ميشيل أوباما تتحرر من اللباس التقليدي والالتزام بأزياء مصممين أميركيين

ارتدت ماركة «موسكينو» في زيارات رسمية من دون علم الدار

حصلت السيدة ميشيل على أوسع تشكيلة من خزانات الملابس العالمية أكثر من أي سيدة أولى عصرية (رويترز) و (أ. ب)
TT

لم يكن فريق التصميم بدار أزياء موسكينو، الذي تترأسه روسيلا غارديني، يعرف أن ميشيل أوباما ترتدي طقما من تصميم الشركة إلا بعدما ارتدته عدة مرات. فقد اختارت ميشيل طقما بقطعتين باللون الأخضر خلال مسيرات حملتها في آيوا، ولكنها أحكمت ربط الحزام الذي كان يباع مع السترة الطويلة من دون ياقة، مما أضفى على «التايير» مظهرا أنيقا. وكانت السترة تنتهي بربطة عنق أنيقة، زينتها ميشيل بدبوس زينة ذي طراز أميركي كلاسيكي. ثم ارتدت السيدة الأولى السترة مرة أخرى في المؤتمر القومي الديمقراطي مع بنطلون أسود ومن دون الحزام. وكانت النتيجة مختلفة تماما حتى أن بيت الأزياء لم يتعرف على السترة الذي أنتجها. ولم يكن ذلك بالأمر السيئ.

إلا أن الأكثر إدهاشا من التعديلات التي أجرتها السيدة ميشيل على الطقم كان هو الاختيار نفسه، فموسكينو دار أزياء إيطالية يقع مقرها في ميلانو، وتنتج في إيطاليا وتوزع نحو 54% من مبيعاته في أوروبا مقارنة بـ10% فقط توزع في الولايات المتحدة.

(وعلى سبيل المثال؛ تتراوح أسعار الأثواب بين 895 دولار حتى 2000 دولار). وفي الحقيقة لم تفتح الشركة فرعا لها في نيويورك سوى العام الماضي، وذلك بعد سنوات طويلة من عدم وجودها في السوق الأميركية على الإطلاق.

ووفقا للتقاليد السياسية ـ التي بمقتضاها ترتدي زوجات الرؤساء الأميركيين ملابس من تصميم مصممين أميركيين خلال ظهورهن في المناسبات العامة ـ لم تكن غارديني تفكر أن السيدة ميشيل سوف ترتدي ثوبا باهظ الثمن من تصميم إيطالي في المناسبات العامة.

فقد تعرضت السيدة جاكي كيندي في الستينات لانتقادات اتحادات الأزياء الأميركية نظرا لولعها بالمصممين الفرنسيين. وفي محاولة لتهدئتهم اختارت جاكي مصمم الأزياء أوليغ كاسيني كمصممها الخاص لأنه أميركي، ولأنه يستطيع محاكاة التصميمات الباريسية. (أي أنها تمكنت من الاستمرار في ارتداء الملابس الفرنسية).

ومنذ ذلك الوقت، يفترض أن الملابس الرسمية للسيدة الأولى يصممها المصممون الأميركيون. فعلى سبيل المثال، عندما سافرت السيدة لورا بوش في أولى رحلاتها إلى الخارج كسيدة أولى في 2001، اختارت المصمم الأميركي المخضرم أرنولد سكاسي والمصمم أوسكار دي لارينتا لتصميم أهم الأثواب التي سوف ترتديها. وقد اعتمدت سيدات الرؤساء من نانسي ريغان إلى هيلاري كلينتون على سكاسي ودي لارينتا بالإضافة إلى سانت جون، وجيمس غالانوس، وكارولينا هيريرا، وفي بعض الأحيان دونا كارين.

وكان التنفيذيون في موسكينو يتفهمون التقاليد الأميركية العريقة، وبالتالي.. على الرغم من سعادتهم بارتداء السيدة الأولى لتصميمات من إنتاجهم، فإنهم لم يثيروا ضجة كبرى حولها. وجاءت تعليقاتهم العامة موجزة. التفاخر؟ تقريبا لم يكن هناك تفاخر. فتقول غارديني: «إن الموقف يصعب التعامل معه، لأنك لا تريد إثارة الموقف. حيث يبدو ذلك غير لائق».

بالإضافة إلى موسكينو، ارتدت السيدة ميشيل ملابس من تصميم لانفين، وجونيا، واتانابي، وسونيا ريكيل، وعدد من تصميمات عز الدين علايا، أحد أهم المصممين الفرنسيين.

