الصويرة المغربية تستعيد ماضي الموسيقى الأندلسية

مهرجان الأندلسيات كرّم كلا من زهرة الفاسية وغيثة العوفير

الفنانة ريموندا البيضاوية تغني في مهرجان الأندلسيات في الصويرة («الشرق الأوسط»)
TT

عاشت مدينة الصويرة (جنوب الدار البيضاء) على إيقاع الموسيقى الأندلسية التي وحدت بين أذواق الناس من مختلف الأعراق، ليس في المغرب فحسب، بل في كل منطقة المغرب العربي. ومن خلال سهرات فنية أو طاولات مستديرة وعلى مدار أربعة أيام، ترسخت فكرة أن «الموسيقى توحد كل الناس، وأنها موروث ثقافي بلا حدود» مع تأكيد أنها شكلت باستمرار نموذجا حداثيا يدلل على التسامح والانفتاح على الحضارات. كان غرض «مهرجان الأندلسيات الأطلسية» في دورته السادسة في الصويرة، الذي دأبت على تنظيمه «جمعية الصويرة موكادور» بالشراكة مع مؤسسة الثقافات الثلاث، إلى إحياء الموروث الأندلسي المتعدد والمتنوع.

خلال المنتديات الصباحية للمهرجان تم تكريم الفنانتين الراحلتين زهرة الفاسية، التي تعد من رواد الموسيقى الشعبية في المغرب التي تعرف باسم «طرب الملحون»، وكانت هذه الفنانة عاشت في مطلع القرن الماضي، كما تم تكريم غيثة العوفير، التي رحلت قبل أسابيع، وهي من أشهر من عزف مع فرقة «الطرب الأندلسية» التابعة للإذاعة المغربية.

استحضرت ذكرى الفنانة الراحلة زهرة الفاسية، من خلال عرض فيلم يسرد حياتها ومسيرتها الفنية. كانت زهرة الفاسية، وهي مغربية يهودية، واحدة رواد «فن الملحون» الأصيل، ومن بين الفنانين الذين لم يكتفوا بالإسهام في الثقافة الشعبية المغربية بأصواتهم فحسب بل أثروها كذلك بمجموعة من الأغاني باللغة العربية والعامية. بدأت زهرة الفاسية مسيرتها الفنية في العشرينات من القرن الماضي، من خلال أداء قطع من تراث الملحون، وكانت تعيش في مدينة الدار البيضاء قبل أن تغادر المغرب وتستقر في عسقلان إلى أن رحلت عام 1994، وتركت خلفها مكتبة موسيقية زاخرة.

أما غيثة العوفير فكانت فنانة استثنائية، إذ كانت أول عازفة مغربية للبيانو تصبح عضوا في الفرقة الوطنية للموسيقى الأندلسية التابعة للإذاعة والتلفزيون المغربي. تمكنت هذه الفنانة من فرض شخصيتها بأناقة ورزانة في عالم كان حكرا على الرجال، قبل أن يسهم «جوق نساء تطوان» بقيادة رحيمة في فتح المجال أمام المرأة في مجال الغناء والعزف الموسيقي.

بالإضافة إلى استحضار الماضي من خلال الموسيقى التقليدية، شكلت الدورة السادسة لمهرجان الأندلسيات الأطلسية، فرصة للاحتفاء بالحاضر من خلال لقاءات جمعت بين الرقص والغناء ساهم فيها نخبة كبيرة من الفنانين في مدينة الصويرة لأول مرة، مثل فرقة الرقص «كاتهاك» من شمال الهند، وفرقة «مانويل كوتييريس» الإسبانية، و«فرقة الطرب» الجزائرية مع فؤاد ديدي، اللذين نقل جمهور المدينة إلى أجواء تلمسان الجزائرية، التي تتشارك مع مدينة وجدة في شرق المغرب في الحفاظ على موسيقى «الطرب الغرناطي» في تحد واضح للخلافات السياسية، حيث تفتح حدودا فنية تتجاوز كثيرا واقع الحدود المغلقة بين البلدين. وشارك الفنان الحاخام المطرب خايم لوك مع الفرقة الموسيقية «زرياب» من وجدة، بأغان من موسيقى التراث اليهودي المغربي. وكانت من أكثر من وجدت إقبالا من جمهور المهرجان الفنانة ريموندا البيضاوية، التي غنت أغاني من التراث الموسيقى المغربي فأجادت وأبدعت.

ونظمت على هامش الحفلات الموسيقية، منتديات صباحية تمحورت حول مواضيع مختلفة بشأن مفهوم الهوية ونقل التراث، ناقش خلالها باحثون وأساتذة جامعيون مغاربة وأجانب هذه المواضيع عبر عروض نقدية وتاريخية وأيضا عبر الألحان، حيث تبادلوا تجاربهم الشخصية من خلال الموسيقى.

أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، لخص فكرة مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» قائلا: «الموسيقى هي الوحيدة القادرة على تأليف قلوب الأشخاص الذين كادت التقلبات والتغيرات السياسية تؤدي إلى تفرقتهم».