«وراء الأبواب».. معرض يروي عذابات نساء

عبره أطلقت 10 نساء صرختهن ليكشفن عن معاناتهن مع العنف

خديجة بجانب قصة حياتها («الشرق الأوسط»)
TT

معرض «خلف الأبواب» الذي تستضيفه القاعة الزجاجية لوزارة السياحة في بيروت لا يشبه أي معرض آخر. فيه تتبعثر حيوات عشر نساء لبنانيات في صور «مظلمة» تجسد قوالب مشهدية لآلام جسدية ونفسية. وعبره شرّعت الأبواب الموصدة، وأطلقت النساء المعنفات صرختهن ليكشفن عن معاناتهن مع العنف في صور تلخص عذاباتهن، وتؤرخ مراحل مؤلمة كانت كفيلة برسم خريطة حياة أجبرن على عيشها.

لكل امرأة قصتها التي تختلف عن زميلتها في التعنيف الزوجي والأسري. جمعتهن المصيبة فتوحدن في قرار المواجهة والإفصاح عما يعتري نفوسهن وحيواتهن من مصائب مصدرها من يفترض أن يكون شريكا في حلو الدنيا ومرها، فكان هو مصدر المرارة والألم.

ها هي دلال تحكي قصتها التي وضعت لها عنوان «وما زلت أنتظر»، من خلال صور التقطتها بعدسة الكاميرا الخاصة بها، لتكون شاهدا على معاناتها، بعدما ترسخت في ذاكرتها، وكبلت حياتها، وشردت عائلتها المؤلفة من ثلاث فتيات وشاب، ورغم ذلك لم تستسلم، ولا تزال تناضل لجمع شملها بعد فراق سنوات. اختارت دلال أن تعكس صورها حياة الوحدة التي تعيشها بعدما خطف زوجها بناتها ومنعها من رؤيتهن. أيام ولحظات طويلة تعيشها وحيدة بين جدران البيت، وفي ظل أشجار الحديقة تنتظر وتصلي طالبة من الله أن يجمعها بفلذات أكبادها. تروي قصتها بغصة ودموع «بعد زواجي منه بدأت فصول التعنيف، إلى أن وصل به الأمر إلى بيع إحدى بناته بـ600 دولار، وأبقى الثانية ملكا له. في البداية لم أخبر أهلي، ولكن عندما علموا بالأمر، فارقت أمي الحياة من شدة الصدمة، فيما رفض هو أن يطلقني، لأنّه يملك المال ويرشي المسؤولين، أما أنا فلا أملك شيئا. وها هي معاملات الطلاق تراوح مكانها في أدراج المحاكم منذ 15 سنة من دون أي نتيجة. ولا يزال التعنيف مستمرا، إذ وصل به وبعائلته الأمر أنهم عمدوا إلى إيذاء ابني (20 عاما) الذي يعيش معي بمجرد أنني حكيت قصتي في أحد البرامج التلفزيونية».

واختارت خديجة عبارة «قصتي من وراء بابي» لتختصر حياتها الزوجية التي عاشتها مع أولادها تحت قبضة آلات العنف التي خصصت لكل منها صورة على اختلاف أنواعها. من الحزام والسكين، إلى الفأس والعصا والحبل وغيرها من الأدوات التي أطلق زوجها على فعاليتها أسماء تناسبها.. وبالطبع النتيجة واحدة.

وبجانب حكاية خديجة، تجتمع صور إحداهن لتعكس لحظات الانتظار التي تعيشها، فتختصرها بـ«متأهبة للهروب من المنزل». وهنا لا يختلف ليل هذه المرأة المعنفة عن نهارها، فهي متأهبة طوال الوقت، مرتدية ثيابها، جاهزة للهروب متى سنحت الفرصة، متأبطة أغراضها حتى وهي غافية على الكنبة حيث تنام. والسبب طبعا حياة الجحيم التي تعيشها في «القفص الزوجي»، حيث حبست بين جدرانه إلى حين يقرر زوجها الإفراج عنها، وهو الذي وعدها «عندما تبلغ ابنتي 6 سنوات سأطلق سراحك لكن سأحرمك منها إلى الأبد».

أفصحت ألماظة عن اسمها من دون خوف، وخاطبت المجتمع بالقول «فلنكسر جدار الصمت ونطالب الدولة بوضع قانون حماية الأسرة ضد الأشرار. لا للصمت بعد اليوم، ولنعلنها ثورة الأمهات». استولى موسى على ممتلكاتها بعدما دفعت كل ما تملك لبناء منزل ومطعم تعيش منه، وها هو يتركها وحيدة مع ولديها تناضل لتأمين لقمة العيش.

«ومن الحب ما قتل». أحبته وقررت الارتباط به على أمل أن تتخلص من حياة العذاب التي تعيشها في أسرتها، فإذا بها تجد نفسها أمام حبس من نوع آخر. فاختارت أن تكشف عن عذاباتها من خلال لقطات لأجساد امرأة معنفة في وضعيات مختلفة تصب كلها في خانة التعذيب. في الجهة المقابلة، تحولت ليلة الزفاف إلى مأتم في «فستان عرسي كفني» كما اختارت إحداهن التعبير عن قصتها. فها هو الفستان الأبيض يبدو متطايرا حينا بين أغصان الزيتون ومعلقا حينا آخر على عتبة المنزل ليعبر عن التشتت والعذاب والعنف الذي بدأت تعيشه العروس منذ الليلة الأولى لزفافها. وتقول معبرة عن حياتها «هذا الفستان الذي تحلم به كل فتاة تحول إلى كفني منذ أن ارتديته، إذ كانت الليلة الأولى اغتصابا لروحي وجسدي على حد سواء». أحبته، وحاربت أهلها، وغيرت دينها لأجل أن تعيش حياة سعيدة معه، وإذا به يتركها «لا معلقة ولا مطلقة». صار الضرب والتعنيف الوحشي قوتها اليومي. ثم تركها وأخذ معه أولادها وتزوج بغيرها رافضا إعطاءها حريتها، فاختارت أن تلقي الضوء على قصتها في صور لمذكرات وكتابات اعتادت اللجوء إليها لتفرغ ما في نفسها من عذاب وألم، مخاطبة الله طالبة منه الرحمة.

هي قصص مصورة تمثل نموذجا لمئات النساء المعنفات في لبنان والعالم. نساء اخترن اللجوء إلى جمعية «كفى عنفا واستغلالا» اللبنانية التي نظمت هذا النشاط ضمن حملة الـ16 يوما لمناهضة العنف، بالتعاون مع السفارة الإيطالية في بيروت ومكتب التعاون الإيطالي الذي مول المشروع، في محاولة لتحقيق النهوض بالحقوق الإنسانية للمرأة والطفل. فتمّ تزويد النساء اللواتي ينتمين إلى مستويات اجتماعية وطوائف مختلفة بكاميرات بعدما تم تدريبهن على استخدامها، وأعطيت لهن حرية التعبير عن عذاباتهنّ من خلال الفكرة التي يختارونها، وكانت النتيجة صرخة مدوّية في وجه الظلم؟