«متحف الحضارة».. رحلة في تاريخ مصر عبر العصور

يضم 100 ألف قطعة أثرية ويعانق آثار الديانات الثلاث

يضم المتحف كل مظاهر الثراء والتنوع التي اتسمت بها الحضارة المصرية خلال الأزمنة المختلفة
TT

أعلنت وزارة الثقافة المصرية أنها ستقيم احتفالية كبرى، يحضرها حشد من الشخصيات العربية والدولية لحضور افتتاح متحف الحضارة، الذي يجرى إقامته حاليا في منطقة مصر القديمة، وسيتم الانتهاء من تشييده منتصف العام المقبل.

وقال فاروق حسنى، وزير الثقافة المصري، إنه يجرى حاليا إنشاء المتحف على أعلى مستوى، بحيث يضاهي أكبر المتاحف العالمية، وأنه يحظى بمتابعة دورية منه، كونه يشكل قيمة فنية ومتحفية كبيرة. لافتا إلى قيامه بجولات تفقدية للمشروع للوقف على مراحل إتمامه في الموعد المحدد.

وتعهد الوزير حسني بافتتاح المشروع في موعده المقرر له (منتصف العام المقبل)، بعد الانتهاء من إعداده طبقا لأحدث النظم العالمية ليستوعب 100 ألف قطعة أثرية تمثل تطور الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث بتكلفة إجمالية قدرها 500 مليون جنيه.

ويقام المتحف في منطقة تتجاور فيها الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية على مساحة 25 فدانا في منطقة الفسطاط، بجنوب غربي القاهرة، ويجاوره جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا اليهودي. وتشرف على إنشائه منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، التي أقر خبراؤها مراحل الإنشاء خلال اختتام اجتماع لهم في القاهرة.

فلسفة إقامة المتحف مبنية على استغلال المنطقة الفريدة الواقع فيها، بالقرب من مواقع شديدة الارتباط بالديانات السماوية الثلاث، وهو ما يجعل المنطقة بؤرة ومركزا للإشعاع الثقافي والحضاري، كما أن للمنطقة دلالة رمزية للمصريين، إذ إنها جزء من مدينة الفسطاط أول عاصمة عربية وإسلامية لمصر، التي قام ببنائها عمرو بن العاص بعد فتحه مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

ومن المقرر أن يضم المتحف كل مظاهر الثراء والتنوع الذي تمتعت به الحضارة المصرية خلال الأزمنة المختلفة، بدءا من عصر ما قبل التاريخ وحتى وقتنا الحاضر. وسيضم بين جنباته آثارا نادرة تم جمعها من المتاحف والمخازن المنتشرة في مصر، من خلال أسلوب منهجي تم تقييمه بحيث يبرز المتحف جوانب التراث المصري، وتأثير الحضارة المصرية على الحضارات الأخرى.

ويتجاوز المتحف الغرض التقليدي من مجرد قاعات تضم الكنوز والآثار ليشاهدها زوار مصر وغيرهم، إلى شكل يمثل نوعا جديدا من المتاحف لم تألفه مصر ولا الشرق الأوسط بأسره، باحتوائه المنتظر على مكتبة ومعامل للترميم ومنطقة ترفيهية، ما يجعل منه متحفا ومؤسسة ثقافية متكاملة.

ولا يوجد أي تناقض، كما أثير في الأوساط الثقافية، ما بين متحف الحضارة والمتحف الكبير، الذي يجرى إنشاؤه على طريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوي، والذي يعد الأكبر من نوعه في العالم، حيث يقع على مساحة قدرها 117 فدانا.

فالمتحف الكبير يركز على الحضارة المصرية في العصر الفرعوني فقط، بينما يبرز متحف الحضارة نماذج من مختلف العصور بما يحتويه من مجموعات أثرية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ومن ثقافات متعاقبة وتاريخ لملوك وسلاطين وولاة وحكام وأديان ومعتقدات وتعبيرات جمالية، يأخذ بزائريه في رحلة فريدة خلال حقب التاريخ المصري، ويتيح لهم التعرف على تاريخ أقدم حضارات العالم، وبمعنى أدق أقدم دولة في العالم.

وحسب السيناريو فإن المتحف سيحوي ثمانية معارض متخصصة، مكونة من معرض شامل عن الحضارة المصرية، يقع في قلب المتحف، بجانب معرض للمومياوات الملكية، وستة معارض أخرى بعناوين «فجر الحضارة، النيل، الثقافة المادية، الكتابة والعلوم، الدولة والمجتمع، العقائد والفكر».

