«التوسعة العظيمة».. تعالج «الإسلاموفوبيا» بأسلوب هزلي

مسرحية في لندن تطرح مفهوم الحوار بين أتباع الأديان والثقافات على الطاولة

جانب من مسرحية «التوسعة العظيمة» التي تعرض في لندن («الشرق الأوسط»)
TT

قلما يكون موضوع الصراع الأزلي بين الأديان والجدل بين الأقليات والثقافات المتعددة التي تزخر بها بريطانيا مادة سلسة أو جذابة عموما للمتلقي العادي في المعالجات الدرامية، فهو في الغالب يأخذ طابعا تراجيديا يرمي إلى إعطاء درس بليغ في فهم الأديان وأهمية حوار الثقافات بين الشعوب. بيد أن مسرحية «التوسعة العظيمة» نجحت في تجاوز هذا الحاجز وخلفت وقعا سحريا في نفوس المتفرجين من خلال تبني أسلوب كوميدي رشيق وحوار خفيف الظل جعلا ساعتين من الزمن، وهو الوقت الذي يستغرقه العرض، يمر برمشة عين. ومسرحية «التوسعة العظيمة» والتي تعرض على مسرح رويال ستراتفورد إيست، شرق لندن، حتى 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تتناول الصراع على محورين: الأول بين الأديان، والثاني بين الثقافات المتعددة في بريطانيا ومساعي الأقليات إلى الحفاظ على العادات والتقاليد على الرغم من الثقافة الإنجليزية الطاغية، وكذلك صراع الأجيال ومحاولة الآباء الذين هاجروا إلى إنجلترا إقناع أبنائهم الذين ولدوا فيها بأنهم ينتمون للأوطان التي تحدروا منها وليس إلى بريطانيا. ويقع مسرح رويال ستراتفورد العريق، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1884 في ضاحية ستراتفورد شرق العاصمة البريطانية حيث تسكن أكثرية آسيوية من الهنود والباكستانيين والبنغلاديشيين، وتشكل الجالية المسلمة ثقلا كبيرا فيها. وتقوم «التوسعة العظيمة»على فكرة بسيطة مفادها أن شابا بريطانيا من أصل تركي اسمه حسن يستمتع بالعيش كعازب في منزل فخم في لندن يحاول توسيعه من خلال استغلال الحديقة الخلفية لإضافة بناء. لكن المشكلة ليست هنا، فحسن، الذي يزين جدران منزله بالزخارف واللوحات ذات الرموز الإسلامية لكن لا يمكن اعتباره مسلما بالمعنى التقليدي فهو يحتسي الخمر كما أنه يضع في غرفة الجلوس تحفا وتماثيل ذات دلالات إباحية، يستيقظ في أحد الأيام ليجد نفسه متزوجا من فتاة تدعى جميلة وهي بريطانية مسلمة لكن من أصل باكستاني ترتدي الحجاب.

ويعمل حسن جاهدا للتخلص من الورطة التي وقع فيها والتي لا يتذكر كيف، فقد تزوج وهو تحت تأثير الخمر. لكن مشكلته تتفاقم بوصول عائلة جميلة المؤلفة من والدها حميد خان الرجل الملتحي وشقيقها «السلفي» عبد الله الذي يرتدي «الدشداشة» والذي يمثل الشخصية المسلمة المتطرفة، وشقيقتها عائشة وهي فتاة منقبة، وكذلك بظهور والديه على سطح الأحداث.

ويناقش مؤلف المسرحية، كوش عمر، والذي يمثل دور حسن، الصراع بين المسلمين أنفسهم من خلال النقاشات الساخنة التي تتطور إلى حد الشجار بين والد حسن «المسلم المتحرر» الذي يعيش على أمجاد الإمبراطورية العثمانية وكمال أتاتورك، وبين عبد الله، شقيق جميلة، عندما يتهمه والد حسن بأنه سلفي متطرف فيما يرد عليه الآخر بأنه وعائلته منحلون وبأنهم لا يراعون تعاليم الدين وبأنهم متأثرون بالحضارة الغربية.

