحتاج إلى مساعدة. شخص آخر وخلال معركة بين الأموات الأحياء في شارع مغلق اتصل شخص بالشرطة يخبرها بوجود مشاكل في احد الشوارع». «ذهبت إلى الشرطي مع كاميرا التصوير، وقال رجل الأمن إنكم تصورون فيلما كمشروع دراسي في إحدى الكليات، وطلب التقاط بعض الصور على تليفونه الجوال».

وقال برايس انه انتهى أيضا من كتابة السيناريو لفيلمه الثاني. وقال إنه سيستخدم بعض أعضاء الطاقم في الفيلم الأول، إلا انه وعد أن يدفع لهم أجورا في المرة القادمة. ويأمل أن يبدأ التصوير في فبراير (شباط) المقبل في إقليم ويلز والفيلم سيكون من أفلام الرعب والفترة هي الحرب العالمية الثانية. هذا التوجه الجديد في إنتاج الأفلام قد يجد رواجا بسبب الضائقة الاقتصادية التي اكتسحت دول العالم، والتي قد تطيح ببعض استوديوهات هوليوود كما قال المخرج الأميركي المخضرم فرانسيس كابولا، الذي يتوقع أن تطيح الأزمة المالية بثلاثة من ستة من استوديوهات هوليوود الضخمة. وقال مارك جيل الذي يعمل رئيسا في قسم تمويل الأفلام المستقلة لصحيفة الغارديان إن هوليوود أنتجت أكثر من 600 فيلم العام الماضي، أما العام الحالي فقد اقتصر إنتاجها على 400 فيلم فقط، متوقعا أن «يتضاءل العدد أكثر من ذلك». ويضيف جيل أن التكنولوجيا الحديثة وإنزال الأفلام تدر على هوليوود الأرباح، لكن هذه قليلة جدا مقارنة مع سوق الأقراص المدمجة الذي يعاني من تراجع حاد. كما يعتقد أن الأفلام الناطقة باللغة الانجليزية بدأت تتراجع في بعض دول العالم، مضيفا أن دولا مثل اليونان واليابان كانت صناعتها باللغة الأم تدر عليها 5 في المائة فقط من أرباح عوائد الأفلام، أما الآن فقد ارتفعت النسبة إلى أكثر من 65 في المائة. وفي محاضرة حول السينما في بيروت حيث عرض فيلمه الأخير «تيترو» قال كوبولا، إن عدد أفلام هوليوود من الأفلام الضخمة سوف يتضاءل، لأسباب مثل التمويل وأخرى بسبب التغيير في تذوقنا للأفلام السينمائية. وقال «السينما كما نعرفها بدأت تتلاشى». وقال انه حتى لو استطاعت استوديوهات هوليوود الاستمرار فإنه سيقتصر إنتاجها على أفلام الخيال العلمي وأفلام هاري بوتر التي تدر الأرباح عليها. ويضيف كوبولا أن «السينما يجب أن تكون تفاعلية أكثر مع الجمهور وعلى المخرجين عند عرض أفلامهم التواجد في صالات السينما مثلهم مثل قائد الاوركسترا في الأعمال الأوبرالية الذي يتواجد كل ليلة في المكان».