سعودي يؤرشف «الشرق الأوسط» 14 عاما

بدأ مطلع التسعينات واستمر حتى 2004

الحاقان يستعرض أحد المجلدات
TT

دلف محمد الحاقان، المعلم المتقاعد الذي عمل في هذه المهنة 30 عاما ونيف، إلى مخزنه الواقع في ركن بيته، وبطريقة فنية، سحب من إحدى الرفوف التي اصطفت فوقها مجلدات وصحف، قائلا «هذا كنز ثمين، وأحداث سكبت على هيئة صحف، توثق حدثا دار، وتطلعك على الأسرار، وكأنك تعيش حقبة من الزمن تقرأ تاريخها بشكل مختلف».

ويحتفظ الحاقان، بأرشيف خاص بجريدة «الشرق الأوسط» منذ مطلع عام 1990، «ولمدة أربعة عشر عاما من الأرشفة والتجليد والاهتمام، قضى الإنترنت على أهمية الاحتفاظ بها، حيث أصبح من السهل الحصول على أعداد الصحف عبر الشبكة العنكبوتية».

وعند الدخول إلى محافظة الطائف بعد أن تقطع المسافة من منطقة الهدا السياحية باتجاه وسط المحافظة، استقبل محمد الحاقان «الشرق الأوسط» في منزله القابع في حي الخالدية، وتحدث عن الأرشيف الذي يملكه على رفوف الماضي، داخل مستودع، بشكل أشبه ما يكون بشيخ يحمل بين يديه تاريخا من صحف، كلوحات لم تنتهك عذريتها يد من قبل.

وسرد الحاقان قصة الأرشفة قائلا «قبل عام 1990 كنت أقرأ «الشرق الأوسط» من الغلاف إلى الغلاف دون أن أجمعها، وبدأت مطلع 1990 بعملية جمع الأعداد وأرشفتها بعد ذلك».

وزاد «كان يصلني عددان يوميا من الصحيفة، الأول للقراءة وأصطحبه معي حتى عند خروجي من المنزل، والثاني للأرشفة فقط، وكنت أستمتع بأرشفة الجريدة». واعتدل في جلسته قائلا «حتى حطم الإنترنت الجسور والمسافات، ومتعة الاحتفاظ بالجريدة، كما قلل أيضا من أهمية الاحتفاظ بها».

واصفا عملية الأرشفة بأنها «ليست بالسهلة إطلاقا، إذا ما راعيت أنك مسافر يوما ما، أو في أيام الأعياد عندما يتأخر وصول الموزع بعض الأحيان، ناهيك عن أيام الأمطار حينما يغلق طريق الهدا الذي تعبره سيارة شركة التوزيع القادمة من مدينة جدة، والتي تحمل على متنها عدد الجريدة اليومي».

وأصر الحاقان على وصف «الشرق الأوسط» (الأكثر تأثيرا) «مذاك، لم يكن في السابق ما يضيف إلينا، ويملأ شغف الرغبة في التحقق والتوثيق، فضلا عن المتعة، كجريدة «الشرق الأوسط».

وقال «في نفس الوقت كانت «الشرق الأوسط» ـ وما زالت ـ تقدم العديد من المذكرات والتقارير الخاصة لزعماء وقادة العالم، الذين يمثلون ثقلا في أرجاء المعمورة، أخبرت نفسي حينها بأن عملية الأرشفة، لا بد أن تتطور وتحفظ بشكل يعطيها رونقا أكثر حيوية، ويبقيها بحالتها الجديدة، خاصة عندما يقرؤها أولادي وأحفادي».

وحول الأسباب التي دفعته لجمع هذا الأرشيف قال الحاقان «أولها مواضيع «الشرق الأوسط» والمعلومات القيمة التي تحويها، وأيضا عندما تقرأ «الشرق الأوسط» تجد كما هائلا من الأخبار والتقارير والمقالات والقصص المحلية والعربية والعالمية، حيث كانت تنير لنا ظلام الخارج غير المعروف لدى الكثير منا في ذلك الوقت، ولا تنسى بأن معرفة العالم الخارجي حينها كانت عبارة عن زيارات وحكاوي الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج، كما كانت «الشرق الأوسط» سباقة إلى الأخبار المهمة ومنفردة بها في أكثر الأحيان، نظرا لامتلاكها تقنية وسرعة في نقل الخبر الذي يقدم طازجا للقارئ، لا تقارن بها أي وسيلة إعلامية حينها».

