ليلة «ستيلا».. بين الفن والتسويق وجدل حول مفهوم «هذا ما تريده السوق»

ألكسندر وانغ يفوز بالـ 100000 يورو لتجديده مفهوم الملابس «الاسبور» والتقاطه روح الشارع

ألكسندر وانغ مع الفائزين السابقين بالجائزة
TT

بعد أشهر من التحضيرات، وأسابيع من التكهنات، أعلنت زيوريخ، أول من أمس، عن الفائز العاشر بجائزتها «ستيلا»، المصمم الشاب ألكسندر وانغ، رغم المنافسة الشديدة هذا العام من كل من «إيريدم»، «بيتر بيلوتو»، الفرنسي أليكسي مابيل، ثاكون و«أون تيتل». التوقعات الأخيرة كانت ترجح كفة كل من: «إيرديم» و«بيتر بيلوتو»، نظرا للحرفية والإبداع والفنية، لكنها رست في الأخير على الأميركي الشاب لتجديده مفهوم الملابس «الاسبور» والتقاطه روح الشارع وما يريده الناس الآن. ذلك أن أهم شرط من شروط المسابقة، أن يتمتع الفائز بالقدرة على الابتكار والإبداع، تماما كما على التسويق، بمعنى أن يفهم الجهة التي يتوجه إليها. وهذا ما أكده ألكسندر وانغ، الذي لا يتعدى عمره 25 سنة ومع ذلك يحقق نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة الأميركية، ويتمتع بمعجبات مهمات من النجمات وكذلك من المتابعات للموضة، خصوصا من محررات الأزياء اللاتي يفسحن له صفحات مهمة في مجلاتهن. وكل هذا ساعده على الانطلاق سريعا والحصول على عدة جوائز، من بينها جائزة «فوغ» التي رشح لها مؤخرا.

المناقشة التي كانت تدور في الكواليس بين المنظمين ولجنة الحكام، التي من بين هيئتها صحيفة «الشرق الأوسط»، وهي أن الفائز يجب أن يمتلك حسا فنيا لا يضاهيه قوة سوى فهمه للسوق وقدرته على طرح أزياء يمكن للمرأة أن ترى نفسها متألقة أو مرتاحة فيها بسهولة، ومن ثم تقبل على شرائها. فالفنية وحدها لم تعد تكفي أو تفيد. فالمصمم الفنان قد يشبع حاجته للتميز بجموحه الإبداعي وشطحاته الفنية، لكنه إذا لم يمتلك حسا واقعيا يفهم أحوال السوق ويلتقط نبض الشارع، فإنه لا ينجح على المدى البعيد. وهذا ما تركز عليه الفيدرالية السويسرية للأقمشة حاليا برغبتها الواضحة في الرهان على جواد أكثر من رابح هذه المرة، حتى يكون من تسلمه جائزتها التي تقدر بـ 100000 سفيرها للعالم لسنوات طويلة قادمة، تماما مثل المصمم البلجيكي راف سيمونز، الذي فاز بها في عام 2003، وكان حينها يمر بظروف مادية صعبة، وكانت الجائزة بالنسبة له بمثابة طوق نجاة ساعده على اجتياز المحنة بسلام، وأن ينتقل من نجاح إلى آخر، لا سيما بعد أن حصل على وظيفة المصمم الفني لدار «جيل ساندر». الأمر نفسه تحقق مع مصمم بلجيكي آخر هو بيتر برونو، الذي فاز بها في عام 2006 وأصبح مصمم دار «هيغو بوس» في ما بعد، وأخيرا مع ماريوس شواب، الفائز بالجائزة لعام 2007 الذي يعمل حاليا مع «هالستون» إلى جانب خطه الخاص. وكل هؤلاء تفتخر الفيدرالية بأن لها يدا في وصولهم إلى هذه المرحلة من مشوارهم.

