الرجال في الهند يشترون العرائس من المناطق الفقيرة

لمواجهة مشكلة ندرة الفتيات

TT

تفضيل إنجاب الذكور على الإناث في المجتمع الهندي التقليدي، دفع الكثير من العائلات إلى إجهاض الإناث، مما أدى بحكم الطبيعة إلى اختلال في نسبة الذكور إلى الإناث، ونجم عنه بالتالي نقص كبير في عدد الفتيات اللواتي هن في سن الزواج.

ويتجلى انعدام التوازن الحاصل في نسب الإناث إلى الذكور في بعض ولايات الهند الغنية اليوم في الصعوبة الكبرى التي يواجهها الشبان في الحصول على زوجات. وعليه، نظرا إلى مشكلة ندرة الفتيات المناسبات للزواج يلجأ الكثير من الرجال في الهند إلى شراء العرائس من المناطق الفقيرة. وكمثال على ذلك، اضطر تريلوكان سينغ، وهو مزارع من ولاية البنغاب الغنية القريبة من العاصمة نيودلهي في شمال غرب البلاد، إلى السفر مئات الأميال إلى مناطق شرق البلاد الفقيرة «لشراء» زوجة. سينغ واحد من مجموعة كبيرة من أبناء العمومة من «حزام» رامداس الزراعي الواقع في مقاطعة أمريتا. ولقد دفع مبلغ 500 دولار أميركي ثمنا لزوجة من قرية فقيرة في ولاية بيهار، بعدما وجد نفسه بين خيارين كلاهما صعب، فإما البقاء عازبا دون وريث يحمل اسمه، وإما البحث عن عروس قد تأتي من ثقافة مختلفة لكنها قادرة على منحه ما يريد. وفي نهاية المطاف حسم سينغ الأمر لصالح الخيار الثاني قائلا: «ندرة الفتيات في سن الزواج في البنغاب لم تترك لي أي خيار غير شراء عروس».

في الحقيقة، للهند تاريخ طويل من التعصب القاتل ضد الإناث. فقد كانت العائلات تتخلص من بناتها عن طرق التسميم أو الخنق أو إغراقهن أو تجويعهن أو تركهن والتخلي عنهن وتركهن حتى يمتن، لأن الفتيات يشكلن بالنسبة إلى العائلات الفقيرة مشكلة عويصة بسبب المهور التي يضطر آباؤهن إلى دفعها لأهل الزوج، بل إن بعض أفقر الفلاحين يخضعون لضغوط كبيرة لتنظيم حفلات زفاف فخمة ما يدفعهم إلى اقتراض مبالغ كبيرة هي عادة خارج طاقتهم.

وهكذا، في حين نجد أنه في أي ظرف طبيعي يفترض أن تساوي أعداد النساء الرجال أو أن تفوقها قليلا، فإن الأمر معكوس وبفارق كبير في الهند، حيث انعدام التوازن العددي بين الجنسين هو الأعلى في العالم. فالنسبة في الهند تبلغ 927 فتاة لكل 1000 شاب، بينما هي على مستوى العالم 1050 فتاة لكل 1000 شاب. وتشير إحدى الإحصائيات الهندية إلى أن ثمة ما يقرب من 28 مليون رجل لا يستطيعون إيجاد زوجات اليوم. ففي ولاية البنغاب تبلغ النسبة 754 فتاة لكي 1000 شاب، وفي ولاية هاريانا، المجاورة لها، تبلغ النسبة 822 فتاة لكل 1000 شاب.

راضي بشت، الذي يعمل مزارعا في هاريانا، يقول إن الشباب عادة ما يتزوجون في سن الثامنة عشرة إلا أنهم ما عادوا قادرين على إيجاد زوجات قبل بلوغهم منتصف العقد الرابع من العمر، وهنا أيضا يجدون أنفسهم مضطرين إلى شراء الزوجات. وبالفعل، في هاريانا حيث يتجاوز متوسط العمر بالنسبة إلى الفلاحين غير المتزوجين في بعض القرى سن الثلاثين، يعرب البعض عن رغبتهم في بيع أراضيهم للحصول على 60000 الروبية (أي ما يعادل 750 دولارا أميركيا) التي يحتاجونها لـ«استيراد» زوجة من ولايات أفقر مثل بيهار أو كيرالا أو البنغال الغربية أو حتى من بنغلاديش جارة الهند.