وأضاف «مثل هذه الثروة المعلوماتية، لا يجب عليك كمثقف ومطلع أن تفرط فيها؛ (هكذا أخبرتني نفسي) وقطعت عهدا على عدم الاستغناء عن عدد واحد مهما كانت الأسباب».

وزاد «عانيت كثيرا جراء عملية الجمع والأرشفة، أتذكر أنني أول أيام الأعياد أهم بالبحث عن الموزع باكرا، حتى لا يفوتني عدد اليوم الأول من العيد بسبب كثرة إقبال الناس على الجريدة أو الازدحام وغيره، وقد كنت معروفا عند الشباب القائمين بأعمال شركة التوزيع». وأضاف مازحا «لقد اعتادوا وجودي ويتوقعونه خصوصا أيام المناسبات والأعياد». مؤكدا أن أسرته منذ أن كان صغيرا كانت مهتمة بالقراءة وخاصة الصحف، «حيث كان والدي يعمل في أبها، وكان يحافظ على قراءة الصحف المصرية التي لا تكاد تخلو من المنزل يوميا، كما تعودنا على تناول الوجبة الإخبارية كل يوم في وقت لم تكن فيه أي صحيفة سعودية».

ولمدة 14 سنة متتالية «ما نقص منها عدد واحد»، جمع محمد الحاقان الصحيفة، شارحا سبب توقفه «بعد ذلك تغيرت الظروف التقنية، واكتشفت أن المحتوى ممكن إيجاده على قرص، أو من خلال موقع الجريدة على الإنترنت، مضيفا «مع أن الأعداد كانت تنتقل معي من منزل إلى آخر، كما قمت بتجليد أعداد سنتين. على أربعة وعشرين مجلدا. كل مجلد عبارة عن أعداد شهر ميلادي كامل، إلا أنني وبعد تشديد ابني على إمكانية الحصول على ما أريد من موقع الصحيفة، قررت التوقف عن الأرشفة».

وأكمل «الظريف أن سعر تجليد المجلد الكامل لأعداد الصحيفة لمدة شهر، يبلغ 3 أضعاف سعر الجرائد الخاصة بالشهر كاملة، حيث كان المبلغ 200 ريال، والأعداد 60 ريالا بواقع ريالان لكل عدد، وعندما أذهب إلى العامل الذي يغلف المجلد، أحرص كثيرا على إنجاز التغليق في أسرع وقت، وأضطر أحيانا إلى الوقوف معه لساعات حتى ينتهي». معللا «لأنه لو راح شيء منها لن يرد، فأنا لست بكاتبه، ولا أستطيع الرجوع إلى مسودة ولا طبعة غير منقحة». مشددا على أن هذا «تاريخ متحرك، وشواهد على عصر طوال عقد ونصف متواصل».

واستطرد «لا أريد أن أنسى أن جريدة «الشرق الأوسط» تعتبر بوابة الزعماء في العالم، ممن كانوا يريدون نشر آرائهم على العالم العربي. كما كانت «الشرق الأوسط» أيام حرب الخليج تعتبر جبهة كاملة، وقد أصدرت في ذلك الوقت صحيفة الظهيرة، حتى تكثف التغطية الإعلامية، والوجود في الحدث، وكانت تعادل في تغطيتها وكالات الأنباء العالمية، والقنوات التلفزيونية الرسمية».

وختم الحاقان حديثه مع «الشرق الأوسط» قائلا «تعلمت من «الشرق الأوسط» معنى الحرية، وأن نختلف في الرأي دون أن يفسد اختلافنا للود قضية، لأن الجريدة استطاعت استقطاب أفضل الكتاب في العالم العربي، ولعل أبرزهم من غيبهم الموت كمصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، وغيرهم ممن لا يحضرني ذكرهم حاليا، حتى لا أهضم حق من لم أذكره»، وإلى الآن وأنا من عشاقها، أما الأرشفة، فقد تكفل بها من هو أبرع مني ومن غيري وهو (الإنترنت)».