القاسم المشترك بين الفائز هذا العام، ألكسندر وانغ، والفائزين السابقين، أنه مصمم متطور ومبتكر، بل وربما يتفوق عليهم في فن التسويق. وبالنظر إلى تصميماته عن قرب تشعر أنه حتى عندما يستقي من إيحاءات مألوفة وغير جديدة علينا، ينجح في إضفاء الجديد عليها، ليمنحها بعدا عصريا مدهشا. وفي تشكيلته للربيع والصيف المقبلين، التي دخل بها المسابقة، لعب مثلا على مفهوم الأزياء الرياضة التي كانت النواة التي انطلقت منها موضة «نيويورك» فأسبغ عليها كثيرا من الراحة والأناقة والمرونة. والنتيجة أنها أزياء قد تبدو وكأنها ملابس للأيام العادية ونهاية الأسبوع، إلا أنها في الحقيقة مصنوعة بشكل ذكي، تمكن لابستها أن تتوجه بها إلى السوق أو إلى ناد ليلي، وتبدو في كل الحالات «أنثوية، واثقة ومتميزة»، حسب قول ألكسندر وانغ. وأضاف، هذا الأخير، لـ«الشرق الأوسط» أنه دائما يستقي أفكاره من ذكرى يعمل عليها ويطورها، وهذا ما يفسر، مثلا، وجود جاكيت من الجلد قديم أضاف إليه جزءا طويلا، يمكن الاستغناء عنه بسهولة لأنه مشبوك بسحاب وليس محاكا معه. وتكررت هذه الفكرة في الكثير من القطع مما يضفي عليها وجوها كثيرة، وأيضا الكثير من المرونة، التي أصبحت المرأة العصرية في أمس الحاجة إليها.

المفاجأة الوحيدة في فوز وانغ بالجائزة أن لائحة المتنافسين هذا العام كانت مهمة جدا. فالفرنسي أليكسي مابيل، يعتبر نجما صاعدا في سماء باريس حاليا، خصوصا بعد أن اختارت كارلا بروني ساركوزي الظهور بأحد فساتينه مؤخرا، فضلا عن إعجاب كارين رويتفيلد، رئيسة تحرير «فوغ» الفرنسية، بموهبته، والراقصة العالمية ديتا فون تيس، والعارضة ليندا إيفانجليستا، والنجمة الشابة كيرا نايتلي وغيرهن بتصميماته.

كذلك الأمر بالنسبة لثاكون بانيشغول، الذي ظهرت ميشيل أوباما بقطع من تصميمه. كما يقال إن آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية، معجبة به وتتبناه ضمنيا. سبب هذا الاعتقاد ظهوره في لقطة سريعة في فيلمها «ذي سبتمبر إيشو» (عدد سبتمبر) ولم تكن باردة معه مثلما كانت مع ستيفانو بيلاتي، مصمم دار إيف سان لوران، مثلا. أيضا شكل بيتر بيلوتو، وهو ثنائي مكون من بيتر بيلوتو وكريستوف دي فوس، منافسة قوية بالنظر إلى فنيتهما العالية وجرأتهما في تجربة أشكال جديدة على أقمشة حديثة. وهي فنية يشترك معهما فيها الشاب «إيرديم» الذي كانت الكثير من التوقعات ترجح كفته للفوز بجائزة هذا العام، لكن أزياءه المتقنة التي تجذب إليها فتيات من كل الأعمار لم تشفع له، على الرغم من أنها تحاكي «الهوت كوتير» في الكثير من صفاتها. الأمر نفسه ينطبق على «أون تيتل» وهي ماركة تعمل وراءها أليكسا أدامز وفلورا جيل، التي رغم تفصيلها الرائع المتستر تحت أشكال هندسية قد تبدو أحيانا مستقبلية أو في غاية الفنية، لم تستطيعا منافسة ما أصبح يعرف في أوساط الموضة بـ«ما تريده السوق». وهذا ما يعرفه جيدا ألكسندر وانغ، الذي دخل مجال العمل صغيرا مع أخيه وزوجة أخيه، بحيث كانت البداية صنع قطع صوفية وتوزيعها على البيوت، قبل أن يبتسم له الحظ، ويلتقي بالعارضة العالمية واسون، التي ساعدته على فهم أسرار الموضة وما يجري في دهاليزها، ليصبح في فترة قصيرة من المصممين الذين يضفون على أسبوع نيويورك الكثير من الحيوية التي باتت تفتقدها. قوة ألكسندر تكمن أيضا في شخصيته وفورة حماسه التي تعديك وأنت تستمع له، إضافة إلى الجرأة التي قد تعتقد أنها تعود إلى فورة الشباب وعدم الخوف من المستقبل، لكنها في الحقيقة مجرد حماس لما يقوم به وطريقته في الحديث، وأيضا طريقة تسويق ذكية يعتمد فيها على دفئه ووسامته الصينية وأسلوبه العصري جدا، الذي يعرف أنه يروق للشابات.

