تورط أكبر للمرأة في حرب المخدرات في المكسيك

يجري تجنيدهن بأعداد متزايدة في صفوف مهربي المخدرات والتجار

يجري استغلال الزوجات ـ وكذلك الأمهات والبنات ـ من قبل تجار المخدرات من الرجال نظرا لقدرة النساء على المرور بسهولة أكبر عبر نقاط التفتيش («لوس أنجليس تايمز»)
TT

تدور أحداث القصة ذائعة الصيت داخل عاصمة المخدرات المكسيكية، حاليا، في مركز تجميل للنساء، حيث توجه سيدة ثرية جنت ثروتها عبر سبل قانونية انتقادا علنيا ضد عميلة أخرى أصغر سنا متزوجة بتاجر مخدرات. وعليه، تصدر زوجة تاجر المخدرات أمرا إلى عاملة التجميل بحلق شعر السيدة الأولى، الأمر الذي تذعن له العاملة لخوفها الشديد من العقاب حال رفضها.

هل تلك مجرد خرافة ذاعت في المدينة أم حادث حقيقي؟ لا تكاد الإجابة تحمل أهمية. ويعد هذا الموقف واحدا من القصص التي يجري تناولها على نطاق واسع بهدف الترهيب ودغدغة المشاعر. كما تكشف القصة النقاب عن توجه مثير للقلق، ففي الوقت الذي تضرب أعمال العنف المرتبطة بتجارة المخدرات بعمق أكبر المجتمع المكسيكي، بدأ الدور المباشر للنساء في التوسع.

الملاحظ أنه يجري تجنيد النساء بأعداد متزايدة في صفوف مهربي المخدرات والتجار والقائمين بمهام مساعدة في هذه التجارة. كما تتعرض أعداد متزايدة من النساء للسجن والقتل جراء التورط في مثل هذه النشاطات.

هنا في سينالوا، أقدم أقاليم المكسيك في إنتاج المخدرات وموطن أقوى عصابات الاتجار فيها، جرى النظر إلى زوجات لوردات المخدرات منذ أمد بعيد باعتبارهن أشبه بشخصيات ملكية مع أظافرهن المتلألئة وخضوعهن لجراحات تجميل لا حصر لها.

الآن، يجري استغلال الزوجات ـ وكذلك الأمهات والبنات ـ من قبل تجار المخدرات من الرجال نظرا لقدرة النساء على المرور بسهولة أكبر عبر نقاط التفتيش العسكرية المنتشرة على امتداد الكثير من الطرق المستخدمة في تهريب المخدرات.

مع تحول المكسيك إلى دولة مستهلكة للمخدرات أيضا، تحولت النساء إلى مدمنات، الأمر الذي يسقطهن إلى أعماق أكبر في العالم السري لتجارة المخدرات.

علاوة على ذلك، أسهمت أسوأ أزمة اقتصادية تمنى بها المكسيك منذ الحرب العالمية الثانية في تعزيز هذه الظاهرة الجديدة، حيث غالبا ما تنظر النسوة الفقيرات إلى الاتجار في المخدرات وتهريبها كعمل «أكثر عزة» عن امتهان الأعمال المنافية للآداب، حسب ما أوضح بيدرو كارديناس، مسؤول الأمن العام في ولاية سينالوا، الذي يتولى الإشراف على السجون.

في الإطار ذاته، أشارت مارغريتا أورياس، رئيسة «معهد سينالوا للمرأة»، إلى أن أعمال العنف المرتبطة بالاتجار في المخدرات التي تفترس النساء في إطار مجتمع ذكوري يمجد القوة على غرار ذلك القائم في سينالوا تحولت إلى مشكلة ملحة في العام الماضي الذي شهد أعمال قتل أكثر من أي عام مضى.

ومن الممكن أن تخلق هذه الظاهرة في نهاية الأمر تهديدا لاستقرار الهياكل الأسرية داخل المكسيك، دولة تعد فيها المرأة، عادة، بمثابة همزة الوصل التي تبقي على تماسك الأسرة.

وعلقت أورياس بقولها: «إن هذا أشبه بسرطان اجتماعي يصيب نسوة لم يسبق لهن التورط في هذا الأمر من قبل».

وأردفت قائلة: «عندما نكون على مثل هذه الدرجة من الضعف، كيف يمكننا تعليم وتربية أطفالنا؟ عندما يغلب علينا الشعور بانعدام الأمان، كيف يمكننا بث القيم في منازلنا؟ كيف يمكننا الحفاظ على حصانتنا؟».

