مهرجان القاهرة السينمائي يبرز أزمة السينما العربية

حضور النجوم لم يغط على أزماته الحقيقية

الممثلة سلمى حايك (أ.ب)
TT

أظهرت مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ33 التي يعرض فيها 11 فيلما أزمة السينما المصرية والعربية. كذلك أكدت هذه الدورة أن حضور النجوم الأجانب لم يغط على أزمات الإدارة والتنظيم التي يعاني منها المهرجان منذ فترة طويلة.

من أبرز مظاهر أزمة مسابقة الأفلام العربية أنه لا يوجد فيها أي فيلم عربي لم يتم عرضه في أكثر من مهرجان دولي، بما في ذلك الفيلم المصري «هليوبوليس» الذي يمثل مصر في المسابقة العربية، والذي عرض في أكثر من مهرجان، آخرها مهرجان أبوظبي قبل بضعة أسابيع. يستثنى من ذلك الفيلم المغربي «أقدار متقاطعة» لإدريس شويكا، يضاف إلى ذلك الفيلم المصري الذي أنقذ مصر من عدم المشاركة في المسابقة الدولية للمهرجان والمفترض مشاركته أيضا في المسابقة العربية وهو فيلم «عصافير النيل» لمجدي أحمد علي.

في حين نجد أن 9 أفلاما أخرى مشاركة في المسابقة قد عرضت في أكثر من مهرجان، حتى إن بعضها (مثل الفيلم الفلسطيني الجميل «المر والرمان» لنجوى النجار) عرض في مهرجان دبي قبل عام من مشاركته في مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكذلك الفيلم الفلسطيني الثاني الذي يشارك في المسابقة نفسها وهو «أميركا» لشيرين دعبس كان قد عرض في افتتاح مهرجان سلا المغربي، وفي مهرجان بيروت السينمائي حيث حصل على إحدى جوائزه.

هذه النماذج تبرز أزمة حقيقية، فدولة مثل مصر تمتلك صناعة سينما كبيرة وسوقا جماهيرية واسعة، لكنها مع ذلك أصبح تفتقد القدرة على إنتاج سينما متميزة، تستطيع أن تمثلها في مهرجاناتها من دون الحديث عن مشاركتها في مهرجانات دولية.

ودول مثل المغرب تنتج ما لا يقل عن 12 فيلما ضمن نظام الإنتاج المغربي الأوروبي المشترك، تنتج أفلاما يمكن لها المشاركة في مهرجانات دولية، لكنها لا تملك سوقا لأفلامها المنتجة، فعلى صعيدها الوطني لا تمتلك المغرب أكثر من 80 دار عرض يقفل منها بمعدل سنوي 8 دور عرض حسب تصريحات مسؤولين فيها.

وتأتي بقية المشاركات العربية الأخرى ضمن عملية مصادفة، لأنها لا تمتلك صناعة حقيقية للسينما، ولا تمتلك أيضا سوقا لأفلامها، مثل فلسطين، ومثل سورية التي لا تنتج أكثر من فيلم أو فيلمين في العام أو كل بضعة أعوام، وهذا أيضا ينطبق على تونس والجزائر.

وضمن أزمة الأفلام العربية أيضا مهرجانات عربية كبرى، ينفق عليها الملايين من الدولارات، ولكن البلدان التي تقام فيها لا تملك صناعة سينما، وليست مرشحة في الزمن القريب لامتلاك مثل هذه الصناعة محليا، مثل دبي وأبوظبي، وهذا يتطلب من رؤساء المهرجانات العربية إعادة النظر في مثل هذه المهرجانات، وإعادة تقنين مصروفاتها، ودفعها في الواجهة الصحيحة لدعم السينما العربية لوضعها في مكانها المناسب على صعيد مثيلاتها على الصعيد العالمي. وما قيل عن مشاركة الأفلام العربية أيضا يمكن أن ينطبق على المسابقة الدولية، حيث يوجد أكثر من فيلم عرض في مهرجانات دولية مختلفة. فالمسابقة الدولية لا تلتزم بلائحة رابطة المنتجين الدولية التي تنظم أهم 12 مهرجانا على صعيد العالم مثل مونت كارلو وبرلين وفينيسيا وسان سبستيان، وآخرها مهرجان القاهرة، وتمنع الرابطة مشاركة أفلام سبق عرضها في مهرجانات سابقة أو عرضت جماهيريا في المسابقة، مما يعكس أيضا أزمة أخرى لمهرجان القاهرة السينمائي. فمن بين 17 فيلما تشارك في المسابقة الدولية في المهرجان توجد عدة أفلام عرضت في مهرجانات دولية أخرى، مثل الفيلم الفنلندي «خطابات إلى الأب جاكوب» لكلاوس هارو، حيث عرض في السويد بمهرجان غوتنبرغ، وعرض في فنلندا جماهيريا وفي مهرجان فانكوفر السينمائي بكندا، وأكثر من مهرجان آخر.