وبذلك حصلت السيدة ميشيل على أكثر خزانات الملابس عالمية لأي سيدة أولى عصرية، حيث تحولت تلك الخزانة إلى أمم متحدة افتراضية، وقد استخدمت ميشيل حسها الفني كشكل من أشكال الدبلوماسية غير المباشرة وكانعكاس للعالم الذي يتزايد تداخلا.

وبالنسبة للماركات غير الأميركية فيبدو أن موسكينو كان أكثر بيوت الأزياء التي ترددت عليها السيدة ميشيل. وبالنسبة للملابس، كانت السيدة ميشيل تكرر ارتداء نفس القطع التي كان بعضها مميزا ولافتا للأنظار، فقد ارتدت ميشيل قميصا أبيض له عقدة كبيرة عند العنق في أول رحلة لها إلى براغ، خارج البلاد كسيدة أولى. وقد اختارت ثوبا براقا باللون الليموني له حمالات عريضة في احتفال الخامس من مايو (أيار) في البيت الأبيض. وكانت ترتدي سترة باللون القرنفلي بطيات من الخلف خلال خطاب «أنت كاذب» بالكونغرس في سبتمبر (أيلول). وفي مناسبات عامة أخرى، ارتدت سترة باللون الموف مع تنورة قصيرة منقوشة باللونين الوردي والرمادي وجاكت أسود ذي أطراف منحنية ودبوس زينة مستدير. وربما يكون الأكثر لفتا للانتباه، كان الطقم الأسود من تصميم موسكينو الذي ارتدت معه وشاحا عند لقائها بالبابا في يوليو (تموز). فتقول غارديني: « كنت أشاهد التلفزيون عندما ذهبت للقاء البابا وهي ترتدي قميصا أسود من إنتاجنا. وكانت لحظة مؤثرة للغاية».

فكان القرار بارتداء ملابس إيطالية للقاء البابا يشبه إلى حد كبير قرار جاكلين كيندي بارتداء ثوب أبيض من إنتاج جيفنيشي عند زيارتها لفرنسا في 1961، طريقة رقيقة في الاحتفاء بالدولة المضيفة وثقافتها. ولكن في مناسبات أخرى مثل احتفالية «اصطحب أولادك إلى يوم عمل» في واشنطن، لم يعكس اختيار الملابس أي رمزية قومية.

ومع ذلك، فإن سعادة الجماهير باحتفاء ميشيل بالمصممين الأميركيين الشباب، بدءا من جيسون وو وثاكون إلى جيه كرو الذي يقدم تصميمات منخفضة السعر، طغت على ولع السيدة ميشيل بموسكينو، وهو أمر استثنائي في ظل التاريخ الحديث الذي اشتمل على شعارات عزلة سياسية مثل شعار «الحرية للبطاطس المقلية». ولكن في ظل الوقت الراهن ـ في ظل كارثة الشركات العالمية ـ أصبحت عبارة «صنع في أميركا» تستدعي استجابة أكثر تعقيدا. وموسكينو خير مثال على ذلك، فتقول غارديني: «في معظم الأوقات كانت الملابس التي ترتديها ميشيل أوباما من تصميم مساعدي الأول الذي ينحدر من شيكاغو... وكون بيل من شيكاغو ربما يمنح السيدة ميشيل بعض العذر في ارتداء ملابسنا. يعمل لدينا مصممون من كل أنحاء العالم، ولكن المصممين الأميركيين يمتازون بتصميم نمط معين من الملابس العصرية والبسيطة».

كان بيل شابيرو (39 عاما)، ذو القامة المتوسطة والشعر البني القصير، يعمل مع غارديني منذ ما يزيد على عشرين عاما. استدعت غارديني وميشيل ستاين ـ رئيسة إيفيه الأميركية ـ التي تمتلك موسكينو وتقوم بالترجمة لغارديني. وكان بيل، الذي انتقل إلى ميلانو بعدما أنهى دراسة الفنون بمعهد الفن في شيكاغو، سعيدا ومتواضعا بشأن احتفاء السيدة الأولى بعمله، إلا أنه كان غير مرحب بالحديث بشكل خاص عن ذلك. أما عن موسكينو فاكتفى بيل بأن يقول: «هناك شيء في موسكينو يجذب النساء».

