سجاد مركز ويصا واصف يزين قاعات المتاحف العالمية

من ضمنها المتحف البريطاني ومتحف بريستول

TT

يقوم الحرفيون في مركز رمسيس ويصا واصف في قرية الحرانية المصرية بنسج لوحات فطرية بسيطة تحمل ومضات من الحياة المصرية في الأرياف وفي المدن، ونالت تلك اللوحات الفطرية، التي تقدم رؤية بديعة للريف والمدينة المصرية، شهرة عالمية وذاع صيتها عبر عرضها في المتاحف العالمية والاهتمام الذي نالته من جامعي التحف والأعمال الفنية.

ومؤخرا أعلن عدد من المتاحف العالمية، منها المتحف البريطاني ومتحف فيكتوريا آند ألبرت ومتحف بريستول، وقام بعضها بوضعها ضمن المجموعة الدائمة للمتحف. وعن اقتناء بعض من تلك القطع ذكرت باربرا هيلر، سكرتيرة مجلس الأوصياء لمؤسسة ويصا واصف في لندن، أن المجلس قام مؤخرا بإهداء المتحف لبريطاني قطعة من إنتاج المركز بعنوان «على ضفاف النيل» للفنان سيد محمود. وأكدت هيلر، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن المتحف سيعرض السجادة ضمن معروضات قسم أفريقيا وأميركا، ويتوقع أن تعرض للجمهور في غاليري «سانزبيري» في عام 2010، ويمكن لمن يريد رؤيتها قبل ذلك أن يتصل بقسم المنسوجات بالمتحف. السجادة تحمل منظرا ريفيا يحفل بالتفاصيل التي برع في تصويرها الحرفيون في مركز ويصا واصف. فالحياة الريفية بتفاصيلها الصغيرة وألوانها الحية هي مصدر الإلهام لهؤلاء الفنانين.

ومن جهة أخرى أعلن عن اقتناء متحف بريستول قطعة أخرى من مجموعة واصف وهي بعنوان «زهور النيل» للفنان محروس عبده، وهي ستعرض في المعرض الدائم بقاعة المصريات التي تضم قطعا من الحضارة المصرية القديمة وقطعا من الفن المصري الحديث.

ومن جانبه يذكر متحف فيكتوريا وألبرت على موقعه الإلكتروني أن القطعة التي اقتناها المتحف من منتجات المركز هي للفنان علي سليم، الذي انضم إلى مركز ويصا واصف وهو في السادسة من عمره، وأصبح الآن من أهم الفنانين هناك. اللوحة التي نسجها سليم في عام 1985 تقدم معادلا معاصرا فريدا لمجموعة المنسوجات المصرية التي تضمها قاعات المتحف. ويذكر الموقع أن اللوحة، التي تحمل الطابع المميز للوحات مركز واصف وقرية الحرانية، تقدم صورة حية من الطبيعة تتسم بالحيوية والعفوية.

ومن أعمال الفنان علي سليم أيضا اقتنى غاليري «ويتوورث» في مدينة مانشستر قطعة بعنوان «مشهد مصري طبيعي»، وتذكر هيلر أن الغاليري قرر وضع القطعة ضمن مجموعته الدائمة.

أما متحف بيتري للمصريات، وهو تابع لجامعة لندن، فسيعرض قطعة سجاد للفنان سيد محمود بعنوان «بحيرة دهشور» وتنضم السجادة إلى المجموعة النادرة التي يضمها المتحف وتبلغ 80 ألف قطعة تصور الحضارة المصرية عبر العصور. وتضيف هيلر أن المتحف سيعرض السجادة ضمن معرضه عن حضارة «العمارنة» الذي سيقام في عام 2011.

ولعل الوجود الواضح لأعمال فناني مركز ويصا واصف في المتاحف العالمية هو أكبر تكريم لمسيرة واصف الذي عاش حياته بقناعة أن كل إنسان في داخله قدرة على الإبداع والابتكار، واستطاع عبر تلك القناعة أن يخلق أجيالا من فنانين من نوع خاص اكتسبوا الشعبية في مصر والعالم، وأهدوا الحياة الفنية في مصر عبر 50 عاما أعمالا فنية تلقائية نفذت بأيدي أشخاص غير متمرسين على استخدام الأدوات الفنية، بدأوا مشوارهم الفني مع المركز وهم أطفال واتخذوا من نسج السجاد حرفة لهم انطلقت بهم إلى العالمية.

والمعروف أن واصف بدأ تجربته الفريدة في قرية الحرانية على أطراف الجيزة، حيث قام بتقسيم مجموعات عمل من أطفال القرية تتراوح أعمارهم بين 8 و12 سنة لاقتناعه بأن الأطفال أقدر على التعبير الفني الحر غير المقولب. وقام واصف بإلحاق الأطفال بمركز فنون السجاد بالقرية الصغيرة، واختار فن النسيج لأنه عمل يتطلب الوقت والصبر والمثابرة، كما أنه يعطي للطفل فرصة لدمج مفردات الواقع حوله مع خيالاته الخاصة. وهكذا بدأ عمل واصف مع الأطفال وحتى يضمن استمرارية مشروعه اشترى قطعة أرض قريبة من القاهرة ليبني مركزا لعمله.

واعتمد المركز على المنهجية التجريبية في الفن، فلا توجد رسومات أو مخططات مسبقة لشكل العمل الفني الذي يقوم به الصغار، بل إن الأمر كله متروك لملكة الإبداع الفطري التي ولدت معهم بشكل تلقائي.

اعتمد واصف على تنمية الحس الإبداعي عند الأطفال جنبا إلى جنب مع تنمية الحس المهني، حيث يجعلهم يبدأون بأنوال صغيرة وبعدد قليل من الخيوط وبألوان قليلة ونوعيات خيوط سهلة في التعامل معها، وبمرور الوقت تنمو الحاسة الإبداعية ويكبر معها مقياس العمل ليصل إلى الأنوال الكبيرة التي يعمل عليها أكثر من فرد وبتنوعات من الخيوط والألوان تسمح بخروج أعمال إبداعية على درجة أكبر من التعقيد. ولعل أهم ما يذكره المقربون من واصف هو قدرته على «الصبر والحب والاحترام» مانحا الأطفال الوقت الكافي لتنمية مواهبهم ورؤيتهم للطبيعة حولهم.

بعد وفاة ويصا واصف عام 1974 تعهدت زوجته وأولاده بالعمل والإشراف على المركز، مستكملين حلم الفنان المصري في أن يصبح كل إنسان في الحرانية فنانا بالفطرة يخرج أعمالا متفردة يستحيل تكرارها، تحمل المعنى الحقيقي للإبداع الفني البعيد عن التنظير والمنهجيات المنظمة، كما نجح خلفاء ويصا واصف في إضافة الكثير من الصناعات اليدوية الأخرى مثل صناعات الخزف اليدوي والأغطية والملابس اليدوية.

من الجدير بالذكر أن أعمال أطفال الحرانية طافت كل دول العالم ونالت الكثير من الجوائز في معرض سويسرا عام 1957 وقد نالت أسرة الفنان ويصا واصف جائزة «أغاخان» عام 1983 تقديرا لأعمال الفنان العظيم.