مخاوف من تأثير استخدام الفضة النانوية في البخاخات والمواد التجميلية والألبسة

دائرة البيئة الاتحادية الألمانية تحذر من مخاطرها المحتملة

TT

يتحدث العالم يوميا عن «اختراق» في عالم الصناعة النانوية (النانو يعادل جزءا من مليار جزء من المتر) التي دخلت في عالم صناعة الأنسجة والأجهزة الطبية كما دخلت في إنتاج ألعاب الأطفال والمواد التجميلية. إلا أن هذه المنتجات، وهذا المجال الصناعي بأكمله، لم يخضع بعد للدراسات الشاملة التي قد تدينه أو تبرئه من المخاطر.

وحذرت دائرة حماية البيئة الألمانية، وفي ضوء دراسات جديدة عن استعمالات «النانو سيلفر»، أو الفضة النانوية، من مخاطرها على صحة الإنسان. وتحدثت الدائرة الاتحادية «بوند» مؤخرا عن مخاطر جديدة ترافق زيادة استخدام الفضة النانوية في الصناعة، خاصة خطر تجاوز أيوناتها للحاجز الوقائي في الدماغ، واستقرارها فيه، واستقرارها في الطحال والأجهزة الحيوية الأخرى في جسم الإنسان.

وأجرى خبراء الدائرة دراسة عن تأثير الفضة النانوية على الحيوانات المختبرية، فتوصلوا إلى أنها تسبب أضرارا للأعضاء الحيوية، بعد ترسبها فيها، خاصة في الكبد والرئتين والخلايا العصبية. وأطلق الباحثون على الدراسة اسم «النانو سيلفر.. ليس كل ما يلمع مفيدا»، وقالوا فيها إن أيونات الفضة معروفة كأيونات قاتلة للبكتيريا والجراثيم، وتستخدم في التعقيم أحيانا، إلا أنها صغيرة جدا وتتسلل عبر جهاز المناعة الجسدي إلى الأعضاء الحيوية. وهناك مؤشرات على أن أيونات الفضة قد أضرت بالتركيبة الجينية لبعض فئران الاختبار وتدخلت في جينات أخرى.

وطالبت الدائرة بوقف استخدام الفضة النانوية في الصناعة، باعتبارها مادة مشكوكا في نتائج استخدامها، وعدم إجازتها إلا بعد إجراء دراسات وافية حول مخاطرها والمضاعفات الناجمة عن استخدامها. ويجري حاليا في ألمانيا استخدام طن من الفضة النانوية في الصناعة سنويا، وتتسرب نسبة كبيرة من هذه المادة إلى جسم الإنسان عبر الملابس والمواد التجميلية المصنوعة منها.

ويطلق تعبير «الفضة النانوية» على جزيئات مسحوق الفضة المعامل مع المواد الكيميائية الذي يحولها إلى مادة مصنوعة من كريات نانوية وأنابيب نانوية يقل قطر الواحدة منها 70 ألف مرة عن قطر شعرة الإنسان. ويعتقد علماء التاريخ أن قدرة الفضة المتأينة التعقيمية عرفت منذ قرون لأن نبلاء القرون الوسطى كانوا يتناولون الطعام بملاعق مصنوعة من الفضة. وكان الفلاحون يلقون قطع الفضة الصغيرة في الحليب لتعقيمه وكي لا يفسد بسرعة.

واستخدمت الصناعة الفضة النانوية في صناعة أنسجة متينة لا تبتل ولا يبهت لونها، ومنها تم إنتاج الجوارب (المضادة لروائح الفطريات) والقفازات وملابس السباحة والألبسة الرياضية.. إلخ. كما استخدمت المادة في صناعة البخاخات المزيلة لروائح جسم الإنسان بسبب قدرة الفضة النانوية على محايدة جزيئات المواد الكريهة الرائحة. وأشارت الدائرة الاتحادية لحماية البيئة إلى استخدام المادة الفضية المتأينة في صناعة علب الأغذية، والأجهزة المنزلية، والألوان والأصباغ، والمواد التجميلية.

وتحولت الفضة النانوية إلى موضة، حيث صار الألمان يتخلون عن مقابض الأبواب النحاسية، المعروفة أيضا بقدرتها التعقيمية، لصالح الفضة. وتعمل صناعة الأجهزة، خاصة الهواتف الجوالة والكومبيوترات والألواح والأزرار، وكل ما يلمسه كثير من الناس، على إنتاج أغلفة أجهزتها من هذه المادة لمنع انتقال العدوى.

ويقول الباحث هيربرت فيفرز، من دائرة حماية البيئة، إنهم يعرفون عن تأثير الأيونات على الحيوانات المختبرية، لكنهم لا يعرفون عن تأثير لوحة أزار الكومبيوتر، المصنوعة من الفضة النانوية «شبه الثابتة»، على صحة الإنسان. وأضاف: «لكنني لا أنصح أحدا باستخدام البخاخات والمواد التجميلية التي تم تصنيعها أساسا كي تخترق بشرة الإنسان(...) ويكون الخطر أعظم عند استنشاق هذه العطور ومزيلات الروائح، ولذا ينبغي إبعادها عن الأطفال».

