«العرضة».. رقصة الحرب والسلام والفرح الحاضرة في المناسبات السعودية

عرفها العرب منذ القدم وطورها السعوديون خلال عدة عقود

الأمير سلطان يؤدي العرضة خلال الاحتفال بعودته بمشاركة ملك البحرين والأمير متعب والأمير سلمان (تصوير: خالد الخميس)
TT

حضرت العرضة السعودية بقوة واستهوت الحضور خلال الاحتفال الكبير الذي شهدته العاصمة السعودية مساء أول من أمس احتفاء بعودة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز من رحلته العلاجية التي تكللت بالنجاح، ودعا إليه النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز، وأعاد هذا الحضور القوي للعرضة السعودية التي شارك في تأديتها الأمير سلطان المحتفى به وعدد من الأمراء والمواطنين والحضور بدايات وتطور هذا اللون الذي عرفه العرب منذ قرون، وتم تطويره في العقود الماضية كفنّ محلي يعرف بالعرضة السعودية، وتزامن تأديته ليلة أول من أمس مع عودة ولي العهد السعودي إلى وطنه بعد رحلة علاجية امتدت نحو عام وتكللت بالنجاح، كما تزامن ذلك مع إعلان السعودية تحقيق انتصارات في حربهم مع المتسللين الحوثيين على حدودهم الجنوبية، ومع إعلان الأمير نايف بن عبد العزيز خلال الاحتفاء بولي العهد إحباط أكثر من 200 عملية إرهابية في بلاده، مما يعني أن العرضة السعودية كانت حاضرة ومتلازمة مع حالات الحرب والسلم والفرح.

ورغم عدم وجود رابط يؤكد وجود توافق بين رقصات الحرب عند العرب في أثناء أيامهم وحروبهم في الجاهلية وما بعدها، فإنه يمكن الجزم بأن أركان العرضة الأساسية في واقعها اليوم هي ذاتها التي كانت ملازمة للحرب في القرون الماضية، حيث إن الطبول كانت تقرع، بل إن العبارة العربية التي عادة ما كانت تقال في إعلان النفير تعبر عن ذلك، حيث تتردد مقولة: «طبول الحرب تقرع»، وذلك خلال الأجواء المتوترة التي تسبق بدايات المعارك.

وتعد «العرضة السعودية» فنا حربيا كان يؤدى في منطقة نجد وسط البلاد، وعرفت لعدة سنوات باسم «العرضة النجدية»، وكان هذا اللون يؤدى في المعارك الحربية قبل وفي أثناء توحيد أجزاء البلاد ليتحول المسمى لاحقا إلى «العرضة السعودية»، وهو لون استهوى السكان ويقام عادة في مواسم الأفراح والأعياد بعد أن كان مقصورا على حالات الحروب والانتصارات.

ولعل أبرز مستلزمات العرضة: الراية أو البيرق والسيوف والبنادق إضافة إلى الطبول، في حين تتطلب العرضة صفوفا من الرجال يتم تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى مجموعة منشدي قصائد الحرب، والثانية مجموعة حملة الطبول، حيث يتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها ثم تليها الرقصة مع قرع الطبول لترتفع السيوف ويتمايل الراقصون جهة اليمين أو جهة اليسار مع التقدم لعدة خطوات إلى الأمام، في وقت يكون المنشدون في صف واحد ويستخدمون طبولا مختلفة يطلق على الكبيرة منها «طبول التخمير»، أما الصغيرة منها فيطلق عليها «طبول التثليث»، ويتردد بصوت يسمعه الحاضرون: «خمر.. ثلث»، ولعل طبول التثليث اكتشفت مع العرضة السعودية بهدف رفع المعنويات واستعراض القوة في أثناء الحروب، كما تعد الأزياء الخاصة بالعرضة ركنا أساسيا لإقامتها وأدائها بما يحقق عنصر الإبهار الجمالي للراقصين، حيث جرت العادة أن يلبس مؤدو العرضة زيا خاصا صنع من قماش فضفاض واسع يسمح بسهولة الحركة للراقص، ويصنع الزي من قماش أبيض اللون ويكون خفيفا، وفوقه يرتدي المؤدي للعرضة قطعة سوداء تسمى «القرملية»، وهي ذات أكمام طويلة في العادة تلبس مع الشماغ أو الغترة والعقال.

ويشكل السيف عمادا للرقصة، حيث لا يمكن إتمام العرضة دون السيف، وفي الوقت الحاضر يلبس الراقص في العرضة (محزما) يوضع فيه الرصاص الخاص بالبنادق، في حين يتطلب الأمر ضرورة تسخين الطبول إما بوضعها في الشمس أيام الصيف، وإما بتسخينها على نار هادئة إذا كانت العرضة تقام شتاء، وإما عند عرضها ليلا في غياب الشمس حتى يكون وقع قرعها عاليا وجميلا، وبالإيقاع الذي يتوافق مع إنشاد الصفوف.

وشارك ملوك الدولة السعودية الحديثة في تأدية العرضة في مناسبات مختلفة، حيث تعد أشبه بالرقصة الرسمية للبلاد وذات حضور قوي في المناسبات الوطنية، وفيها يحرص الملك والأمراء والمواطنون على المشاركة بها معبرين بذلك عن أجواء الفرح والسلام.

واشتهرت «الدرعية»، العاصمة السابقة للدولة السعودية، بإتقان أهلها هذا الفن، بل إن فرقة الدرعية كانت حاضرة في أغلب مناسبات الدولة، إضافة إلى أن أهالي محافظتي الخرج وضرماء اشتهروا بعشقهم وإجادتهم تأدية العرضة.

وغالبا ما يردد السعوديون في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية وغيرها، والتي يكون للعرضة حضور فيها، البيت الشهير: « نحمد الله جت على ما نتمنى ** من ولي العرش جزل الوهايب»، وذلك في أثناء ترديدهم للبين بشكل جماعي كمطلع للعرضة مع قرع أصوات الطبول ولمعان السيوف.

ولفت في احتفال يوم أول من أمس مشاركة عدد من الأمراء والمواطنين صغار السن في العرضة السعودية والسلام على المحتفى به الأمير سلطان بن عبد العزيز، مما يعني أن هذا اللون يستهوي الجميع كبيرهم وصغيرهم.