«واشنطن تايمز» تقلص العمالة لديها وتتحول إلى التوزيع المجاني

بسبب ظروف اقتصادية شديدة

TT

توشك «واشنطن تايمز»، التي نجحت في التحول إلى صرح صحافي قوي داخل مدينة مولعة بالقضايا السياسية كبديل محافظ للكثير من وسائل الإعلام الأخرى، التي تشكل التيار الإعلامي الرئيسي في البلاد، على اتخاذ إجراءات تقليص بالغة في حجمها ستجعل منها صحيفة أصغر حجما بكثير. على مدار قرابة ثلاثة عقود على تأسيسها على يد مسؤولين من «كنيسة التوحيد»، أعلنت «واشنطن تايمز»، الأربعاء، أنها على وشك تسريح 40 في المائة على الأقل من عامليها والتحول بصورة أساسية إلى التوزيع المجاني. في إطار ما يعد بمثابة محاولة لضمان البقاء، قالت الشركة إن النسخة المطبوعة من صحيفتها ستركز على نقاط قوتها: قضايا السياسة والأمن القومي والتحقيقات الصحافية و«التغطية الصحافية المعتمدة على قيم تقليدية»، مما يعني أن «واشنطن تايمز» ستنهي عملها كصحيفة توفر الخدمات كافة، وستقلص من تغطيتها للأنباء المحلية والرياضية والموضوعات الإنسانية. وتنبع هذه الخطوة الدراماتيكية من عوامل سياسية داخلية وظروف اقتصادية شديدة الصعوبة، أجبرت الكثير من الصحف الصادرة بمدن كبرى على إغلاق أبوابها أو إشهار إفلاسها. وتشكل هذه الخطوة من قبل «واشنطن تايمز» بمثابة رهان كبير على المستقبل الرقمي للصحافة، مع محاولة الصحيفة اجتذاب جمهور وطني، مع الإبقاء على وجود محدود فيما يخص النسخة المطبوعة داخل واشنطن. في هذا الإطار، علق رئيس الشركة الجديد، جوناثان سليفين، بقوله إن إجراءات التقليص «مؤسفة للغاية»، وذلك في إطار مقابلة أجريت معه. إلا أنه أضاف موضحا أنه في الوقت ذاته «أرى فرصة رائعة للغاية أمام «واشنطن تايمز» كي تستمر في تطوير مهمة الصحف كصوت مستقل داخل عاصمة البلاد». جدير بالذكر أن رئيس الكنيسة، المبجل صن ميونغ مون، تركز اهتمامه بصورة رئيسة على النفوذ، بالنظر إلى خسارة الصحيفة ما يقدر بملياري دولار منذ إطلاقها عام 1982. من خلال اجتذاب أسماء محافظة بارزة، مثل توني سنو وتوني بلانكلي ـ وتوافر مراسلين تنافسوا في بعض الأحيان بنشاط بالغ ـ نجحت «واشنطن تايمز» في بناء اسم لامع لها على الصعيد الوطني. إلا أن الحلم تقلص الآن. بداية من مطلع العام القادم، سيجري توزيع الصحيفة مجانا «داخل مناطق منتقاة»، حسبما أعلنت الشركة، خاصة داخل مباني حكومية فيدرالية وعدد من المؤسسات الحيوية الأخرى. كما تتحرك الصحيفة بعيدا عن التركيز على مبيعاتها من خلال أكشاك بيع الصحف ـ وتقرر توزيع الصحف على نقاط أقل ـ علاوة على تثبيط الاشتراكات من خلال فرض «رسوم إضافية». من جهته، وصف سليفين هذه الإجراءات بأنها «استراتيجية جيدة» بالنسبة لـ«صحيفة تتمتع بنفوذ قوي داخل واشنطن العاصمة. ورغم ذلك، لم يشكل جمهور نسختها المطبوعة قوة اقتصادية محركة كبرى قط داخل العاصمة». جدير بالذكر أن معدل التوزيع اليومي للصحيفة دار مؤخرا حول مستوى 85.000 نسخة، مقارنة بـ583.000 بالنسبة لـ«واشنطن بوست». من ناحية أخرى، تلقى العاملون خطابا حول عمليات التسريح المقررة، حسبما ينص القانون الفيدرالي، لكن سليفين، من جهته، لم يستبعد تسريح نسبة من العاملين تتجاوز 40 في المائة. وتنوي الصحيفة تعزيز صفحاتها الافتتاحية المحافظة عبر توسيع نطاق موقعها الإلكتروني الذي أطلقته مؤخرا، TheConservatives.com، والاستمرار في بيع برامجها الإذاعية ذات التوجهات المحافظة، التي يجري بثها في 70 سوقا. إلا أن الصفحات المعنية بالآراء جابهت فوضى عارمة في أعقاب طرد محرر الصفحة الافتتاحية ريتش مينيتر، الذي أقام دعوى قضائية ضد «واشنطن تايمز» وتقدم بشكوى اشتكى فيها من تعرضه للتمييز ضده. في ظل رئيسي التحرير السابقين بها، أرنود دي بورشغريف، وويزلي برودين، انتهجت «واشنطن تايمز» نهجا يميل إلى تيار اليمين، مع اضطلاع برودين بكتابة عمود يعكس آراء محافظة خلال فترة إدارته للصحيفة منذ عام 1992 حتى العام الماضي. عندما تولى جون سولومون، المراسل السابق لدى «واشنطن بوست»، مسؤولية إدارة صالة التحرير هذا العام، ركز انتباهه على نحو بالغ على الإنصاف، وحظر ممارسات مثل وضع عبارة «زواج المثليين» بين علامتي تنصيص.

