21 نحاتا أوروبيا وأميركيا في ملتقى دمشق الدولي للنحت

يستمر حتى 20 من الشهر الحالي.. وأعماله تنتهي إلى مختلف المدارس

نحاتة عالمية في ملتقى دمشق الدولي للنحت.. ونحات آخر منهمك في وضع اللمسات الأخيرة على عمله («الشرق الأوسط»)
TT

كان الوقت يتجاوز منتصف النهار بدقائق. وفي هذا الوقت من اليوم تتسم العاصمة السورية دمشق بازدحام شوارعها وأماكنها العامة ومقاهيها بالناس مقيمين وآتين من المحافظات لقضاء مشاغلهم في العاصمة. وحدها منطقة معرض دمشق الدولي القديمة، التي توازي طريق بيروت من جسر فيكتوريا قرب ساحة المرجة شرقا وحتى ساحة الأمويين غربا، كانت وفي جزء منها تشهد ازدحاما من نوع آخر.. فثمة حركة أناس رجال ونساء كبار في السن وشباب من جنسيات مختلفة وألوان بشرة مختلفة، مع أزاميل ومناشر كهربائية ويدوية يقصون أحجارا كبيرة وتحت مظلات تحميهم من مطر ديسمبر (كانون الأول) الذي يهطل عادة في مثل هذه الأيام بغزارة.

ومع الغبار المنبعث من موقع الازدحام الاستثنائي دخلنا لنلتقي هؤلاء الناس الذين ما كانوا سوى مجموعة من الفنانين النحاتين والمبدعين القادمين من دول عربية وأجنبية، والمشهورين في بلادهم، بعدما لبّوا دعوة محافظة مدينة دمشق وزميلهم النحات السوري مصطفى علي ليقيموا ملتقى دمشق الدولي الأول للنحت على مدى شهر كامل.. من 20 نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى 20 ديسمبر الحالي. ولقد حلّ هؤلاء بضيافة المحافظة ليبدعوا منحوتات ستحتضنها ساحات دمشق وحدائقها وميادينها العامة بعد إنجازها وعليها بصماتهم ومدارسهم النحتية.

«الشرق الأوسط» التقت بعض النحاتين المشاركين في الملتقى فتحدثوا عن انطباعاتهم عنه وعن طبيعة منحوتاتهم.

من البيرو يشارك النحات ميلتون ريفيرا، وهو من النحاتين المعروفين عالميا وسبق له أن أقام ثلاثين سنة في إيطاليا وله منحوتات معروضة في الكثير من عواصم العالم ومدنه الكبيرة. ريفيرا قال «هذه أول مرة أزور فيها دمشق وأشارك في ملتقى نحتي سوري. وأنا أعمل على منحوتة تتضمن موضوع شجرة وفوقها قمر في مدلول رمزي للخصب، وهي من التراث العالمي وتنتمي إلى الفكر الإنساني ولكل المعتقدات وتهم كل الناس وليس شعبا معينا». ويعبر ريفيرا عن شعوره بمشاركته في الملتقى قائلا «إنها فرصة جميلة لكي ألتقي نحاتين من مختلف دول العالم ومن سورية. وعلى الرغم من أنني لا أتكلم اللغة العربية فإنني أتواصل مع الدمشقيين الذين أشاهدهم هنا في الملتقى، وكذلك في الشارع والفندق، من خلال الشعور والحركات التي تعبر عن مدى حفاوة الناس هنا بنا. كما أعجبتني مدينة تدمر التي زرتها في بداية الملتقى.. وعندما شاهدت أوابدها الأثرية غيّرت قليلا من موضوع منحوتتي والذي كنت قد حضّرته قبل أن أزور تدمر».

