ضربة قاصمة لجائزة «البوكر العربية» بانفراط عقد لجنة التحكيم

أثناء الإعلان عن اللائحة القصيرة للفائزين بها

TT

مفاجآت جديدة، وخلافات إضافية رشحت بعدما عقدت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) مؤتمرا صحافيا صباح أمس في العاصمة اللبنانية بيروت، على هامش معرض الكتاب العربي والدولي الثالث والخمسين، أعلنت خلاله عن أسماء المتأهلين الستة لدخول «لائحة الترشيح القصيرة» لعام 2010. فبحضور ثلاثة فقط من أعضاء اللجنة الخمسة، التي يفترض أنها بقيت سرية حتى صباح أمس، أعلنت النتيجة. وتبيّن، كما تسرّب قبل ذلك، أن الروائي الكويتي طالب الرفاعي هو رئيس اللجنة، أما الأعضاء فهم: الصحافي العُماني سيف الرحبي والناقدة المصرية شيرين أبو النجا، بالإضافة إلى اسمين بقيا غير معروفين بالفعل حتى اللحظة الأخيرة، هما الناقدة التونسية رجاء بن سلامة والمستعرب الفرنسي فريدريك لاغرانغ. رئيس لجنة التحكيم، طالب الرفاعي، قال إن عضوين من أعضاء اللجنة تغيبا عن المؤتمر بسبب وعكة صحية، هما شيرين أبو النجا وسيف الرحبي، ثم تلا أسماء الروايات الفائزة وهي «عندما يشيخ الذئاب» لجمال ناجي (الأردن)، و«السيدة من تل أبيب» لربعي المدهون (فلسطين)، و«أميركا» لربيع جابر (لبنان)، و«ترمي بشرر» لعبده خال (السعودية)، و«يوم غائم في البر الغربي» لمحمد المنسي قنديل (مصر)، و«وراء الفردوس» لمنصورة عز الدين (مصر). وبالتالي، لم تدخل «اللائحة القصيرة» رواية «اسمه الغرام» لعلوية صبح التي كان قد كتب الكثير عن «تواطؤ» يجري في الكواليس لإيصالها إلى الجائزة الأولى. هذا، وكان جوناثان تايلور، رئيس مجلس أمناء جائزة «بوكر»، قد افتتح المؤتمر الصحافي معلقا بالقول إنَّ اللائحة الطويلة «تثبت مجددًا قيمة الكتابة الأدبية العربية المعاصرة وتنوّعها»، مشيرا إلى أن أعمال الفائزين ليست وحدها التي تترجَم إلى الإنجليزيَّة ولغات أخرى ويتم نشرها، وإنما «تحظى أعمال المرشّحين الآخرين أيضا بذلك الاهتمام». وألقت المديرة الإدارية للجائزة، جمانة حداد، كلمة تحدثت فيها عن الشائعات التي أحاطت بالجائزة، وقالت إن منها «السفيه والتافه والخبيث المسيّر، ومنها العبثي». وأضافت «لكن ما يصعق في صحافتنا العربية، تلك اللا أخلاقية، مقرونة بلا مهنية مرعبة تسم البعض، حدّ أن بعض هذه الثقافة والصحافة تكتفي برغوة الدسائس ولا تحاول التنقيب عن الحقيقة». وتحدثت حداد عمّا أسمته «الشائعات الرخيصة والاتهامات المجانية ومحاولات التهشيم». كما تحدّثت عما طالها شخصيا، وهي تعلق: «لكني اعتدته وبات يمرّ بي مرور الروائح النتنة التي نسدّ أنوفنا حيالها». وبحضور عدد من الصحافيين، وغالبية أعضاء مجلس أمناء الجائزة طرحت أسئلة على اللجنة، حول فاعلية إبقاء أسماء أعضاء اللجنة سريّة ما دامت تكشف من قبل الصحافة، وخاصة، أن هذه قاعدة غير متبعة في «البوكر» البريطانية. كما كان سؤال من قبل رنا إدريس ناشرة رواية «اسمه الغرام» لعلوية صبح، إن كانت هناك علاقة بين تغيّب عضوي اللجنة وعدم فوز رواية صبح. وهنا أكد طالب الرفاعي، بصفته رئيس اللجنة، أن الرحبي وأبو النجا شاركا في الاجتماع الأخير لتحديد الفائزين الذي جرى في بيروت، أول من أمس، واستغرق 7 ساعات ونصف الساعة، وأن تغيبهما عن المؤتمر لا يعبر عن أي موقف اعتراضي على النتيجة. لكن «الشرق الأوسط» اتصلت بشيرين أبو النجا، الموجودة في بيروت، فقالت إنها انسحبت بالفعل من اللجنة، وأن عدم حضورها هو اعتراض على الطريقة التي تم بها التصويت. وأضافت أبو النجا: «لقد تحدثت مع جوناثان تايلور رئيس مجلس أمناء الجائزة، وقلت له إنني أقدر «بوكر» وأحترمها لكن عندي أسبابي للانسحاب لأن الطريقة التي اتبعت لاختيار الروايات الفائزة غير مرضية». وتشرح أبو النجا بالقول: «لقد اتبعت طريقة العلامات، أي إن كل عضو يعطي علامة على عشرة لكل رواية، وبناءً عليه، وتبعا للعلامات التي تحصدها كل رواية يصار إلى اختيارها أو استبعادها. لكن المشكلة هو أننا نريد أن نفهم من العضو الذي يصوّت، لماذا حصدت مثلا هذه الرواية تسع علامات على عشرة، بينما الأخرى لم تحصد سوى ست. نريد تعليلات نقدية لنفهم. إذا كنا نتكلم عن فلسطين. أنا شخصيا رغم وجودي في لجنة التحكيم، لم يشرح لي أي أحد من المصوتين لماذا رواية «السيدة من تل أبيب» هي أفضل من «أصل وفصل» لسحر خليفة، وهنا أضرب مثلا فقط. لم تتبع معايير نقدية واضحة، علما بأن رئيس اللجنة طالب الرفاعي، كان قد وضع معايير منذ البداية لتقييم الروايات لكنها لم تحترم، كما يجب». وتضيف أبو النجا، التي بدت منفعلة، وهي تحدثنا هاتفيا: «كان يفترض حين نقيّم أي رواية أن نتحدث عن الحبكة، عن الشخصيات، والأحداث، وهو ما لم يحدث. كان النقاش مبتورا وسريعا، ولا إيضاحات أو حتى إجابات عن الأسئلة. الحجة كانت دائما أن الوقت قصير، مع أنه كان بمقدورنا أن ننام ونعود لنكمل المناقشات. ثم ما مشكلة أن يتأجل المؤتمر الصحافي مثلا، هل هو مكّوك فضائي يجب أن ينطلق في لحظة محددة أو تخرب الدنيا!». وعن الجهة التي تحدّد طريقة التصويت، قالت أبو النجا: «رئيس اللجنة هو من يقرّر والبقية وافقوا، وقيل لنا هذا رأي الأغلبية وهذه هي الديمقراطية. لم أفهم كيف وضعت الأرقام واعتمدت؟ ولا لماذا وزّعت على النحو الذي رأيناه؟ أو لماذا لم يجب أحد عن أسئلتنا؟ أو حتى لماذا لم تحترم المعايير النقدية التي تم الاتفاق عليها سلفا؟ بالأمس كانت الدنيا بلا أجوبة، لهذا انسحبت وفضلت أن أتخذ موقفا». وإذ رفضت أبو النجا أن تتكلم عن انسحاب سيف الرحبي من اللجنة، تعذّر على «الشرق الأوسط» الاتصال به، إلا أن مقرّبين منه تحدثوا عن أسباب لانسحابه أو اعتكافه تشبه تلك التي تكلمت عنها شيرين أبو النجا. وتردّد أن اللجنة أثناء اختيار اللائحة الطويلة في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كانت قد اتفقت على أولوية عدد من الأسماء، ثم تم الانقلاب عليها من قبل بعض الأعضاء في الاجتماع الأخير، مما أغضب أبو النجا والرحبي اللذين كانا يميلان لاختيارات أخرى. وإذ بقي الموقف النهائي لسيف الرحبي غير واضح فإن أبو النجا قدمت استقالتها من عضوية لجنة التحكيم بعد ظهر أمس وتركت كرسيها فارغا.