من ناحية أخرى، صبت فيرونيكا فاسكيز اللعنات على زوجها المتورط في تهريب المخدرات.

لم يكن الزوج في البيت عندما داهمته قوات الجيش ليلا. ولم تتح لفيرونيكا فرصة للتخلص من حقائب الكوكايين التي أخفاها في القبو. الآن، تقضي الزوجة عقوبة السجن خمس سنوات في كولياكان، عاصمة سينالوا، بينما لا يزال زوجها طليقا.

وعلقت فيرونيكا (32 عاما)، بقولها: «أدفع ثمن جريمته، لكنني كنت على علم بما يقترف». لم تقتصر خسارة فيرونيكا، وهي أم لطفلين، على حريتها فحسب، وإنما أيضا جميع مظاهر حياة الترف التي تمتعت بها من قبل، بما فيها من مجوهرات وملابس أنيقة ونظارات شمسية رفيعة الطراز، وترف تمتعت به من دون الحاجة إلى العمل الشاق.

وأضافت: «لقد اختفى كل شيء». أما عن زوجها، فقالت: «أصبح في حكم الميت بالنسبة لي».

داخل السجن، قالت فيرونيكا إن الأمر برمته كان من تدبير زوجها، وإنه خدعها واصطحبها معه بحجة قضاء عطلة في بنما. لكنها اعترفت أنها من جانبها لم تطرح عليه كثيرا من الأسئلة.

على صعيد مشابه، اعترفت إليزالدي (49 عاما)، أم لطفلين، بأنه: «الحقيقة أنني لم أرغب في تفحص نشاطاته. كان يوفر لنا حياة رغدة، ولم آبه لمصدر المال».

في المقابل، لا تلوم ميرنا كارتاغينا إلا نفسها، حيث راودتها الرغبة في جني مال وفير بسرعة ومن دون مشقة. مقابل 1000 دولار، كان كل ما عليها فعله وضع قرابة 7 باوند من الكوكايين في حقيبة يدها وركوب حافلة من كولياكان إلى مكسيكالي، مدينة تقع على الحدود مع كاليفورنيا. وقد ألقت قوات الشرطة القبض عليها في منتصف الطريق تقريبا، وصدر ضدها حكم بالسجن 10 سنوات.

وعلقت كارتاغينا (31 عاما)، على التجربة بقولها: «كانت مسألة حاجة وجهل، وفشلت في التفكير في بدائل».

تشير الإحصاءات إلى أن قرابة ربع النزلاء في سجن كولياكان من النساء، رغم أن النسبة على الصعيد الوطني لا تتجاوز 5%. الملاحظ أن التحول الدراماتيكي الأكبر الذي طرأ على هذا الصعيد يكمن في نمط الاتهامات المدان بها النساء، فمنذ عقد مضى، كانت الغالبية العظمى من السجينات مدانة بجرائم السرقة أو أخرى ترتبط بالعاطفة، مثل قتل الزوج أو الحبيب.

اليوم، تبدلت الإحصاءات رأسا على عقب، حيث تقضي غالبية السجينات العقوبة بسبب جرائم على صلة بالاتجار في المخدرات، حسب ما ذكر كارديناس، و80% من يتعرضن للسجن للمرة الأولى من المدمنين أو متعاطي المخدرات.

في إطار المعارك الدموية للهيمنة على تجارة المخدرات، تحطمت بوجه عام الأعراف التقليدية التي سبق وأن سادت بين تجار المخدرات وقامت بالإبقاء على الأسر بعيدا عن التورط في عالم الجريمة. والآن، لم تعد زوجات تجار المخدرات يتمتعن بالحصانة التي كانت لهن في الماضي.

بدت ظروف الحياة جميعها مواتية تماما لماريا جوزيه غونزاليز، حيث نجحت في الفوز بلقب ملكة جمال «مهرجان الشمس» (صن فستيفال). وكانت قد بدأت خطواتها الأولى في عالم الغناء على أمل الوصول على النجومية، علاوة على حصولها على شهادة جامعية في القانون. عثر على جثة الفتاة التي لم يتجاوز عمرها 22 عاما ملقاة على جانب أحد الطرق على الطرف الجنوبي من كولياكان الربيع الماضي، وبجانبها لافتة تحمل عبارة «لا تلق القمامة». وعلى مسافة قريبة منها، عثر على جثة زوجها، عمر أنتونيو أفيلا، تاجر سيارات مستعملة. قتلت ماريا بإطلاق النار على رأسها، بينما كان زوجها معصوب العينين، وكانت يداه مقيدتين خلف ظهره. كانت عينا ماريا مفتوحتين ومحدقتين في اتجاه السماء، وترتدي في قدميها صندلاً ذهبياً.