يطلق على المرأة التي تأتي من خارج المنطقة لقب «بارو»، أي «الدخيلة». وتقول غيتا، التي جاءت من مدينة حيدر آباد بجنوب الهند، قبل عدة سنوات: «الناس هنا يلقبونني بـ(بارو). وقريبات زوجي لم يحسنَّ معاملتي وأطلقن عليَّ ألقاب كـ(السوداء) و(البدينة) عندما أتيت إلى هنا». ومن ناحية أخرى، سافر بانا سينغ أكثر من ألفي كيلومتر من بلدة كارنال بولاية هاريانا إلى مدينة هوغلي بولاية البنغال الغربية بحثا عن عروس مناسبة، وتزوّج سريجا ابنة الـ18 ربيعا.. واليوم تتقن هذه الزوجة البنغالية اللغة المحلية، لكن الاختلاف الوحيد أنها أكثر سمرة وذات ملامح وجه أكثر اكتنازا.

عالم الاجتماع الهندي بريم تشودري يعلق على هذا الوضع قائلا: «لا تحظى هذه الزوجات في الغالب بأي نوع من احتفالات الزواج اللائقة أو توثيق الزواج في سجلات المحكمة، ومن ثم لا يحظين بوضع قانوني سليم. ولقد التقيت الكثير من النساء منهن، لا يحصلن على طعام أو ملبس جيد، بل يجدن أنفسهن عرضة للاستغلال الجنسي من قِبل إخوة أزواجهن وأصدقائهم. وإضافة إلى هذا كله فإن المجتمع قد يقبل أو لا يقبل بالأبناء الذي يكونون ثمرة هذا الزواج».

في هاريانا لا يزال شراء عروسة من خارج الولاية أرخص وأسهل من تربية البنات. غير أن تلك الزيجات قد تنتهي بنتائج سيئة للغاية. فموينا ماجهي (16 سنة)، وهي من البنغال الغربية، تروي إنها أُجبرت على الزواج بأشوك، وهو رجل أرمل من هاريانا، وأن أقارب زوجها يسيئون معاملتها وأن زوجها دأب على اغتصابها. وبعد شهرين من الزواج القسري حاولت موينا الهرب من واقعها البائس مرتين غير أن المحاولتين باءتا بالفشل. ولكن مأساة موينا انتهت عندما أنقذتها مؤسسة براياس غير الحكومية، ومقرها في العاصمة دلهي. وهي تخضع حاليا لجلسات إعادة تأهيل خاصة للتغلب على الآثار النفسية للاغتصاب الذي تعرضت له.

في هذه الأثناء يقول أحد خبراء شؤون السكان إن الانخفاض النسبي لأعداد النساء في البنغاب وهاريانا لا يعني أن أهميتهن أو قيمتهن قد ازدادت، بل على العكس من ذلك، فعادة ما تتعرض الزوجات للعنف المنزلي والتعديات، وعادة ما يُحبسن داخل منازلهن للطهي ورعاية شؤون المنزل، والأهم من كل ما سبق... إنجاب الذكور. ولمواجهة مشكلة إيجاد العروس المناسبة يلجأ الكثير من العائلات اليوم إلى العرف القديم القائم على «المقايضة» التزويجية، أي أن تتزوج فتاة برجل مقابل تزويج أخت زوجها بأخيها. وفي إحدى الحالات زُوّجت أربع فتيات من أسرة واحدة بأربعة إخوة مقابل تزويج أختهم لأخي العرائس الأربع، وفي حالة أخرى زُوّجت برجل يبلغ من العمر 35 سنة لتسهيل زواج أختها التوأم.

عودة إلى مسألة إجهاض الأجنة الإناث، فلقد أقرت الدولة الهندية «قانون علاج تشخيص ما قبل الولادة» الذي يجرّم إجهاض الإناث منذ أكثر من عقد، ولكن حتى تاريخه لم يُدَن سوى رجلين بجريمة الإجهاض الانتقائي. وحسب السلطات فإن المشكلة تقع في الجذور التراثية والتقليدية. وتقول رينوكا تشودري وزيرة تنمية المرأة والطفل إن «أهمية الموضوع لم ما زالت بعيدة عن فهم الوكالات المتعددة الموكلة بتنفيذه، فهي تتجاهله، والبعض منها يظن أنه يسدي إلى الرجال خدمة وجميلا». هذا، وعلى الرغم من التحسن الطفيف الذي طرأ على الوضع مع مباشرة الدولة تطبيق سياسة «العصا والجزرة» عبر تقديم حوافز لمن ينجبون إناثا والتشدد في معاقبة من يُقدِمون على إجهاضهن، فمن غير المتوقع أن يكون لذلك تأثير على سن الزواج لبعض الوقت.