أفيال أفريقيا.. القتلة المبجلون

تتمتع بحماية عالية يفتقر إليها المزارعون.. لكنها تجلب السياح وأموالهم

يعيش بعض الأفارقة في عالم غريب يعج بالوحوش التي تحظى بحماية لا يلقى البشر مثلها
TT

هذه هي الطريقة التي يمكن بها ترويج تلك القصة (الحقيقية) في هوليوود: كان شخص عادي اسمه جون في يوم أحد يقود دراجته تحت الشمس الحارقة، ثم سمع وحشا يجأر في الأدغال المجاورة! ترك جون دراجته وأخذ يعدو وهو مذعور؛ ولكن ذلك المخلوق حطم دراجته ولحق به، وبعد عدة خطوات قصيرة أمسكه من قميصه، ولكن جون انزلق من قميصه وسقط على الأرض.

ولكن الوحش أمسك به مرة أخرى، فانزلق هذه المرة من بنطاله، وزحف مبتعدا عاريا، ويخشى حتى الصراخ، ولكنه لم يتمكن من الابتعاد لمسافة بعيدة، فقد أمسك به الوحش مرة أخرى وهو يصرخ، وقذفه بعنف صوب إحدى الأشجار. تتحرك الكاميرا لترصد امرأة تقترب وهي غير مدركة للخطر المحدق بها. وبعد عدة دقائق نجد المرأة راقدة على الأرض وقد تكسرت عظامها.

وبخلاف ما تقدمه هوليوود، يعيش هؤلاء الأشخاص في عالم غريب يعج بالوحوش الكاسرة التي تحظى بالحماية (يوجد الآلاف منهم)، التي لا يلقى البشر أقل درجة منها.

ثم ننتقل إلى تلك المخلوقات القاتلة التي تنظر بوداعة (لقطة مقربة ـ بعينين حنونتين وذكيتين لهما رموش يصل طولها إلى ثلاث بوصات) بالإضافة إلى ذريتها التي تتمتع بلطف غير مسبوق.

وبالطبع، لكي يتم ترويج تلك الفكرة، يجب علينا إجراء بعض التعديلات: مثل استبدال القرويين الأفريقيين بسكان الضواحي الأميركية. كما أن ذلك الوحش لا يمكن أن يكون هو ذلك الكائن المحبوب، الفيل. فمن سوف يصدق ذلك؟

لقد كان الرجل الذي قتل يدعى جون ماينغو، ويبلغ من العمر 25 عاما، وهو من قرية تدعى «كاتوبيا» تقع في جنوب زامبيا. والمرأة هي موكيتي نبوبو التي تحظى باحترام قريتها لأنها زوجة رئيس القرية.

وقد رأى ميوينغا كاتيبا (44 عاما)، أحد سكان تلك القرية، الفيل وهو يحمل ذلك الشاب في ذلك اليوم من أبريل (نيسان)، فجمع أولاده وزوجته واختبأوا داخل الكوخ. فيقول كاتيبا عن ماينغو: «لم يتمكن حتى من الصراخ، لقد مات بهدوء».

وفي الآونة الأخيرة تزايد معدل تلك الحوادث في جنوب زامبيا وشمال بوتسوانا، حيث إن الناس يعيشون جنبا إلى جنب مع عدد متزايد من الأفيال. ولا توجد إحصائيات موثوق بها بشأن عدد الوفيات في جنوب أفريقيا، ولكن في منطقة جنوب زامبيا وحدها، توفي خمسة أشخاص خلال العام الجاري مقارنة بواحد فقط خلال العام الماضي؛ وفقا لتقارير الأخبار الزامبية الرسمية.

ويكاد وجود الأفيال في وسط أفريقيا يكون نادرا، بينما تزداد كثافتها في الجنوب نظرا لوجود حظر دولي على تجارة العاج، مما أدى إلى انخفاض عمليات صيد الأفيال.

وحاليا، أصبح لدى بتسوانا نحو 151 ألف فيل، بينما لدى ناميبيا نحو 10 آلاف فيل. وفي جنوب زامبيا تضاعف عدد الأفيال، حيث ارتفع من ثلاثة آلاف حتى وصل إلى سبعة آلاف فيل جاء الكثير منها مهاجرا من زيمبابوي، حيث ما زال صيد الأفيال شائعا بها.

وفي العادة تأسر الحيوانات الخيال لأنها كائنات ذكية وعاطفية؛ فهم يحزنون على أحبائهم الراحلين، ويساعدون أعضاء القبيلة الذين يمرضون. ولكن كجيران.