من ناحية أخرى، قالت رنا إدريس صاحبة «دار الآداب» ناشرة رواية «اسمه الغرام» لعلوية صبح، إنها تعتبر أن اللجنة أخرجت الرواية من سباق الجائزة تحت ضغط ما نُشر في الصحف حول صفقات ودسائس لإيصال الرواية إلى المرتبة الأولى. وتضيف إدريس: «أنا متأكدة مليونا في المائة أن اللجنة تأثّرت بما كتب وقيل. ومن المؤسف أن هذا حصل، لأن رواية علوية صبح لا تقل أهمية عن أي من الرّوايات الست التي فازت.. إن لم تكن تتجاوزها». وعدم حضور اثنين من أعضاء اللجنة المؤتمر الصحافي دلالة على خلافات داخل اللجنة خطيرة. إذ إنها سابقة، ولم يحدث من قبل أن عقد مؤتمر صحافي للجنة تحكيم بغياب أحد أعضائها».

جدير بالذكر، أن أحدا من أعضاء لجنة التحكيم لم يقدّم استقالته من قبل، لكن الكاتب والناشر رياض الريس كان قد قدم استقالته العام الماضي من عضوية مجلس الأمناء، وأثار صخبا كبيرا، احتجاجا على الطريقة غير السليمة التي تدار بها الجائزة، ونفوذ لبعض الأشخاص فيها.

ومن هنا حتى يتم الإعلان عن الفائز أو الفائزة النهائية بالجائزة في أبوظبي في الثاني من مارس (آذار) المقبل، وهو اليوم الأول لمعرض أبوظبي للكتاب، من المتوقع أن تشهد الساحة الثقافية معارك جديدة عديدة، تكون محورها هذه الجائزة المثيرة للنزاعات.