يذكر أن الطريق الذي عثر على الجثث به يجري استغلاله بصورة مستمرة في التخلص من جثث ضحايا أعمال القتل التي تعاني منها كولياكان بشدة. يتعرج مسار الطريق عبر مناطق ريفية كثيفة الأشجار، ويدور حول السور الخلفي المحيط بتجمع سكني للأثرياء يضم بحيرة صناعية كبيرة. وتشير صلبان خشبية ومقابر ضئيلة الحجم تحدد النقاط التي عثر على جثث بها. وتعرف المنطقة باسم «لا بريمافيرا».

تشتبه السلطات في أن غونزاليز انضم إلى عصابة «سينالوا»، التي ربما حمّل أعضاؤها غونزاليز وزوجته اللوم عن خسارة 9 طن «ماريغوانا» خلال حملة شنتها قوات الجيش قبيل مقتل الزوجين.

من ناحية أخرى، انتهى الحال بزوليما هيرناندز في السجن لإدانتها باتهامات تتعلق بالسطو المسلح. وهناك، التقت بأحد أشهر لوردات المخدرات في المكسيك، «إل تشابو» غوزمان، زعيم عصابة «سينالوا»، الذي كان يقضي فترة عقوبة في السجن حتى تمكن من الهرب عام 2001 من خلال تقديم رشاوى إلى الحراس والتخفي داخل كومة من الملابس كانت في طريقها إلى المغسلة.

أثناء الفترة التي كان الاثنان يقضيان فترة عقوبة في سجن «بونتي غراندي» ذي الإجراءات الأمنية المشددة على أطراف غوادالاجارا، أصبحت هيرناندز، وهي في بداية العشرينات من عمرها، عشيقة غوزمان.

في إطار حديثها مع الكاتب المكسيكي، جوليو شيرير، استعدادا لكتاب يؤلفه حول السجون، قالت هيرناندز: «بعد لقائنا الأول، بعث باقة أزهار إلى زنزانتي».

وأخبرت مراسل آخر عام 2002 أنها أصبحت حبلى في طفل لإل تشابو، لكنها أجهضت بعد تعرضها للضرب على يد الحراس.

بحلول وقت إطلاق سراحها عام 2003، من الواضح أن هيرناندز كانت قد تورطت في تجارة عشيقها. وفي غضون أقل من عام لاحقا ألقي القبض عليها وفي حوزتها 2 طن من الكوكايين.

وساعدها المحامون، الذين وفرهم لها إل تشابو، على التقدم بطلب قضائي مانع يجري استخدامه في المحاكم المكسيكية على نحو خاص لوقف الكثير من المحاكمات. وبالفعل، أطلق سراحها مجددا عام 2006. وسرعان ما أصبحت الوكيل الرئيسي لعصابة «سينالوا» داخل مكسيكو سيتي، حسب ما أفادت السلطات، اضطلعت بمهمة نقل الكوكايين إلى داخل ضواحي المدينة ـ التي تشكل منطقة جديدة نسبيا لنشاط هذه العصابة.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عثر على جثتها داخل صندوق إحدى السيارات خارج مكسيكو سيتي. جاء مصرعها جراء إطلاق النار على رأسها، وحمل صدرها وبطنها علامة الحرف «Z»، العلامة المميزة لعصابة «زيتاس»، العدو اللدود لعصابة «سينالوا». لدى مقتلها، كانت هيرناندز في الخامسة والثلاثين من عمرها.

قبل ذلك بعام، كان غوزمان الهارب من العدالة قد تزوج الزوجة الثالثة له في يوم بلوغها الثامنة عشرة، وهي إيما كورونيل، التي فازت هي الأخرى بمسابقة لملكات الجمال، وكان عمرها يعادل قرابة ثلث عمر زوجها. في فترة ما، وردت تقارير حول ظهورها في المناطق القريبة من كولياكان، وعمدت إلى التردد على مراكز التجميل التي ترتادها زوجات تجار المخدرات والشابات الأخريات التي تحاول محاكاتهن في مظهرهن شديد الأناقة. ومؤخرا، وردت معلومات تفيد باختفائها.