واستشهد فيفرز بدراسات أخرى تثبت أن «تطاير» أيونات الفضة وعدم ثباتها لا يمنح المنتجات المصنوعة منها قدرات تعقيمية «أزلية». إذ أجرى «معهد تقدير مخاطر المنتجات BfR» ببرلين دراسة حول الموضوع، فتوصل إلى أن الثلاجات المطلية بمادة الفضة النانوية من الداخل لا توفر حماية استثنائية من الميكروبات ولا تؤدي عمليا إلى إطالة فترة نضارة المواد. ثبت أيضا أن الأنسجة التي دخلت الفضة النانوية في صناعتها تفقد أيوناتها كل مرة تغسل فيها، وتفقد بالتالي إمكانياتها على التطهير وإزالة الروائح. وظهر من غسل الجوارب المصنوعة من «الفضة النانوية» أنها تفقد 30% من أيوناتها «السحرية» مع أول غسل لها.

وكلفت دائرة البيئة الاتحادية معهد «فراونهوفر» المعروف بفحص تأثيرات أيونات الفضة المتسربة من الملابس والمواد على مياه التصريف، فتوصل خبراء المعهد إلى أن الأيونات لا تعمل على تعقيم هذا الكم الهائل من مياه التصريف. لكنهم وقعوا على مشكلة أخرى «جانبية»، إذ اتضح أن هذه الأيونات تتسرب إلى الأرض والماء وتلحق أضرارا بالأحياء الصغيرة الحيوانية والنباتية. والأهم منها هو صناعة الرقائق التي تحافظ على طزاجة المواد والفواكه والخضراوات، وقطع التعقيم الطبي، والمواد الملينة للصوابين ومساحيق الغسيل، من الفضة النانوية بهدف التعقيم وإزالة الروائح، وهي مواد أقرب كثيرا إلى جوف وجلد الإنسان وأكثر قابلية للتسلل إلى الأنسجة الحيوية بفعل حرارة جسم الإنسان.

وأثبتت الفحوصات التي أجراها الخبراء أن الفضة النانوية أكثر استخداما من غيرها في الصناعة النانوية. وتدخل هذه المادة في صناعة 30% من المواد النانوية من أصل 700 مادة فحصها خبراء «بوند». وتضاعفت نسبة المواد الجديدة المسجلة لدى الاتحاد الأوروبي، والتي تدخل الفضة النانوية في صناعتها، 10 مرات منذ عام 1990.

ولا ينفرد الألمان بدراسة مخاطر الصناعة النانوية على الصحة والبيئة. إذ نشر الخبراء الكوريون الجنوبيون دراسة في مجلة «علم المواد السامة»، العدد 542 لسنة 2009، حول تأثيرات الفضة النانوية على الأحياء تثبت أن المادة أدت إلى حدوث تشوهات في السمك حديث الولادة، وإلى الإضرار بقدرة الأحياء النباتية على التكاثر وإلى أضرار في أدمغة وأكباد ورئات الفئران الصغيرة.

والخطير حسب رأي «بوند» هو عدم وجود قانون ألماني ينظم استخدام المواد الجديدة التي تنتشر كالفطر في يوم ماطر. كما لم تسن دائرة الرقابة على الاستهلاك أي مادة تلزم الصناعة بتسجيل وجود الفضة النانوية في المنتجات. المقلق أيضا أن تسلل الفضة النانوية بكميات ضئيلة إلى الجسم يدفع البكتيريا المرضية لتطوير نفسها، كما يزيد مقاومتها للأدوية المضادة للحيويات.

والفرق بين الفضة النانوية والفضة العادية هو أن الأولى متأينة وتأخذ شكل الكريات البالغة الصغر أو الأوعية البالغة الدقة، وهي بالتالي تحتل مساحة أكبر وتتيح تعلق عدد أيونات أكبر بها. والفرق الآخر هو قابلية أيونات الفضة النانوية على الحركة وقدرتها على التسلل من الأغلفة والأنسجة واختراق جدران الخلايا الحية. والفرق المهم بالنسبة لشركات إنتاج المواد النانوية هو السعر بالطبع لأن كمية قليلة من الفضة تكفي لإنتاج فضة نانوية تعادل كمية الأولى 100 مرة، وهذا صحيح من الناحية العلمية لأن الكريات والأنابيب النانوية الدقيقة تتخذ سطوحا ذات مساحات هائلة بحكم طبيعتها الكروية.

ولا تبدو السلطات الألمانية الصحية، والأوروبية، مهتمة كثيرا بمعرفة مخاطر استخدام التقنية النانوية على البشر. وتم تشكيل وحدة خاصة باسم «نانو كير» في ألمانيا لإجراء البحوث والدراسات حول الموضوع، إلا أن هذه الدائرة لم تتسلم سوى 3.6% من المخصصات التي وعدت بها بين 2006 ـ 2009. وتطالب الدائرة، بعد تقرير الدائرة الاتحادية للبيئة، بتسليمها بقية المبالغ مع وعد بتقديم دراسات شاملة حول الموضوع حتى نهاية عام 2012.