ويبرز الصراع بين الأديان من جهة وبين الثقافات المختلفة من جهة أخرى، من خلال شخصية براون، الجار الإنجليزي المتزمت، وهو رجل متقاعد يكره الأجانب الذين غزوا بريطانيا ويشعر بالخوف من تسلل الأقليات والثقافات المتعددة التي زحفت على منطقته. لكن ليس هذا فقط ما يخيف المستر براون بل إنه مصاب بـ«الإسلامفوبيا» أو الخوف الشديد من الإسلام، وهو مصطلح ظهر في الغرب في نهاية الثمانينات، لكنه تعزز بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وتعمق في بريطانيا، المعروفة بتسامحها مع الأديان، بعد الهجمات التي طالت قطارات الأنفاق في لندن 7 يوليو (تموز) 2005.

ويذهب براون إلى منزل حسن للاحتجاج على إقامة البناء الإضافي، مدعيا أن الحديقة تابعة لمنزله وليس لمنزل حسن. ويشعر براون، الذي يرمز للديانة المسيحية أيضا، بالقلق جراء وجوده وسط مجموعة من المسلمين، وعندما يطلب منه حسن أن يخلع حذاءه حفاظا على نظافة السجاد التركي، يتساءل براون إن كان قد دخل مسجدا وليس بيتا. وتنصب سخرية براون على الفتاة عائشة التي ترتدي النقاب، إذ يتساءل كلما تكلمت عن الجزء الذي يخرج منه الكلام، فتؤكد له في كل مرة بأن لديها فما. وتفلح عائشة من خلال مناقشاتها معه بأنها إن كانت ترتدي النقاب فإن هذا لا يعني بأنها امرأة جاهلة، وتشرح له الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة المسلمة قبل 1400 عام من الآن في حين أن المرأة الغربية المتحررة لم تحصل على تلك الحقوق إلا في بدايات القرن الماضي. ويشكل النقاب في بريطانيا وفي أوروبا عموما نقطة جدل، وانشغلت الصحافة البريطانية طويلا بهذه القضية عندما كتب الوزير البريطاني جاك سترو، مقالا عام 2006 حول مقابلته لسيدة منقبة من دائرته الانتخابية، التي قال فيها بأنه شعر بالقلق لأنه لا يستطيع التحدث مع شخص لا يستطيع رؤية وجهه.

وتركز الجدل آنذاك بين الجالية المسلمة التي عدت ارتداء النقاب ضمن الحريات الشخصية والتمتع بحرية الدين والعقيدة في حين يرى المعارضون أن الاندماج في المجتمع البريطاني أمر جوهري وأن النقاب يتعارض معه. ويطرح مؤلف المسرحية تساؤلات حول هل ولاء المسلمين في بريطانيا هو لبريطانيا أم للدين الإسلامي؟ ويعد هذا السؤال من القضايا الملحة التي تفرض نفسها في بريطانيا، لدرجة أن السلطات البريطانية أجرت تعديلات على قانون الهجرة لضمان الولاء للبلد أولا قبل منح الجنسية للمهاجرين. وعمد كاتب المسرحية إلى شمول الديانة اليهودية في صراع الأديان عندما يتبين أن ديفيد البناء الذي يعمل على توسيع منزل حسن ليس سوى يهودي من أصول روسية، فيشعر الانجليزي براون وشقيق جميلة عبد الله بالنفور منه ويفلحان في التهكم منه. غير أن أجواء الهزل في المسرحية تتوقف لدقائق عندما يفقد براون أعصابه ويتهم الجميع بأنهم متطفلون على بلده وبأنه لم يعد يعرف بريطانيا بسبب كثرة الأجانب فيها، وفي هذه اللحظة يحتج الجميع على ذلك ويؤكدون بأنهم جميعا بريطانيون رغم أصولهم المختلفة. وفي دلالة على سطوة الأقليات وتأثيرها في المجتمع البريطاني، تحاول الرموز المتطرفة في المسرحية خنق العجوز الانجليزي براون ومن ثم قتله، غير أن براون ينهض في نهاية الأمر ويذهب في طريق آخر غير طريقهم حاملا معه مخدة رسم عليها العلم البريطاني، في إشارة إلى قوة الثقافة الانجليزية على الرغم من كل التأثيرات. ومثل حال كل الجدل العقيم الذي لا ينتهي إلى نتيجة، يسدل الستار عن مسرحية «التوسعة العظيمة» دون أن ينتصر أي طرف فيها.