كذلك الفيلم الفرنسي «القنفد» لمنى اشاش، عرض في فرنسا وبلجيكا ونيوزيلندا جماهيريا، الأمر نفسه بالنسبة للفيلم اليوناني «عبيد لديونهم» لتونيس ليكورسس، فقد عرض في مهرجان سالونيك، وبسوق مهرجان الفيلم الأوروبي بألمانيا، وجماهيريا باليونان.

وينطبق هذا أيضا على الفيلم البولندي «أيام الرغبة» لجوزيف باسكوفسكي، والفيلم الهندي الذي افتتح المهرجان ويشارك إلى جانب فيلم ثان ويمثلان الهند في المسابقة الدولية وهو فيلم «نيويورك» لكبير خان، حيث عرض في الهند وأستراليا وبريطانيا وأميركا ونيوزيلندا.

وكما نرى فإن حضور نجوم السينما الهوليوودية، سلمى حايك وصاموئيل جاكسون ولوسي لو، لم يحل أزمة مهرجان القاهرة الذي يأتي زمنيا ضمن لائحة المهرجانات العالمية الأكبر كآخر مهرجان في الدور السنوي لهذه المهرجانات، ولم ينجح في إيجاد أفلام عالمية تليق بمكانته، على الرغم من أن حضور هؤلاء النجوم يعتبر مكسبا كبيرا للمهرجان، وما يدلل على ذلك الحضور الكثيف للمؤتمرات الصحافية لهم كما شاهدناه في المؤتمر الصحافي الخاص بسلمي حايك ولوسي لو وصاموئيل جاكسون، والتغطية الإعلامية الواسعة لهذه المؤتمرات.

ورغم هذا النجاح إلا أن إدارة المهرجان لم تتجاوز فكرة المحسوبيات، خصوصا في حفل الافتتاح، حيث امتلأت القاعة بوجوه غير معروف اهتمامها بالوسط السينمائي، في حين لم يتم الاعتناء بفنانين يشكلون جزءا من تاريخ السينما المصرية مثلا، ولا يزال حديث الفنانة نجوى فؤاد للقنوات الفضائية التي غطت الافتتاح في الأذهان، عندما غادرت مكان الاحتفال بدار الأوبرا المصرية احتجاجا على طريقة استقبالها ووضعها في مكان لا يليق بمكانتها كفنانة.

وكذلك لم تستطع إدارة المهرجان تجاوز أزمات عروض الأفلام المصرية من ازدحام وفقدان النظام ومشاجرات وتعنت رجال أمن في السينما التي تعرض بها أفلام المسابقة الدولية والأفلام المصرية المشاركة في المسابقات. وعلى الرغم من مطالبة النقاد المصريين بتخصيص عرض الفيلم المصري للصحافة والضيوف والفنانين في العرض الخاص للفيلم، فإن إدارة المهرجان وإدارة السينما لم تأخذ بعين الاعتبار ذلك، مما يخلق كل هذه المشاجرات والإساءة لمصر وللمصريين أمام الضيوف الأجانب الذين ينسحب جزء منهم ولا يحضر الفيلم بسبب مثل هذا الإرباكات.

ولا يزال المركز الصحافي يعاني من ضعف إمكانياته، إلى جانب عدم المقدرة على التعامل مع الصحافة، وذلك بإعادة تجديد بياناته، لأن الصحافة السينمائية محددة ومعروفة وبالتالي يمكن التعامل معها بسهولة.