حلب مدينة المحاشي والكبب.. في رسالة دكتوراه فرنسية لصالح الوجبات السريعة

صوفي آن سوفيغران تبحث مع شباب حلب عاداتهم الغذائية الجديدة وابتعادهم عن تقاليد مطبخهم الشهير

صوفي سوفغران في محاضرتها بجامعة حلب («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من شهرة مدينة حلب عاصمة الشمال السوري والمركز الاقتصادي الأول في سورية بالكثير من المعالم التاريخية والأثرية والسياحية والاجتماعية، ومنها قلعتها الفريدة التي دخلت موسوعة غينيس كأكبر قلعة تاريخية ما زالت قائمة حتى الآن، وكذلك أسواقها القديمة التي دخلت الموسوعة نفسها كأطول أسواق قديمة، فإن أبناء حلب المعاصرين أضافوا لشهرة مدينتهم من خلال الطعام والمأكولات حتى غدا المطبخ الحلبي من أشهر مطابخ العالم. وصارت تلقب حلب بـ«أم المحاشي والكبب» وتمكن أحد أبنائها من الطهاة وأصحاب المطاعم الحلبية وهو إبراهيم زمار من دخول موسوعة غينيس قبل عام من خلال تحضيره لأكبر سيخ كباب وصل طوله إلى 12 متراً وكذلك لتحضيره أكبر قرص كبة وأكبر صحن فتوش. ويبدو أن شهرة المطبخ الحلبي جذبت إليها الفرنسيين حيث قامت مؤخراً الفرنسية صوفي آن سوفغران بتحضير رسالة دكتوراه عن المطبخ الحلبي ومدى التزام جيل حلب المعاصر من شباب وشابات بمأكولات حلب التقليدية وتمكنت بعد أربع سنوات قضت منها ثلاثا في مدينة حلب من الحصول على شهادة الدكتوراه من خلال جامعتي حلب وحوض المتوسط الفرنسية في مدينة مرسيليا وبدعم من الوكالة الجامعية للفرانكفونية.

وجاءت رسالتها تحت عنوان «شباب مدينة حلب على أبواب أفق غذائي جديد: الممارسات الاجتماعية والتعبير الجسدي» حيث دافعت عن رسالتها في مرسيليا ونالت عليها علامة شرف رفيعة مع تهنئة من لجنة التحكيم. وكان جمهور مدينة حلب على موعد مع الدكتورة الفرنسية سوفغران حيث ألقت محاضرة في حرم جامعة حلب عن حكاية رحلتها مع المطبخ الحلبي والجيل الشاب وموضوع شهادة الدكتوراه وقالت سوفغران: ممارسات الغذاء هي تلك التي تساهم في معظم الوقت لتشكيل العلاقات الاجتماعية والتي تتأثر بدورها بحسب المكان. لذلك تكرست دراستي على عادات الأكل كمرآة للنظم الاجتماعية والزمانية وتجسدت من خلال لقاءات أجريتها مع الشباب في مدينة حلب. هذه الدراسة مبنية على المفهوم الأساسي للمجتمعات في الشرق الوسط والأدنى: الفصل بين الداخل والخارج. «اعتمدت في دراستي على توضيح التغيرات التي تحدث في المكان وصلتها على صعيدي الجسم والفرد، وأميز هنا الحيز بين مجتمع الأسرة أو ما أسميه الداخل، وبين الحيز العام كالأماكن العامة والمطاعم الخارج. وفقا لهذين القطبين الأساسيين، سعيت إلى معرفة ما إذا كان انتقال الشباب من الداخل إلى الخارج يميل تدريجيا إلى التزايد في القسم المخصص للشباب وممارساتهم الغذائية الجديدة، وحاولت أولا تحديد مفهوم الشباب وذلك من خلال وصف حياتهم اليومية ونشاطاتهم وأسرهم وعلاقاتهم الاجتماعية». وأجرت الباحثة كذلك دراسة على فئة اجتماعية من الشباب من «المجتمع المخملي» في مدينة حلب. «وقد تشجعت لإكمال مسيرتي على هذا الاتجاه انطلاقا من المبدأ الذي أحدثه علم الاجتماع الحديث على أن التغيير يبدأ من فئة صغيرة ويستمر ليبلغ فئات يمثل الشباب عنصر التغيير الاجتماعي، والجهة الفاعلة والشهود على بطء التحول الاجتماعي، ابتداء من أحلامهم الصغيرة في كنف الأسرة وصولا إلى تطلعاتهم في إحداث تغيير لأنفسهم، متأرجحين ما بين القديم وما يشمله من عادات وبين الحديث وما يقدّم لهم من مظاهر وقشور. وفي النهاية أتممت بحثي في دراسة الحالة الاجتماعية للشباب من جهة، وأجسامهم من جهة أخرى. حيث نطرح في النثروبولوجية علاقة الجسم بالآخرين وعلاقة الجسم بالفرد نفسه. فقد تبين من خلال مجموعة من اللقاءات الجارية مع الشباب في المنازل وفي الأماكن العامة أن تناول الوجبات بعيدا عن الأسرة في الوسط الخارجي يدل على تجزئة الشخص عن نفسه أما تناول الوجبات مع الأسرة المجتمع الصغير يدل على استقرار الشخص مع ذاته وبالتالي انفتاحه إلى آفاق أخرى.