ساحة جامع الفنا تستقبل «غاندي» بالمشويات والأهازيج الشعبية

عُرفت بحلقات الحكي التي تروي أحداث ألف ليلة وليلة وحكايات عنترة بن شداد

ساحة جامع الفنا ليلا، وتبدو الشاشة العملاقة في الجوار («الشرق الأوسط»)
TT

تحولت ساحة جامع الفنا في قلب مدينة مراكش، عاصمة الجنوب المغربي، خلال فعاليات الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للفيلم، إلى قاعة سينمائية مفتوحة في الهواء الطلق، تمنح إمكانية الدخول إليها بالمجان، من دون حاجة إلى الامتناع عن التدخين أو إغلاق الهواتف أو التحدث إلى الأصدقاء، أو حتى الجلوس إلى كراسي تؤثث للفرجة.

التجول في الساحة الشهيرة، التي صنفتها منظمة اليونسكو تراثا شفويا إنسانيا، لم يعد عاديا هذه الأيام، بعدما امتزجت الموسيقى التصويرية للأشرطة السينمائية، المبرمجة في إطار فعاليات المهرجان السينمائي، بأصوات الباعة والحكواتيين وأهازيج الفرق الموسيقية المغربية، ودخان المشويّات بأضواء الشاشة العملاقة التي نصبت في إحدى جنبات الساحة الشهيرة.

وغير بعيد عن شاشة العرض، جلس سائحان فرنسيان إلى طاولة أحد المطاعم الشعبية، ليدفعا عنهما الجوع، وبرودة ليل ديسمبر (كانون الأول) الذي تعيش على إيقاعه «المدينة الحمراء» ـ وهذا أحد أشهر ألقاب مراكش ـ هذه الأيام، بينما كانت أعينهما تتابع مشاهد من فيلم «المقاتل الشرس»، الذي عُرض ضمن برنامج ليلة أفلام الحركة الكورية الجنوبية، وذلك في إطار تكريم السينما الكورية الجنوبية. وهو التكريم الذي يعوّل عليه المغاربة لـ«إرشاد السينما المغربية لسبيل النجاح الذي تنيره قوة الإرادة والمثابرة والمهارة»، كما كتب الأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي ورئيس مؤسسة المهرجان، في كلمته التقديمية للبرنامج العام للدورة التاسعة للمهرجان.

وإلى جانب الفيلمين الكوريين الجنوبيين، يُنتظر أن يكون جمهور «قاعة» جامع الفنا، مع أفلام غنية بمضمونها ومتنوعة في توجّهها، تتراوح بين الاستعادة التاريخية للحركة السلمية التي قادها المهاتما غاندي ضد الاحتلال البريطاني للهند، في فيلم «غاندي» (1982)، لمخرجه ريشار أتنبورو، وبطولة السير بن كينغزلي وإدوارد فوكس ومارتن شين، أو وضعية المشردين وأطفال الشوارع من خلال الفيلم المغربي «علي زاوا» لمخرجه نبيل عيوش، وبطولة سعيد التغماوي ومحمد مجد، وقد اعتُبر أحد أهم الأفلام التي أنتجتها السينما المغربية في السنوات الأخيرة. ويحكي الفيلم قصة أطفال مشردين يعيشون بالقرب من ميناء الدار البيضاء، وبعد شجار مع إحدى الجماعات المنافسة يقتل «علي» فيقرر أصدقاؤه أن يقيموا له جنازة تليق به. وإلى «أونك لاك» لمخرجه براشيا بينكايو، و«رذاذ الشعر» لمخرجه آدام شانكمان، الذي يلعب فيه أدوار البطولة جون ترافولتا وميشيل فايفر وكريستوفر والكن، الذي كرّمه المهرجان في دورة هذه السنة، وقف جمهور ساحة جامع الفنا لمتابعة فيلمين وثائقيين فرنسيين، بُرمجا ضمن فقرة «يوم البيئة»، هما «هوم» و«وان ـ أعراض تيتانيك».

ويحكي «هوم» (2009) كيف أنه في خلال 200.000 سنة اختل التوازن الذي كانت عليه الأرض، منذ أربعة مليارات سنة، الشيء الذي جعل مكان عيشه مهددا بالخطر، وبالتالي، لم يتبقَّ أمام الإنسانية سوى عشر سنوات لكي تدرك ما تسببت فيه من استغلال مفرط لمواد الأرض، ولتسعى إلى تغيير نمط الاستهلاك.

وفي «وان ـ أعراض تيتانيك» (2009)، يحذرنا العالم البيئي نيكولا إيلو من الحالة التي آلت إليها الأرض ومواردها، من خلال هذا الفيلم الوثائقي الذي يظهر علاقة الإنسان بكوكب أصبح مهدَّدا أكثر من أي وقت مضى.

إنهما فيلمان وثائقيان ينذران الإنسانية بالخطر المحدق بها نتيجة سلوكها.

من ناحية ثانية، يمكن القول إن أصحاب المطاعم الشعبية كانوا أكبر المستفيدين من عرض أفلام سينمائية، في أشهر ساحة شعبية بالمغرب، خصوصا وأن برد شهر ديسمبر (كانون الأول) والوقوف طويلا أمام شاشة عملاقة، لا يمكن إلا أن يدفعا بالمتفرج إلى التفكير في تدفئة البطن بعد متعة العين والفكر، وهو شيء يعني، بالنسبة إلى أرباب المطاعم الشعبية، مزيدا من العملاء، وبالتالي مزيدا من الأرباح.

وإلى أصحاب المطاعم الشعبية، يبدو زوّار الساحة هذه الأيام أكثر سياح مراكش حظا وسعادة، بعدما كُتب لهم أن يجمعوا سحر الساحة إلى متعة الشاشة، وبخاصة بعد أن وجد كل واحد منهم نفسه وجها لوجه أمام صور كريستوفر والكن وجون ترافولتا وميشيل فايفر وسعيد التغماوي والسير بن كينغزلي، وغيرهم من نجوم السينما العالمية، وهم يلعبون أدوار البطولة، في أفلام تُعرَض عليهم مجانا، في الهواء الطلق.

ومع «المقاتل الشرس» و«غاندي» و«علي زاوا»، وباقي الأفلام المبرمجة، في إطار فعاليات مهرجان مراكش، ضمن فقرة خاصة بساحة جامع الفنا، تكون طقوس المشاهدة قد ساوت بين الأفلام، التي فاقت موازناتها ملايين الدولارات وحطمت أجور أبطالها كل الأرقام، والأفلام التي لم تتطلب لإنتاجها عُشر ما يتقاضاه نجوم من قيمة ترافولتا فايفر ووالكن.