أما النحاتة التركية آيلا توران، فقالت: «جئت من اسطنبول، وهذه مشاركتي الأولى في ملتقى نحتي سوري، ولكن سبق لي أن شاركت في عشرات الملتقيات والمعارض في بلدان كثيرة، ولي 30 منحوتة معروضة في شوارع المجر ودبي والبحرين والهند ومصر وفرنسا وألمانيا.. طبعا في المدن التركية. وفي ملتقى دمشق أعمل على منحوتة تتضمن موضوع «بورتريه شخصي» من ذاكرة طفولتي وهو عبارة عن وجه محمول على عمودين من الحجر يمثلان جديلتي شعري عندما كنت صغيرة». وتضحك آيلا قائلة إنها ما زالت تفكر وكأنها طفلة صغيرة). وحول نشاطها المستقبلي، أوضحت أنها ستلبي بعد ملتقى دمشق دعوة من الهند للمشاركة في ملتقى هناك وبعده ستكون موجودة في ملتقى آخر بالجمهورية التشيكية. ومن جهتها، تحدثت النحاتة السورية نور كلش، عن مشاركتها في الملتقى من خلال مساعدتها في العمل النحتي للفنان السوري مصطفى علي، فقالت «إن العمل ينتمي للمدرسة التجريدية وهو عبارة عن إطار وبداخله شيء مجرد ذو مدلول من كتلة وفراغ». أما النحات مهيار علي، وهو من خريجي الأكاديميات الإيطالية، وجاء مع أستاذين إيطاليين للمشاركة في ملتقى دمشق، فقال إنه يعمل على موضوع هو عبارة عن شخصين، رجل وامرأة، ضمن مربع وكأنهما يخرجان منه بشكل تعبيري. ويتابع «عملت على الحجر التدمري وبشكل استفدت فيه من الكتلة والفراغ بما يخدم فكرة العمل». ويشارك النحات السوري المقيم في فرنسا لطفي الرمحين في الحوار، فيقول عن مشاركته «أعمل على موضوع تجريدي وبشكل تلقائي من خلال فكرة متخيلة أنفذها ومن دون أن يكون هناك نموذج مسبق (ماكيت)، ومن خلال الكتلة الهندسية سينتج موضوعي النحتي في نهاية الملتقى». معن حرويل، المشرف على الملتقى كمتطوع، طرف ثالث بين محافظة دمشق ومؤسسة مصطفى علي، والذي تطوّع أيضا ليترجم لنا أحاديث النحاتين الأجانب المشاركين في الملتقى، قال لـ«الشرق الأوسط» شارحا: «كان التحضير للملتقى سريعا جدا، وتقررت إقامته قبل عشرين يوما فقط من موعد انطلاقته، لكننا استطعنا الانطلاق به من خلال مساعدة مؤسسة إيطالية وجهات مختصة أخرى ومتطوعين من سويسرا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وسورية. وفريق عمل محافظة دمشق ساعد في إنجاح الملتقى وفي اختيار النحاتين المميزين عالميا للمشاركة فيه، وكان معظمهم يعمل على مواضيع تجريدية وليست تشخيصية. ومما يميز الملتقى أيضا هو إقامة ورش عمل للأطفال من خلال لقائهم النحاتين العالميين المشاركين والعمل معهم على منحوتات صغيرة تناسب أعمارهم وحسهم الطفولي». بعده التقينا بنادر بعيرا، المسؤول الثقافي في مجلس محافظة دمشق وعضو اللجنة المنظمة للملتقى، وكان في الملتقى متحركا بنشاط بين أروقة النحاتين، ومشرفا على سير العمل، ومتنقلا ما بين النحاتين المشاركين والإعلاميين والضيوف، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «هدفنا من هذا الملتقى الدولي الذي أطلقته محافظة دمشق تعميق الدور الثقافي للمحافظة إلى جانب دورها الخدمي، من خلال مشاريع وفعاليات ثقافية وفنية متنوعة وتعاوننا مع النحات مصطفى علي لإطلاق الملتقى وبسرعة. وتم تجهيز الموقع وسط دمشق بشكل سريع بالبنية التحتية والإنارة وبمختلف حاجات الملتقى الخدمية. ويشارك في الملتقى نحو 21 نحاتا من 12 دولة أوروبية وأميركية، وستعمل المحافظة على عرض منحوتاتهم في الميادين والساحات والحدائق العامة بعد عرضها لفترة من الزمن في نفس مكان الملتقى. ولقد وضع الحجر التدمري القاسي في خدمة النحاتين بعدما جئنا بالحجارة من مدينة تدمر، وبهدف إظهار هذه الحجارة التي بنيت منها معظم أوابد تدمر التاريخية التي ما زالت قائمة حتى الآن متحدية السنين والظروف المناخية والطبيعية.. لقد اختيرت هذه الأحجار لمدلولاتها التاريخية والحضارية».