تجد نفسك يوميا في مواجهة لصوص خطيرين وأذكياء للغاية، وتتعرض للجوع بينما يأكلون محصولك. وتخاف من إرسال أولادك إلى المدرسة أو زوجتك إلى الطبيب، ولكنك عند لحظة ما تكون مضطرا إلى الذهاب إلى المدينة لشراء الطعام، وتسير والخوف يحطم ضلوعك.

فإذا أصابك الضجر وقتلت أحد تلك الأفيال، فسوف يتم إرسالك إلى السجن لأن تلك الحيوانات تحظى بالحماية؛ حيث ينظر إليها بتقدير في زامبيا لأنها تجذب السائحين والملايين من العائدات. ولا يحظى البشر بالحماية نفسها، كذلك محاصيلهم، أو منازلهم. كما لا تحصل أسرة الشخص الذي قتله الفيل على تعويض، وبالتالي يشتكي الأشخاص الذين يعيشون في تلك المناطق من أن حكوماتهم والسائحين على حد سواء يفضلون الأفيال على البشر.

يعيش ألبرت مومبيكو (76 عاما)، العامل السابق بخطوط السكة الحديد، في بيت هش من العشب والقش في كاتوبيا، وقد كان ذلك البيت هو الحائل الوحيد بينه وبين الفيل الضخم الذي أيقظه من النوم وزوجته خلال الليل قبل عدة أشهر. لقد كان يلتهم محصوله القليل من الذرة.

زحف مومبيكو وقلبه يخفق بعنف: «كنت أستطيع أن أرى عينيه في ضوء القمر، كانتا واسعتين وقاسيتين. وكان يبدو غاضبا وعنيفا للغاية. وكانت أذناه مفتوحتين» وهي علامة تحذير يصدرها الفيل، فهرب هو وزوجته، ولكن الفيل دك منزلهما ثم استمر في أكل المحصول. فيقول «لقد كنا نشعر بالغضب، وقد شعرنا بالحزن عندما عدنا ورأينا منزلنا قد تهدم». وأصبح يشعر بالغضب وبقلة الحيلة عندما يرى فيلا: «نكره الأفيال، فكلها سيئة».

وفي مساء دافئ من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، الذي يعد أكثر الأوقات ملاءمة لرؤية الأفيال في المتنزه القومي «موسي أو تونيا» بجنوب زامبيا، وعندما اكتست السماء باللون الرمادي، كان قطيع من الأفيال يسبح في النهر. وفجأة، تعالت أصوات الأفيال إلى جانب السيارة.

كانت هناك عشرات من الأفيال التي تجوب بهدوء أو تنغمس في المياه، وكان هناك فيل عجوز يرش الماء على جسمه، بينما كانت الأفيال الصغيرة تلعب في مرح. وكان أحد الأفيال الصغيرة الذي له أنياب صغيرة، يجري أمام مجموعة الأمهات، ولكنه تخلف عن المجموعة لقصر خطواته، فوضع خرطومه الصغير في فمه وأخذ يعدو كي يلحق بها.

وقد مر عدد من عربات السفاري المفتوحة إلى جانب القطيع، بينما كانوا يتبادلون الأخبار حول أفضل موقع لرؤية الأفيال. وكان الصمت سائدا عدا أصوات العصافير، والمحركات والصفير المستمر وطقطقات الكاميرات الرقمية. يخشى فيريل أوسبون، مراقب الأفيال الموسمي، تلك المخلوقات ولكن ذلك لا يعني أنه ليس عاطفيا حيالها. فيقول: «تسحرني الأفيال ولكنني لا أحبها».

وهو ليس من نوعية المدافعين عن البيئة الذين يعتقدون أن مشكلة الأفيال الحقيقية هي البشر والكثافة السكانية في أفريقيا وتدمير البيئة. بل إنه يعتقد أن البشر يمكن أن يتعايشوا مع الأفيال إذا ما اتخذوا عدة إجراءات احترازية. وأحد تلك الإجراءات هو منح الأشخاص حوافز للمحاولة ففي الوقت الراهن، لا تصل عائدات السياحة إلى هؤلاء الذين يعيشون في أحياء تهددها الحيوانات.

