جرائم بالجملة على «مسرح مونو» في بيروت

مسرحية «زمن لا ينتهي» تصدّر من لبنان باتجاه فرنسا

اللصوص الثلاثة في لحظة مكاشفة، أمام رأس ثور كرمز للصراع (تصوير: جوزف أبي رعد)
TT

اللصوص الثلاثة الذين سرقوا لوحات ثمينة، وباتوا مع مسروقاتهم والفتاة الرهينة التي اقتادوها معهم أسرى أحد المنازل، تصيبهم حالات من الهلع والغضب والانفعال، تخرجهم عن طورهم، وتصل بهم إلى التهلكة. الجميع بانتظار تعليمات «الختيار» قائد العصابة، والزمن يمضي بطيئاً ليس فقط بالنسبة للمجرمين المتوترين، ولكن أيضاً للمتفرج على هذه المسرحية التي عرضت على خشبة «مسرح مونو» باللغة الفرنسية لثلاث ليال متواليات، كان آخرها مساء أمس السبت. لقد أدخل المخرج اللبناني المقيم في فرنسا منذ نحو عشرين سنة، متفرجة في بيروت، في حالة، تشبه تلك التي تعيشها العصابة على الخشبة، لمدة زادت على الساعة والنصف. المسرح عبارة عن صالة المنزل (المخبأ) فيها طاولة صغيرة عليها جهاز هاتفي حولها كرسيان. وهناك أيضاً كنبة ومغسلة وكيس كبير منتفخ من الخيش يتدلى من السقف لممارسة رياضة «البوكس». لكن الأهم من ذلك أن المساحة التي يفترض أنها أشبه بالسجن للصوص مفتوحة بثلاثة أبواب. بابان في الواجهة يؤديان إلى غرفتين، إحداهما تقبع فيها الفتاة الرهينة الموثوقة إلى سريرها والتي لن نراها أبداً. الغرفة الثانية فيها اللص هنري الذي أصيب برصاصة أثناء السطو وهو ينزف. أما الباب الثالث فهو يؤدي إلى الخارج. اللص إميل (فلوران شيسن) لا يتوقف عن التنقل بين غرفة هنري والمغسلة، لتنظيف جرح صديقه النازف والشكوى والتأفف. اللص الثاني المدعو بابا (أورليان راندو) يدخل المنزل حاملا جريدة، متوتراً، ثم سرعان ما يخرج مسدسه الذي لا يتوقف عن العبث به طوال الوقت. هنري (شريف غطاس) يصرخ من داخل غرفته ألماً، ليزيد من دراماتيكية الأجواء. أما الفتاة الأسيرة فاللصوص يكلمونها ويناجونها وهم يدخلون أو يخرجون من غرفتها وغالباً ما يقفون على بابها مطمئنين على حالتها، متحدثين مع أنفسهم. هذه القصة التي تبدو كلاسيكية أراد المخرج وهو نفسه كاتب النص، أن يقدم من خلالها استبطاناً للحالات الإنسانية التي تنتاب البشري حين يوضع مع آخرين في مكان مغلق، ويعيش الجميع تحت ضغط الخوف والانتظار. الاضطراب، المكابرة، الحوارات العنيفة بين اللصوص، القلق، هي كلها مشاعر تصاعدية يتم تنفيسها إما بخروج أحدهم من البيت لشراء أغراض، أو بالرد على اتصال هاتفي خاطئ أو بمناجاة الفتاة الرهينة. إنها الوجود الأنثوي الوحيد في حياة ثلاثة رجال، مما يخلق مشاعر تعاطفية معها، تصل بإميل حد العشق الذي يكبته خوفاً من صديقيه. وكما كل القصص التي يتنازع فيها المجرمون ويتلاسنون، ويضع كل منهم اللوم على الآخر في الأخطاء التي ارتكبت، سيفعل مجرمو شريف غطاس أيضاً. ورغم انه حاول إضفاء لمسات فلسفية على الحوارات، وقدّم بنية مدروسة للسينوغرافيا، إلا أن المشاهد في مسرحية «أبدية» أو «زمن لا ينتهي» يشعر بالفعل أنه أمام عرض ليس له نهاية. فمدة المسرحية توازي تلك الذي يحتاجها فيلم سينمائي، فيما القصة تدور حول نفسها. ولن ينقذ المتفرجين الكشف في النهاية عن حب إميل للرهينة، وقتله لصديقه بابا لأنه تسبب بموتها جراء الإهمال. فهذا النوع من المسرحيات الذي نشاهده كثيراً على المسارح الفرنسية لا يروق كثيراً المتفرج اللبناني، ليس فقط لأسباب تتعلق بالقصة، ولكن أيضا لأن الحوارات جاءت ضعيفة، وحسن أداء الممثلين ليس كافياً وحده لجذب الانتباه وإبقاء التركيز حيوياً، مع غياب أي تلوينات مشهدية.

قليل من «الأكشن» في نهاية المسرحية، ربما انه أنقذ الموقف. فالجرائم جاءت متوالية وبالجملة، إميل يقتل صديقه بابا خنقاً ثم يتوجه إلى غرفة الفتاة الموثوقة لفك أسرها ظناً منه أنها ماتت، فتبادره برصاصة في بطنه، ثم يحاول هنري أن يقتل إميل، لكنه على ما يبدو يعفو عنه في النهاية. سلسلة من الجرائم، بعد عرض بارد تبناه «مسرح مونو» تشجيعاً للمغترب العائد شريف غطاس. وهو عرض سينتقل مع الممثلين الثلاثة (فرنسيان ولبناني) ليعرض في فرنسا. وعلى الأرجح فإن حظه هناك قد يكون أفضل.