فيلم «عدد سبتمبر».. نظرة إلى كواليس أشهر مجلة أزياء في العالم.. وسطوة «ملكة الثلج»

الخلافات الناعمة وصناعة الجمال

آنا وينتور وغريس كودينغتون في مشهد من فيلم «عدد سبتمبر» (أ.ب)
TT

يكتسب فيلم «سبتمبر ايشيو» أو «عدد سبتمبر» الذي عرض منذ أشهر قليلة في متحف نيويورك للفن الحديث (موما) وصدر مؤخرا على «دي في دي»، أهميته أو جاذبيته من عدة عناصر، أهمها أنه فيلم عن العالم الخفي لأشهر مجلة أزياء في العالم. وعلى الرغم من طبيعة الفيلم «الوثائقية»، فإنه من المؤكد أن الفيلم قد اجتذب عددا كبيرا من المشاهدين ربما للتشابه بين محتوى الفيلم وبين فيلم درامي صدر منذ ثلاثة أعوام وهو «الشيطان يرتدي برادا»، وهو فيلم دار أيضا في كواليس مجلة أزياء شهيرة صور سطوة وشهرة رئيسة تحريرها. عناصر التشابه بين الفيلمين كثيرة، وإن كان أحدها التصوير الواقعي لعالم صحافة الأزياء، والآخر درامي يستوحي أحداثه من رواية، ولكن الدعاية المصاحبة لفيلم «عدد سبتمبر» تحاول اللعب على التشابه بين الفيلمين.

ولعل الضجة التي صاحبت فيلم «الشيطان يرتدي برادا»، وخصوصا أن الشخصية الأساسية في الفيلم مستمدة بشكل كبير من آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ»، كانت أفضل دعاية لفيلم وثائقي قد لا يتمتع بنفس نسب المشاهدة لفيلم درامي يحفل بالنجوم.

يدور فيلم «عدد سبتمبر» حول التحضيرات التي سبقت إصدار أكبر عدد في تاريخ المجلة وهو عدد شهر سبتمبر (أيلول). ومع توالي المشاهد يثور لدى المشاهد تساؤل عن مدى قوة وسطوة وينتور التي تبدو بقصة شعرها والنظارة السوداء الشهيرة وهي صاحبة القرار الأخير في كل صغيرة وكبيرة.

المدهش في الفيلم هو تصوير العلاقة بين وينتور والمخرجة الفنية للمجلة، غريس كودينغتون، التي عملت مع وينتور على مدى 20 عاما. العلاقة بين المرأتين لا تسير بشكل سلس دائما، وهو ما تؤكده وينتور في الفيلم عندما تقول: «غريس مدهشة.. قد لا نتفق دائما ولكنها مدهشة في عملها»، وهو أيضا ما نراه أمامنا حين نرى غريس أثناء عملها في صفحات المجلة واختيارها الصور التي تبذل جهدا مع فريق المصورين والعارضات في إنجازها بشكل بديع، ولكن وينتور التي تمر بهدوء شديد على الصور المقترحة تقرر، بمنتهى الهدوء أيضا، الاستغناء عنها، وتتتبع الكاميرا الإحباط الذي تشعر به غريس وهي تؤكد للمصور أن الصور جد مدهشة، وأنها لا ترى سببا لعدم نشرها، نرى إحباط غريس والغليان الذي تشعر به، ولكن نرى أيضا أن النساء في مجلة «فوغ» يتحكمن في مشاعرهن بشكل فائق، فلا انفعالات متفجرة ولا صوت يعلو فوق صوت الكعب العالي للسيدة وينتور التي تمنع وتسمح بلفتة من رأسها أو ابتسامة مقتضبة.

من المشاهد التي وردت في فيلم «الشيطان يرتدي برادا» مشهد لأماندا بريستلي، رئيسة تحرير مجلة «رانواي» للأزياء عندما تزور أحد المصممين المعروفين في مشغله للاطلاع على مجموعته الجديدة ويبدو من الهدوء المخملي الذي يخيم حول فريق بريستلي مدى إعجابها أو عدمه بالأزياء التي تمر أمامها، هنا يقول أحد المصاحبين لها إن السيدة بريستلي عندما تزم شفتيها فذلك يعني كارثة للمصمم، فإذا لم تعجب بزي فإن هذا له تأثير كبير على مدى نجاح المصمم في نشر تصميماته على صفحات المجلة. الطريف أن ذات المشهد يتكرر في فيلم «عدد سبتمبر»، وإن كان هذه المرة مشهد واقعي عاشه مصمم دار «إيف سان لوران» الذي يعرض مجموعته بشكل خاص لوينتور ومساعديها وفي لقطة سريعة نرى وينتور وهي تدير وجهها وعليه تعبير غامض أقرب إلى النفور عند رؤيتها زيا لم يلق إعجابها بسبب لونه الداكن.