وتتمنى مجموعته «مؤسسة تنمية الثقة بين الفلاحين والأفيال» الحفاظ على الأفيال من خلال مساعدة المزارعين على حماية محاصيلهم وتقليل الصراع وإنقاذ حياة كل من البشر والحيوانات على حد سواء.

وتتمنى المجموعة التي يقع مقرها في زامبيا تدريب المزارعين الأفريقيين على مقاومة الأفيال من خلال استخدام الفلفل الحار، حيث إن الأفيال تكرهه.

وفي العادة يحرق المزارعون الأفريقيون الفلفل الحار كنوع من المقاومة ولكن ذلك ليس كافيا، حيث تتكون طريقة الجمعية من أربع خطوات بسيطة ولكنها تتضمن الكثير من العمل والالتزام.

الطريقة:

1) اترك خمس ياردات كمنطقة خالية بين الغابة والحقول، حيث تشعر الأفيال بالتوتر عندما تشم رائحة البشر بالقرب وهم يتحركون في الحقول المجاورة وعلى مقربة منها.

2) ازرع طوقا كثيفا من أشجار الفلفل الحار حول الحقل.

3) ضع بوابة لها حبل تتدلى منه صفائح (تخيف الأفيال) وأعلام من القماش مغطاة بطبقة دهنية معبأة بالفلفل الحار.

4) احرق الفلفل محدثا دخانا كثيفا.

وتعد المجموعة بشراء الفلفل الحار من المزارعين وإنتاج منتجاتها الخاصة من توابل الفلفل الحار والصلصات التي تباع في جنوب أفريقيا والتي من المتوقع أن يتم طرحها قريبا في الأسواق الأميركية. (هذه المنتجات متاحة بالفعل للمستهلكين الأميركيين من خلال موقع المجموعة)، وتعود الأرباح إلى تلك المجموعة. يقول اسبورن: «نقول «لسنا هنا لنعطيكم الطعام أو المال، فنحن هنا لكي نقدم لكم أفكارا. والالتزام بتلك الأفكار يرجع إليكم».

وقد اتبع أحد الفلاحين الزامبيين هذه الطريقة بعناية، ونجح في إبقاء الأفيال بعيدة عن محصوله لمدة ثلاث سنوات، وكانت الطريقة ناجحة حتى إن جيرانه اتهموه بممارسة السحر.

ووفقا للمؤسسة فإن الحل على المدى البعيد سيكون أن يتوقف الناس عن الاستقرار وزراعة المحاصيل في المناطق التي من المعروف وجود الأفيال بها. فيقول اسبورن: «لقد كانت تلك المناطق موجودة منذ عقود، وبالتالي فإن انتقال المزارعين أسهل من نقل تلك المناطق». ولكن توزيع الأراضي هو قضية شديدة الحساسية، حيث إن تلك الأراضي تخضع لعدد من رؤساء القبائل الذين يقررون المناطق التي تتم زراعتها والمناطق التي يسكن بها. فإذا منحك رئيس القبيلة قطعة من الأرض ـ حتى وإن كانت وسط أراضي الأفيال ـ فإن تلك هي المنطقة التي سوف تعيش بها. ولكن مرور الأفيال سوف يفسد المحاصيل وسوف تتعرض أسرتك لخطر هجوم الأفيال.

كما أن الحكومات في المنطقة لا تقوم بالكثير لمساعدة المزارعين، وفقا لمؤسسات المساعدة المحلية والمزارعين. كما أن منظمة (مؤسسة تنمية الثقة بين الفلاحين والأفيال) صغيرة وتمويلها ضعيف مما يجعلها غير قادرة على تدريب جميع الفلاحين في جنوب أفريقيا وتوفير دلاء الفلفل الحار. وقد أبدى المزارعون الذين لا يرون شيئا من مزايا السياحة احتجاجا على إجراءات الحكومة.

فيقول اسبورن: «يأتي السائحون، ولكن الناس هنا ليست لديهم مياه صالحة للشرب، كما أن لديهم مدارس فقيرة، وهم لا يشعرون بأنهم لا يحصلوا على أي مميزات، فإذا استطاع المجتمع أن يرى أنك تحصل على قدر كبير من المال من خلال السياحة، فأعتقد أنهم لن ينزعجوا من الأفيال».

وكان لدى مومبيكو الذي تحطم منزله حل خاص به: فإذا كان السائحون يحبون الأفيال إلى هذا الحد، فيجب أن تضعهم الحكومة داخل سياج «فعندما أرى أحد هذه الحيوانات، أدرك أنها سوف تقتلني».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»