من جهتها، أوضحت السلطات أن امرأة واحدة تتعرض للقتل أسبوعيا في المتوسط داخل سينالوا هذا العام، فيما يعتقد أنه نزاعات بين عصابات الاتجار في المخدرات. الشهر الماضي، اعترضت سيارتان محملتان برجال مسلحين الطريق السريع أمام سيارة تضم سيدتين وأطفالهما وأجبرتهما على النزول وسط دهشة الصغار الفزعين. وفي غضون ساعات قلائل، عثر على جثتيهما ممتلئتين بالأعيرة النارية وأكياس بلاستيكية حول رأسيهما. من المعتقد أن إحداهن زوجة أحد العناصر البارزة في عصابة «سينالوا»، فيكتور إميليو كازاريس.

بيد أنه رغم المخاطر الكبرى، لا يزال عالم المخدرات يجتذب كثيرا من الشابات، خصوصا هنا في سينالوا.

قبل أعياد رأس السنة بيومين، ألقت الشرطة الفيدرالية القبض على ملكة جمال ولاية سينالوا وسبعة رجال آخرين، على خلفية اتهامهم بالاتجار في الكوكايين. وعثر على أسلحة وعشرات الآلاف من الدولارات داخل سيارتهم.

أما لورا زونيغا (23 عاما)، فلم توجه إليها اتهامات قط، وأطلق سراحها بعد 28 يوما مع خضوعها لنمط من الإقامة الجبرية. واعترفت زونيغا، التي أطلقت عليها وسائل الإعلام المكسيكية «ملكة المخدرات»، بأن صديقها شقيق أحد كبار تجار المخدرات، لكنها استطردت بأن صديقها لا صلة له بالمخدرات، رغم جهلها بالعمل الذي يمتهنه لكسب الرزق.

حرمت زونيغا من اللقب الذي فازت به في مسابقة دولية، لكنها لا تزال ملكة جمال الولاية. بالنسبة للكثير من النسوة، ولا يعد التورط في مثل هذه الحياة محط اختيار، حيث يتعرضن لضغوط هائلة من الآباء والأمهات الساعين لجني الثروة والنفوذ، أو أحيانا لا يدركن حقيقة ما يتورطن فيه، حسب ما شرحت أورياس، رئيسة «معهد سينالوا للمرأة». وأضافت أن الهروب نادرا ما يكون خيارا متاحا أمامهن.

الملاحظ أنه لم تنجح سوى نساء قلائل في الفرار من أزواجهن المتورطين في الاتجار في المخدرات، ولجأن إلى ملاذ يفرض سرية شديدة عليهن.

من بين هؤلاء تيريسيتا التي حاولت على امتداد أربع سنوات الفرار من زوجها الذي كان يضربها ويخونها ويقيم حفلات لا حصر لها لأصدقائه المتورطين في تجارة المخدرات. وقد لجأت إلى الشرطة والمحاكم، لكن لم يساعدها أحد. وبعد إحدى المرات التي اعتدى عليها زوجها بدرجة بالغة القسوة، انتقلت إلى الإقامة مع شقيقتها بصحبة أطفالها.

إلا أن زوجها لاحقها وهددها بحرق المنزل. وهدد عددا من الأشقياء ممن يعملون تحت إمرته تيريسيتا وشقيقتها.

ورغم أن معرفة تيريسيتا (28 عاما)، بزوجها ترجع إلى فترة بعيدة عندما كانت في الـ16 من عمرها، ورغم زواج شقيقتها بشقيقه، فإن تعاطي المخدرات والاتجار بها بدلا حاله.

وأخيرا، تولدت لديها قناعة بأن زوجها سيحاول قتلها وخطف الأطفال. ونجحت في الوصول إلى الوكالة التي تدير الملاذ، وظلت هناك مع أطفالها، حيث تحاول تعلم كيفية استخدام الحاسب الآلي ومهارات أخرى تعينها على إعادة بناء حياتها.

إلا أن الضرورة دعت إلى نقل غالبية النساء اللاتي فررن من أزواج يتاجرون في المخدرات إلى خارج الولاية، بل وأحيانا إلى خارج البلاد بأكملها، كي يتمتعن بأمن حقيقي. أما تيريسيتا فأمنيتها بسيطة، وهي «لا أرغب سوى في الذهاب إلى مكان حيث لا أشعر بالخوف من السير في الشوارع».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»