ويحرص القائمون على المشروع أن تكون مقتنياته في إطار متسلسل تاريخيا خلال ثماني فترات أساسية، هي: ما قبل التاريخ، العصر العتيق، العصر الفرعوني، العصر اليوناني ـ الروماني، العصر القبطي، العصر الإسلامي، العصر الحديث، ثم المعاصر.

ويضم معرض المومياوات الملكية مومياوات أشهر ملوك مصر الفرعونية، مثل: رمسيس الثاني، وتحتمس الثالث، وأمنحوتب الثالث، وسيتي الأول، بالإضافة إلى الكثير من الأمراء والوزراء والحرفيين في العهود الفرعونية. كما يحتوي على مجموعات حلي المتحف المصري في ميدان التحرير، التي تعبر عن تكنولوجيا الصناعات الدقيقة في مصر منذ أكثر من 3 آلاف عام.

ومن أبرز سمات المجموعات الأثرية التي سيتم عرضها، الآثار النادرة لفترة ما قبل التاريخ، وهى عبارة عن أفضل القطع الأثرية في مجموعة زكي سعد، التي جمعها مما يقرب من ألف مقبرة أثرية، تم اكتشافها في ما بين عام 1940 إلى عام 1950، بجانب مجموعة منشأة أبي عمر، التي تضم قطعا أثرية عثر عليها في مقابر الطبقة الأرستقراطية.

ومن روائع المعروضات التي سيضمها المتحف، مجموعة فنية من العصر اليوناني الروماني، وتضم صورا وأعمالا لمنحوتات عثر عليها في مدينة الفيوم، وأخرى من العصر القبطي، ومنها مخطوطات ونسخ مزخرفة من الإنجيل، وكذلك من العصر الإسلامي، تشمل مخطوطات وأعمال الخزف والأسلحة وعددا من الأعمال الفنية والمصنوعات اليدوية.

وسينظم المتحف معارض مؤقتة في صالات العرض المخصصة، لإبراز حاضر الثقافة المصرية وماضيها، بما يجعله مؤسسة قومية كبيرة وجديدة بما يقدمه، حسبما هو متوقع، من رؤية ديناميكية ومبتكرة للحضارة المصرية في الماضي والحاضر.

ويتيح المتحف للزائرين الكثير من المصادر التعليمية ومصادر البحث، من خلال مكتبته ومراكز الدراسات التي به والصور والأرشيفات ومصادر التدريس والمطبوعات، إلى جانب إمكانية حصولهم على ما يريدون من معلومات من خلال شبكة «الإنترنت».

وقد مرت أعمال تنفيذ المتحف بثلاث مراحل، الأولى بدأت في الفترة من 1986 إلى عام 1990، عندما كان مقررا إنشاء المتحف في أرض الجزيرة، إلى أن تغير الموقع إلى موقعه الحالي، أما الثانية فهي التي تلت قرار نقله إلى منطقة الفسطاط وما ترتب على ذلك من تعديلات جوهرية نتيجة لتغيير الموقع، وبمرور ما يقرب من 10 سنوات على التصميم الأول، وحتى عام 2004، تم إضافة عناصر جديدة لم تكن موجودة أصلا مع زيادة مسطحات معظم العناصر الأصلية.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة، التي ستنتهي منتصف العام المقبل، فتشمل زيادة مسطحات عرض قاعات المومياوات، واستحداث مسطحات للأطفال داخل مسطحات العرض المتحفي، وزيادة مسطحات العرض المؤقت، وزيادة مسطحات خدمات الجمهور داخل جناح الاستقبال، وكذلك داخل جناح العرض المتحفي بهدف تعظيم العائد بما يضمن حسن الإدارة والصيانة للمبنى.

وحسبما هو مخطط، فالزائر للمتحف يستطيع التعرف على النواحي التفصيلية لقيام الحضارة المصرية في عصورها المبكرة والتحول الكبير الذي طرأ على مظاهر حياة الإنسان المصري منذ أن عرف الاستقرار وتعلم الزراعة والرعي، وتكوين الأقاليم والمدن حتى بداية تكوين ملامح الدولة المصرية.

ويدحض المتحف المزاعم القائلة بأن الكتابة المسمارية هي أقدم الكتابات، إذ أثبتت الاكتشافات الأثرية في أبيدوس أن المصريين توصلوا للكتابة المصرية قبل المسمارية بأكثر من 300 عام، وذلك من خلال ما يعرضه المتحف من مقتنيات تشهد على هذه الحقائق.

وتتناول معروضات المتحف بالشرح والتحليل لنظام الحكم المصري وتعايشه مع المجتمع، حيث أثبتت كل الشواهد أن أقدم حكومة مركزية في العالم لأقدم دولة هي مصر، وكيف سادت العلاقة بين الحكومة والمجتمع التي تباهى بها المصريون منذ قدم الأزل كدلالة على العدل والمساواة.