«معرض بيروت للكتاب» يفجّر الاتهامات الحارقة

رياض الريس يهاجم بقسوة.. ووزارة الثقافة ترد بوقائع

أحد زوار المعرض («أ.ف.ب»)
TT

ربما أكثر ما لفت في «معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» في دورته الثالثة والخمسين، والذي افتتح مساء الجمعة الماضي، هو الشعار الذي رفعه الناشر رياض الريس في جناحه يقول فيه: «الكتاب لا عاصمة له». وهو رد مهذب يعترض من خلاله على نوعية الاحتفالات التي أقيمت في بيروت بمناسبة اختيارها «عاصمة عالمية للكتاب» العام الحالي. لكن الريس لم يكتف بالشعار ونشر مقالة قاسية تزامنت مع افتتاح المعرض اعتبر من خلالها أن «بيروت لا هي عاصمة عالمية ولا الكتاب فيها عالمي» مهاجما الاحتفالات التي أقيمت ويصفها بأنها «هامشية، قروية، محلية وبسيطة، صرفت عليها موازنات طائلة». وإذ استفز الشعار المرفوع في معرض الكتاب وزارة الثقافة، على ما يبدو، وحصلت تدخلات لثني رياض الريس عن رفع شعاره، إلا أنه بقي مصرا عليه، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يحتفظ بحقه في التعبير وفي الإعلان عن موقفه، حيث يشاء ومتى يشاء. «ومن يعتبر أنني أخطأت في الرأي أو التصرّف، فليدّعِ علي أو ينشر رده في الصحافة، وليفعلوا كما أفعل». ويقول رياض الريس: «لقد مرت علينا سنة من التفاهات، ولم نر سوى أنشطة بسيطة لا قيمة لها، صرفت عليها أموال طائلة، وأهدرت الميزانيات بلا طائل. أنا لا أرى ما هو العالمي في ما شهدناه، فنحن لم نشهد غير مقاولين ثقافيين على غرار متعهدي الباطون». ويكمل الريس بالقول: «موقفي أثار شوفينية ليست في مكانها. اعتبروا أنني أشتم بيروت كوني سوريا. لكن هذا افتعال في غير موضعه. وكل ما نطالبهم به هو أن يدلونا أين هي العالمية في كل ما يفعلون».

المنسقة العامة لبيروت عاصمة عالمية للكتاب، د.ليلى بركات، تبدو غاضبة مما يقوله ويردده رياض الريس، وفي اتصال لنا معها، تجيب بأن «رياض الريس لم يشارك فعليا في أنشطة بيروت عاصمة عالمية للكتاب، هذا صحيح، لكنه من سنة تقريبا تقدم باقتراح مشروع، طلب من خلاله 80 ألف دولار لنشر كتاب لفواز طرابلسي حول تاريخ العائلات في الشرق الأوسط، ولم تتم الموافقة عليه، فهذا ليس من أولوياتنا أن نتبرع لدور النشر، وفي لبنان 800 دار، مع احترامي بالتأكيد لفواز طرابلسي». تكمل بركات: «يجب أن تكون المبالغ معقولة كي نستطيع الموافقة عليها. ومع ذلك، وبعد ستة أشهر اتصلنا بمدير دار رياض الريس، واقترحنا عليه أن تنظم الدار ندوة حول النقد الروائي الجاد والرصين، بتمويل من وزارة الثقافة وأن يستضاف نحو عشرة نقاد كبار من خارج لبنان، لكن الجواب لم يكن إيجابيا». إضافة إلى ذلك، تقول د.بركات «نحن نستضيف 10 خبراء ألمان، وهم مديرون لدور نشر سيأتون لتدريب ناشرين، وعاملين في مجال النشر في لبنان، ومدير دار رياض الريس سيكون أحد المتدربين في هذا المشروع». وترفض بركات اتهام الريس للمنظمين بأنهم لم يقدموا غير أنشطة صغيرة وهامشية، معتبرة أن «ثمة أنشطة متوسطة وكبيرة، وأن السياسة المتبعة هي إشراك المؤسسات والهيئات المدنية، ووصل عدد مشاريعنا إلى ألف مشروع».

وإذ تقول بركات إن «مصاريف بيروت عاصمة عالمية للكتاب تقدر بحوالي 8 ملايين دولار»، تستدرك «أن غالبية المعترضين هم ممن تقدموا بمشاريع لم تتم الموافقة عليها».

