تاجرات أفغانيات يكسرن الحواجز في الهند

تعمل غالبيتهن في الصناعات اليدوية

تشكل النساء 40 في المائة تقريبا من التجار داخل أفغانستان (أ.ب)
TT

تأتي عائشة صديقي كأحد أصدق الأمثلة على تحرر المرأة الأفغانية من ويلات الحرب، فكانت واحدة من بين النساء الأفغانيات اللاتي شاركن بمنتجاتهن في معرض التجارة الدولية بالهند.

تعمل عائشة، التي عادت إلى أفغانستان من إيران بعد سقوط حكم طالبان في عام 2001، رئيسة لمركز الصناعات اليدوية الأفغاني. وتقول إن 1.000 امرأة يعملن في شركتها من المنزل، تعمل غالبيتهن في أعمال الحياكة والصناعات اليدوية مثل الحلي التي تزين بها الأبواب على الرغم من توظيف الشركة للرجال أيضا.

وقالت عائشة «أنا أعمل في شركة الصناعات اليدوية التي أنشأتها والدتي، وتلك هي الزيارة الخامسة لي إلى الهند. وقد صارت لدي خبرة بما يرغب فيه أبناء نيودلهي من الصناعات اليدوية وهو ما أجلبه معي كل عام».

وقد وصلت عائشة إلى قمة النجاح في بلد ظلت فيه النساء فترة طويلة من الزمن أسيرات المنزل أو الحجاب، حيث اختارت عائشة العمل في مجال الصناعات اليدوية والملابس منذ ما يزيد على 20 عاما. إضافة إلى ذلك فهي تستعد للمشاركة مرة أخرى في معرض سرواج كوند كرافتس ميلا في الهند في فبراير (شباط) من العام القادم.

وتقول عائشة: «إنني أبيع منتجاتي في ألمانيا وهنا والصين ولدي معرض قادم في موسكو». وتقول مشيرة إلى التشابه بين البلدين إن التعامل مع الهنود سهل.

كانت النساء في أفغانستان قد تعرضن لضيم شديد، فلم يزد صعود طالبان إلى السلطة إلا في معاناتهن. بيد أن ظهور النساء التاجرات في معرض الهند الدولي للتجارة يشير إلى تبدل هذا الموقف.

وقد جذبت التاجرات الأفغانيات اللاتي شاركن في المعرض للمرة الأولى عام 2009 انتباه الزوار بمهارتهن في التعامل مع المشغولات اليدوية والأشكال الفنية إلى أحدث الحقائب الجلدية. وتشكل هؤلاء النساء صفوة الثقافة الأفغانية. ونتيجة للعرض الرائع حصل الجناح الأفغاني في المعرض على الميدالية الذهبية بين المشاركين الأجانب هذا العام.

ربما يحلو للبعض أن يطلق عليهن سيدات أفغانيات خارقات. فمن بين 40 تاجرا حضروا إلى المعرض هذا العام كانت هناك ثماني سيدات، ويقول المسؤولون الأفغان إن العدد قد لا يكون ضخما، لكنه أفضل من ذي قبل. وقد أتت النساء الأفغانيات بصناعات يدوية مثل الثياب المطرزة والحقائب والحلي التي صنعتها مجموعة من النساء الراغبات في التمتع بمستوى معيشي أفضل في بلدهن.

وتقول عزيزة محمد، البالغة من العمر خمسين عاما، ومدير شركة «موسكا بول» للصناعات الجلدية «أقمت عملي في تصنيع الحقائب الجلدية وكرات القدم في عام 2004. وكل منتجات الشركة تقوم بها سيدات من الأرامل المعوزات في كابل. حيث يحصلن المواد الخام منا ثم يصنعنها في المنزل، وهو ما يساعدهن على الاستقلال الاقتصادي». وتضيف عزيزة أنه برغم عدم السماح للفتيات بالدراسة واضطرار الطبيبات والمدرسات البقاء في منازلهن خلال حكم طالبان فإن الكثير من النساء خرجن الآن إلى سوق العمل خاصة في مدينة مثل كابل وهيرات ومزار الشريف.

وبدعم من وكالات مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وهيئة دعم الاستثمار الأفغاني، تخطو هؤلاء النساء بتؤدة على طريق عقد شراكات داخل وخارج أفغانستان.

أما نادية يوسفزاي، خريجة الجامعة الأميركية والقادمة من كابل، فتمتلك شركة تدعى «سانا» للمصنوعات اليدوية والتطريز، والتي سمتها على اسم ابنتها، فتقول «تعمل لدي 20 سيدة في صناعة المشغولات اليدوية، وعندما نتلقى طلبية كبيرة تصل أعداد العاملات إلى 50 سيدة، وإنه لشيء رائع أن نتواجد في الهند مع كل هذه المعروضات، فهناك الكثير من فرص العمل هنا. كما أخطط لبدء تصنيع الزي المدرسي الذي تستورده أفغانستان الآن من باكستان. فالكثير من البضائع الرخيصة تأتي من الصين وباكستان، وقد تكون منتجاتنا الأفغانية مكلفة بعض الشيء، لكنها ستكون أكثر جودة، وتوفر الوظائف لأبناء أفغانستان».