من المسموح طرح سؤال عما إذا كانت الرقابة لعبت دورا في فيلم «عدد سبتمبر». الرقابة المعنية في السؤال هي لرئيسة تحرير المجلة، آنا وينتو، أو «ملكة الثلج»، كما يطلق عليها. وإن وينتور كما تظهر في الفيلم تحمل سلطة مطلقة في تمرير أو حجب أي أفكار يطرحها فريق العمل في المجلة، ومن خلال نظاراتها السوداء الشهيرة تطلق أحكامها المطلقة التي لا رجعة فيها. الهدوء التام يصوره الفيلم في ردهات المجلة وأيضا لدى فريق العمل الذي لا يظهر الكثير من مشاعر الإحباط عند وأد فكرة معينة، واللغة البالغة الرقي التي يتعامل بها الكل.. كل ذلك لا يبدو طبيعيا، وإن كانت غريس تكسر ذلك الهدوء بالاحتجاج المنخفض الصوت على القرارات التي تصدرها وينتور أو تستعيض عن التذمر بمحاولة اتخاذ قرارات لمساعدة فريق العمل معها. ففي استعراضها لمجموعة من الصور الخاصة في أحد موضوعات المجلة نرى وينتور تشير إلى صورة التقطت لأحد المصورين في المجلة برفقة عارضة أزياء وتشير إلى بطن المصور المنتفخة قائلة إن الصورة تحتاج إلى الرتوش الفنية لإخفاء تلك البطن. عندما تسمع غريس ذلك التعليق تبادر بقولها بأن ليس على الجميع أن يبدوا بشكل مثالي كالعارضات، فالأشخاص الطبيعيون من حقهم الظهور بشكلهم وتقوم بالتأكيد على مخرج الصفحة بعدم تعديل الصورة.

والظاهر أن الاختلاف بين غريس ووينتور خلاف قديم في وجهات النظر ويظل في أحيان كثيرة تحت السطح، ولكن تلك العلاقة تصبح هي الموضوع الرئيسي للفيلم. إنها غريس بوجهة نظرها الفنية ورؤيتها للمشاهير الذين يزينون أغلفة المجلة هي محور الفيلم، فهي ترى أن استخدام المشاهير كنجوم غلاف هو أمر مبالغ فيه ولا تبدو من مؤيديه، ولكنها تقول بأن وينتور هي من ابتدأ ذلك التقليد قبل أن يصبح شائعا، وهو تقليد أثبت نجاحه، وإن كانت هي شخصيا لا تفضله. وحتى اختيار وينتور للممثلة البريطانية سيينا ميلر لتكون نجمة غلاف عدد سبتمبر يندرج تحت الخلاف بين المرأتين حول أسلوب تلميع النجوم واستخدامهم كوسيلة لجذب القراء وهو اتجاه تبرع فيه وينتور وبين اتجاه غريس لأسلوب انتقائي يرجح استخدام العارضات. ومن خلال المناقشات حول صور ميللر المستخدمة تبرز نقطة غريس التي ترى أن العارضات فقط هن اللاتي يجب أن يتمتعن بالجمال المثالي، فصورة ميللر لا تلبي رغبة وينتور، حيث تظهر الحشوات في أسنان الممثلة، وتظهر عنقها بشكل غير جذاب بحيث يضطر محرر الصور لوضع الرتوش على العنق والأسنان لتظهر ميللر على غلاف المجلة بأبهى صورة.

خلال الفيلم تعلق وينتور أن الموضة تنظر إلى المستقبل دائما ولا تنظر إلى الوراء، وهو قول يتناقض مع استخدام فترات تاريخية كخلفية وموضوع لمجموعات الأزياء المنشورة في المجلة، فمن استيحاء فترة العشرينات إلى القيام بتصوير العارضات داخل قصر فرساي لا يبدو أن الموضة تستطيع الاستغناء عن الماضي. الفيلم عموما يقدم صورة حية للعالم الخفي خلف مجلة الأزياء الذائعة الصيت، ويقدم من خلالها أيضا لمحات من صناعة الجمال والثقافة الحالية التي تهتم بالمشاهير إلى درجة قد تتجاوز المعقول في بعض الأحيان.