ويمكن القول إن «معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» يكاد يكون مناسبة ملائمة لتفجير الأسئلة والاعتراضات كل سنة التي تطال منظميه «النادي الثقافي العربي» بشكل أساسي، والذين تؤخذ عليهم كلاسيكيتهم، وعدم قدرتهم على التجديد والابتكار. وهذه المرة ربما إثارة هذه التساؤلات حول مدى نجاح أو فشل «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» جاءت لتخفف من الهجوم على طريقة تنظيم المعرض نفسه، دون أن تعفيه من المحاسبة. وإذ لا يرى كثيرون أن «مؤتمر الرواية العربية» الذي ينعقد لثلاثة أيام في البيال، موقع المعرض، هو من الأهمية بحيث ينال كل الدعاية التي تعطى له، ثمة من يرى أيضا أن المعارض العربية، تكاثرت وتطورت دون أن يتمكن معرض بيروت، وهو الأعرق والأقدم بينها أن يجاريها.

لكن رنا إدريس صاحبة «دار الآداب»، تتفهم أن «النادي الثقافي العربي، لا يستطيع إجراء تعديلات جذرية، بسبب قلة التمويل والشح الذي تبديه وزارة الثقافة حيال تظاهرة من هذا النوع. فالنادي الثقافي لا يستطيع استضافة كتاب يسكنون جغرافيا أبعد من الأردن، لأن ميزانيته قليله». ومع ذلك تقول إدريس التي تشارك في المعارض العربية بفاعلية «إن أهمية أي معرض ليست بنوعية أنشطته وإنما في البلد الذي يقام فيه وتأتي الأهمية من وجود القراء أيضا». وتستطرد رنا إدريس: «القارئ اللبناني موجود على عكس ما يقولون. مضى على افتتاح المعرض يوم واحد تقريبا بعنا خلاله الكثير من الكتب، ليس فقط الروايات وإنما أيضا الكتب الفكرية. كتب إدوارد سعيد على صعوبتها يشتريها القراء، وكذلك كتب جان بول سارتر، وكذلك يباع مشيما وزوربا وسعد الله ونوس، وبعنا جيدا كتاب جوزف مسعد «ديمومة المسألة الفلسطينية». وقد يتفاجأ البعض لو قلت إن مجلة الآداب في يوم واحد بيع منها 260 عددا، خاصة أن العدد الأخير يقدم دراسات أكاديمية علمية، لنتاج زياد الرحباني».

تؤكد رنا إدريس أن «الجيل الجديد من الصبايا والشبان، يعودون إلى قراءة العربية، ويتوافدون على المعرض بشكل كبير، وهم يحملون معهم لوائح بأسماء الكتب التي يريدون شراءها لأنهم يعرفونها سلفا».

وتحتفي «دار الآداب» هذه السنة بعودة الأديبة اللبنانية الشهيرة ليلى بعلبكي إلى قرائها بعد 40 سنة من الغياب. فصاحبة رواية «أنا أحيا» التي حوكمت في ستينات القرن الماضي بسبب جرأتها بعد صدور روايتها «سفينة حنان إلى القمر» توارت عن الأنظار نهائيا، ورفضت أي ظهور لها أو مقابلات في الصحف، حتى أقنعتها كما تقول رنا إدريس الأديبة حنان الشيخ، منذ سنتين، خلال عشاء جمع السيدات الثلاث معا في لندن، أن تعطي «دار الآداب» حق إعادة نشر نتاجها. وقد صدرت بالفعل أعمال ليلى بعلبكي بطبعة جديدة: «أنا أحيا»، و«سفينة حنان إلى القمر»، و«الآلهة الممسوخة». وسيلتقي القراء أديبتهم التي سمعوا عنها طويلا وهي في عزلتها، لتوقع كتبها يوم الجمعة المقبل. وقد رفضت بعلبكي تماما عقد أي ندوة حوارية، أو لقاء تتكلم فيه مع جمهورها، لأنها لا تعرف كيف ستكون ردود فعل القراء بعد كل هذا الزمن. لكن بعلبكي تعكف حاليا على كتابة رواية جديدة كما تخبر أصدقاءها، وتعتبر ناشرتها أن لقاءها في معرض الكتاب مع قرائها، سيعطيها دافعا قويا لإتمام روايتها الجديدة.

ويوم الثلاثاء المقبل، يشهد معرض الكتاب مناسبة استثنائية، إذ سيتم الإعلان خلال مؤتمر صحافي عن الفائزين باللائحة القصيرة لجائزة «بوكر للرواية العربية»، التي أسالت إلى الآن من الحبر والاتهامات والشائعات الكثير. وهكذا لا يبدو أن معرض الكتاب في بيروت سيمر بهدوء هذه السنة، فالاستحقاقات القادمة، قد تكون حارة جدا وعلى الأرجح حارقة.