كماركة أوروبية، لموسكينو جذور في الثقافة تتعامل مع الموضة بجدية وتحتفي بالمصممين، مثل جورجيو أرماني وجيانفرانكو فيري، وتعتبرهم رموزا قومية. ولكن هنا فإن الأمر يختلف. فليس لموسكينو نفس الجاذبية الشعبية مثل غوتشي، أو الاحتفاء بالفخامة التي يقدمها بوتيغا فينيتا، أو المظهر البسيط لملابس برادا. تقول غارديني: «لقد كنت أحاول دائما وأعتقد أنني سوف أحاول دائما أن أصمم الملابس للنساء العاديات سواء كن نحيفات أو بدينات. وربما يرجع ذلك إلى خلفيتي، فقد كنت أعمل في بوتيغا فينيتا، وقضيت بعض الوقت في نيويورك بالولايات المتحدة. وقد وجدت أن النساء الأميركيات أنيقات ويرتدين الملابس الرسمية، ولكنهن لا يبالغن في هندامهن. وقد حاولت الالتزام بذلك. فأنا لا أستطيع خيانة أخلاقيات الأناقة عندما أصمم الملابس للنساء الأخريات».

كانت غارديني ـ امرأة نحيفة ترفع شعرها البني الفاتح في تسريحة «الشنيون» الذي تمنحه بعض الحرية ـ تجلس على أريكة في مقر الشركة بميلانو بعد يومين من تقديمها لمجموعة شتاء 2010، وترتدي نظارة داكنة اللون وعدة خواتم براقة وعقدا أنيقا، وهو ما أضفى أناقة على البنطلون كاكي اللون، والقميص اللبني الفضفاض الذين ترتديهما. وعندما سئلت حول النساء وملابسهن وكيف تستلهم خطوطها قالت: «أفكر في نفسي وفي قوتي». وأضافت مازحة: «أنا أكثر النساء الذين أعرفهن أناقة». فربما تود غارديني أن تقول إن الثقة في الذات هي العامل الأساسي للأناقة.

لقد عملت غارديني في صناعة الأزياء منذ أكثر من 25 عاما، وكانت المصمم الرئيسي لموسكينو منذ أكثر من 15 عاما. وهي تضفي على التصميمات حس دعابة وفاء لمؤسس المجموعة فرانكو موسكينو الذي توفي في سبتمبر 1994. فعندما أسس موسكينو خط الإنتاج في 1983، كان يبدو كانتقاد حاد إلى نظام الموضة الذي يعمل على هز ثقة السيدات في أنفسهن رغم محاولته جذب ثقتهن. فقد عرض موسكينو أولى مجموعاته من خلال عارضة الأزياء بات كليفلاند التي خرجت على خشبة العرض وهي ترتدي فستان سهرة من الحرير وحذاء رياضيا وتحمل حقيبة بقالة.

وفي إحدى المرات، أوقف موسكينو عرض الأزياء، بينما كانت العارضات في منتصف الممشى قائلا: «باستا»، أو كفى! ثم طرد العارضات من على خشبة المسرح. وكان يعرض عباءات منقوشة بعبارة: «مضيعة للمال». وجعل مارلين مونرو ترتدي شبكة في أحد إعلاناته، وكان دائما يتعجب من النجاح الذي استطاع تحقيقه في مجال الموضة رغم سخريته منه.

وقد افتتح بلومينغديل أول محلات موسكينو في الولايات المتحدة مع بداية عمل المصمم. فتقول ستيفاني سولومون، التي أصبحت الآن مديرة الموضة ببلومينغديل: «كنت أعمل كمنسقة الأزياء ولم يكن موسكينو سعيدا بمظهر المحل، فهدد بأن يأخذ جميع الملابس ويرقد عاريا على باب المحل حتى يتم إصلاح الأوضاع».

عندما توفي موسكينو استولت غارديني التي كانت تعمل معه منذ البداية على المكان. وكانت غارديني تمثل الجانب العملي في تلك الشركة. فتقول غارديني: «لكي أكون صريحة، فكل ما أعرفه تعلمته من فرانكو، وبعد وفاته كنت أسأل نفسي أثناء قيامي بالتصميم: ماذا كان فرانكو ليفعل؟ ثم أنطلق من هذه النقطة». وكنت دائما أقول إنه أكثر موهبة مني، ولكنني أعتقد أنني لدي القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة وبصيرة رجال الأعمال. فقد كان فرانكو عفويا للغاية، وكان أكثر اهتماما بالخامات والألوان».

تقول ستيفاني: «إن الماركة قد تحولت إلى شيء ليس مبتكرا، ولكنه جذاب. فعلى الرغم من أن تلك الملابس تمتاز بالبساطة، فإنها أنيقة. ولهذا السبب سعدت بارتداء السيدة ميشيل لملابس موسكينو».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»