وقد قدمت نادية إلى هنا من أجل هدف أساسي ألا وهو عقد شراكة ومتابعة استجابة الهنود لبعض المنتجات مثل عيش الغراب المجفف والفواكه الجافة.

أما نسيمة مولازادة، رئيسة شركة «كاروان هولا» للصناعات اليدوية التي لا تتحدث أيا من الهندوسية أو الإنجليزية، ولكن كلمات مثل «نامونا» أو «عينة» يمكن أن تُسمع خلال حديثها المرح مع الزبائن وهي تقول لهم إن بإمكانهم طلب كميات كبيرة. وتقول المدربة الخبيرة إن أكثر من 100 سيدة يعملن لديها في مجال تطريز الملابس. وهناك أيضا ليلى إيستانيكازي، نائب رئيس شركة «مريم» للصناعات اليدوية والتفصيل والتي تعمل بها أكثر من 100 موظفة، وتقول نسيمة إنها كانت تعلم النساء داخل البيوت إبان فترة حكم طالبان.

ويقول مسؤولون أفغان إن منظمات حكومية وأهلية تبذل قصارى جهدها من أجل نهضة المرأة، وإن الأثر يتبدى شيئا فشيء. ويقول فضل إم واسط، وهو مدير الترويج الاستثماري بهيئة الدعم الاستثماري الأفغانية «تشكل النساء 40 في المائة تقريبا من التجار داخل أفغانستان في الوقت الحالي. وقد تمكنت النساء من النجاح في كل المناحي ـ التجارة والسياسة والتعليم». وتعد هيئة الدعم الاستثماري الأفغانية عنصرا مهما في توفير منابر دولية، مثل معرض التجارة الهندي أمام التجار الأفغان. ويضيف فضل «على الرغم من أن عدد النساء اللاتي يعرضن منتجاتهن داخل المعرض ثمانية فقط، فإن ذلك عدد جيدا، حيث لم تكن هناك امرأة واحدة إبان سيطرة طالبان. وتمثل كل منهم العشرات من النساء داخل أفغانستان».

وتقول هذه التاجرات إن النساء داخل أفغانستان يفضلن الأعمال اليدوية، حيث يمكنهن أداءها داخل المنازل. والأكثر أهمية من ذلك هو أنهن متمرسات عليها.

وهذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها التاجرة الأفغانية حبيبة يوسفي منتجاتها داخل دلهي. وتساعد حبيبة أكثر من 200 امرأة أفغانية على تسويق منتجاتهن، وتريد حبيبة من المواطنات الأفغانية أن يعتمدن على أنفسهن وأن يكن تقدميات. وتقول حبيبة «نحن مؤهلات حاليا للدفاع عن أنفسنا. هم (حركة طالبان) لا يريدون لنا أن نتقدم، ولكنا عازمات على النهوض».

ويأمل التجار الأفغانيون حاليا في توسيع التجارة بعد أن عاشوا في حالة من الخوف وجو عدائي على مدار ثلاثة عقود. ويقول شرف الدين كاتاوزي، وهو عارض آخر «لدينا مشكلة بسبب أعمال العنف داخل أفغانستان، فهناك اقتتال منذ 30 عاما. ويلعب بعض المواطنين وبعض الدول المجاورة التي لن أسميها دورا في ذلك، فهم يبحثون عن مصالحهم داخل أفغانستان، ولكن نأمل أن ينتهي ذلك بمشيئة الله».

وقد كانت أماكن العرض الأفغانية عنصر جذب للرواد داخل المعرض الذي ختم نشاطه الأسبوع الماضي بسبب التشكيلة الواسعة من الفاكهة المجففة والأعشاب والزعفران والسجاجيد الملونة.

ويقول رحمن الله خان، وهو بائع فاكهة مجففة من نانغارهار في أفغانستان «هناك استجابة جيدة جدا هنا على مدار العامين الماضيين». وقد انضم خان إلى 30 بائعا يعرضون منتجات تتنوع ما بين مشغولات يدوية ومنتجات جلدية. وقال في حديث مع «الشرق الأوسط»: «خلال العام الماضي، كان إجمالي المبيعات لبائعينا يتراوح ما بين 10.000 دولار و15.000 دولار في اليوم. وآمل أن يكون الوضع أفضل كثيرا في العام الحالي. أتوقع أن تفضي الأيام الخمسة المخصصة لهذا النشاط إلى عقود مستقبلية جيدة».

ويشعر البائعون الأفغان بالسرور بسبب الدعم الذي يحصلون عليه من الحكومة الهندية، ويرون أن التجارة هي السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تعود الأوضاع الطبيعية إلى البلاد بعد عقود من النزاع والصراع.

ويقول منصور أحمد سيدي «هذه فرصة جيدة جدا أمامنا، فقد كانت هناك معوقات شديدة أمامنا خلال الأعوام الماضية. وكان علينا أن نعتمد على السوق المحلية. وهذه المعارض فرصة جيدة لنا تجعلنا نأمل في مستقبل أفضل».