وقد تهيأ الكثير من العاملين في الصحيفة البالغ إجمالي تعدادهم 370 فردا لتلقي أنباء سيئة في أعقاب إقدام الصحيفة على فصل ثلاثة من كبار المسؤولين التنفيذيين واستقالة سولومون الشهر الماضي. ورغم ذلك، فقد أصيبوا بالدهشة من عمق إجراءات التقليص المقترحة. من جانبه، قال سليفين، الذي أوكلت إليه مهمة القيام بأعمال الرئيس والناشر في خضم الإجراءات الراديكالية الرامية لإعادة تنظيم الصحيفة التي جرى اتخاذها، إنه لا يعلم أسباب استقالة سولومون، واصفا الأمر بـ«المفاجأة» التي ظهرت قبل اتخاذ قرار إجراءات التقليص الراهنة. وأضاف أنه لا يجري البحث عن خليفة لسولومون، وأن وظيفته ربما لا توكل إلى أحد في خضم جهود إعادة التنظيم.

من ناحيتها، بعثت «كنيسة التوحيد»، التي تعاني من مصاعب مالية هي الأخرى، بإخطار إلى الصحيفة يفيد بأن إعاناتها المالية لها سيتم تخفيضها. وفي إطار شهادة خطية أصدرتها مؤخرا، قال مينيتر، إن الكنيسة توفر 40 مليون دولار من إجمالي الميزانية السنوية للصحيفة البالغة 70 مليون دولار.

وقال سليفين: «التخلي عن إصدار صحيفة مطبوعة في واشنطن العاصمة أمر لم نفكر فيه قط، إلا إذا أصبح ضروريا تماما». وتعكس خطة التوزيع المجاني في معظمه تجربة «واشنطن إغزامينر»، التي تملك أيضا صفحات رأي ذات توجهات محافظة، و«بوليتيكو»، التي تنشر نسخة مطبوعة عندما يكون الكونغرس في دور انعقاد، لكنها تستقي نفوذها الوطني من موقعها على الشبكة. وتنوي «واشنطن تايمز» العمل بصورة وثيقة مع «يونايتد برس إنترناشونال»، الشركة الشقيقة لها. لم يؤكد سليفين على ما إذا كان سيجري التخلص من الأقسام الخاصة بأخبار الرياضة وأنباء المترو، موضحا أنه لم يتم اتخاذ قرارات نهائية في هذا الشأن. لكنه أشار إلى أنه مع سعي الصحيفة لاجتذاب جمهور وطني، سيقل اهتمامها بطبيعة الحال بتغطية الأنباء المحلية داخل واشنطن. وفي سؤال له حول ما إذا كانت الصحيفة تنوي تركيز التغطية الثقافية على القيم التقليدية، قال سليفين، إن هذا يعني أن «الحرية والإيمان والأسرة» بجانب الدين يشكلون أهمية خاصة لقرائنا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»