لا شك أن اختيار الفائز لم يكن سهلا، ودخلت فيه عدة اعتبارات، أهمها أن صناعة الأقمشة السويسرية تعاني من ركود شديد وتحتاج إلى إنعاش سريع، من خلال مصمم نجم. مصمم يستطيع أن يكون سفيرها إلى العالم من منطلق أن نجاحه هو جزء من نجاحها ما دام سيستعمل أقمشة مصنوعة في قراها ومعاملها. فالملاحظ أن الجائزة بدأت كمساعدة لمصممين في مقتبل العمر، وأصبحت أيضا مساعدة لصناعة الأقمشة السويسرية، ولو بطريقة غير مباشرة، كونها تريد جذب الأنظار إليها كصناعة يمكن أن تتطور حسب الطلب لتشمل أقمشة مترفة وفخمة للـ«هوت كوتير» أو أقمشة متميزة للأزياء الجاهزة أو أقمشة حديثة ومستقبلية تدخل فيها تقنيات متطورة تمنح المصممين الشباب مجالات أكبر للتعبير عن أنفسهم وقدراتهم، سواء كانت النية طرح أزياء للنهار أو للمساء أو «اسبور».

ككل القطاعات والصناعات، تأثرت صناعة الأقمشة السويسرية بالأزمة المالية التي ألمت بالعالم منذ بداية عام 2008 عموما، وعالم الموضة خصوصا. ففي عام 2008 سجلت تراجعا بنسبة 3.2% إلى 4.19 مليار فرنك سويسري، وفيما شهدت الصادرات تراجعا بنسبة 5.1%، ظل الإقبال على الأيدي العاملة المحترفة على ما هو عليه، مع تحسن ملحوظ تمثل في خلق نحو 1.8% من الوظائف الجديدة، بفضل انتعاش مجالات جديدة. لكن في الشطر الأخير من العام نفسه، ومع تراجع الصادرات وانخفاض الطلبيات، ظهر التأثير أكثر قوة وانعكس بشكل كبير على منتوجها لعام 2009.

وعلى الرغم من التراجع الذي تعرفه هذه الصناعة فإن فيدرالية الأقمشة السويسرية تفند أي قول بأنها تعاني من مشكلات بنيوية، بل تقول إنه عليها فقط أن تتعامل مع أزمة تمر بها كل القطاعات في العالم. وما ساعدها على هذا أنها منذ سنوات تعمل على التأقلم مع تحولات السوق العالمية، وتتبع استراتيجية ذكية تجمع بين المنتجات الفخمة والمنتجات الحديثة مع تقديم تسهيلات وخدمات مغرية، مما جعلها في موقف قوي يضمن لها أسواقها، التي حافظت عليها طوال السنوات، رغم المنافسات الشديدة من أسواق عالمية دخيلة، بل وتتغلب عليها بكسب ثقة أسواق جديدة. ويتوقع ماكس آر. هنغربورلر، الرئيس التنفيذي لفيدرالية الأقمشة السويسرية، أن تتحسن الأوضاع في عام 2010، وأن تتطور صناعة الأقمشة لتشمل خامات جديدة وحديثة، خصوصا بعد أن ظهرت ميشيل أوباما، عندما حلف زوجها، باراك أوباما، اليمين كرئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد، في فستان مصنوع من تطريز «الغويبور» السويسري، الأمر الذي فاجأ كل صناع الأقمشة، وأكد لهم أن البحث عن خامات جديدة وتطوير تقنيات استحداثها مهم لصناعتهم ولصناعة الموضة. ومن هنا كان لا بد من البحث وتطوير، كما لا بد من مصمم متألق يعرف أن يوظف هذه التقنيات والأقمشة في أزياء لكل المناسبات ولكل شرائح المجتمع، وهذا ما تتوسمه في ألكسندر وانغ.