مهرجان للخرافة في تونس

يعود بالذاكرة إلى الحكواتي في الشرق والفداوي في تونس وطرق الحكي التقليدية

الممثل طارق الزرقاطي في ثوب الفداوي («الشرق الأوسط»)
TT

يقام في تونس حاليا مهرجان الخرافة الذي يتواصل إلى غاية يوم 26 من شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري وسيقدم مجموعة كبيرة من الخرافات يرويها نجوم المسرح التونسي كما تنظم ندوة عربية تحت عنوان «الخرافة في العالم العربي» وهو ما أعطى بعدا آخر للمهرجان.

عندما تم الإعلان عن الإعداد لتنظيم مهرجان الخرافة، ظن البعض أن المنظمين قد أخطأوا التسمية وربما كانوا يقصدون بذلك الحكاية لأن الخرافة ارتبطت بمعان سلبية في معظم الأحيان، ولكن الإجابة جاءت من مديرة المهرجان في دورته الثانية هدى بوريال التي صرحت لـ«الشرق الأوسط» بأن المهرجان يعنى حقيقة بالخرافة وهو موضوع شاسع وعلى ارتباط وثيق بالحكواتي في الشرق وبالفداوي في تونس وهي كلها إحالات على إرث ثقافي وحضاري مهم معتمد على الخطاب الشفوي. وأضافت بوريال أن المهرجان سيسعى كذلك لاستغلال الخرافة في المسرح وكذلك في السينما، وما شجع المنظمين على المواصلة في هذه المغامرة أن الدورة الأولى عرفت إقبالا مهما من قبل التونسيين الذين أعادوا اكتشاف الحكاية بأبعادها الحضارية والأسطورية.

مهرجان الخرافة الذي يحتضنه النادي الثقافي الطاهر الحداد، سيقدم مداخلات علمية متنوعة في إطار الندوة الفكرية حول «الخرافة في العالم العربي» وتتضمن «الخرافة التونسية والإيطالية: دراسة مقارنة» تقدمها التونسية إيمان المناعي، و«الخرافة الشعبية العمانية ومضامينها الاجتماعية تقدمها التونسية سامية الجويني، إلى جانب مداخلة ثالثة موضوعها «الطفل في الخرافة الشعبية البحرينية» ويقدمها التونسي محمد الجويلي. ويترأس الجلسة العلمية للندوة إبراهيم البلوي من جامعة آل سعود بالرياض.. وتحت عنوان «الخرافة في المسرح» تقدم مسرحية عنوانها «هيا نكتب حمراء ـ حمراء» كما تعرض ثلاثة أفلام لهاري بوتر تحت باب «الخرافة في السينما».

وتقدم مجموعة من المسرحيين التونسيين خرافات ترويها مباشرة أمام الجمهور وتضم قائمة المسرحيين مراد كروت وطارق الزرقاطي وكمال العلاوي والشاذلي الورغي والعروسي الزبيدي.

حول المشاركة في هذا المهرجان، قال الممثل التونسي مراد كروت، إنه سيقدم عرضا تحت عنوان «وعد الله» وهي على ارتباط وثيق بالخوارق والأحداث الغريبة التي تقدم السلطان وابن السلطان وبقية الرعية بما يكون معادلة الطرف الضعيف في صراع مع الطرف القوي. وقال كروت إنه سيرتدي بهذه المناسبة لباسا خاصا بالفداوي التونسي من شاشية تونسية وجبة عربي وبدعية.. كما سيقدم مجموعة من الملح والطرائف والقراءات الشعرية الفكاهية قبل أن يدخل صميم الموضوع وهو بذلك يحاول الاستيلاء على انتباه المتفرج. وقال إن مهنة الفداوي صعبة للغاية وهي تتطلب خيالا شاسعا وثقافة واسعة فلا يمكنه الخروج عن إطاره التقليدي مثل عرض الخرافة في مكان مغلق وفي إطار محدود مع متفرجين يحسنون الإنصات للحكاية ويتفاعلون معها. وأضاف كروت أن للفداوي التونسي في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى طقوس معروفة مثل تناول الحلوى الشامية و«القطايف» وأكلة «الهردبة» وهي مكونة من العسل والسمن والفواكه الجافة ومكونها الأساسي السميد الأحرش. وقال كروت إن الرجوع إلى الفداوي وطرق الحكي التقليدية ليست من باب الحنين إلى الماضي ولكن من باب التثقيف والمحافظة على الجوانب المضيئة في تراثنا الشفوي، فبالإمكان تطوير شخصية الفداوي من قالبها التقليدي إلى عمل فني فيه الكثير من الابتكار من دون الخروج عن الإطار العام للفداوي وخاصة جوانب الفرجة محور اهتمام الناس.

ومن ناحيته قال الممثل التونسي طارق الزرقاطي إنه قضى إلى الآن 42 سنة في أروقة المسرح وهو متأثر للغاية بأجواء الحكي وطرقه وقد رافق والده منذ أن كان صغيرا إلى عديد من الفضاءات المهتمة بالتراث الشفوي وتفرج على الفداوي في متحف القبة ومقهى العابد وفضاء سيدي الشريف وكلها فضاءات موجودة في مدينة سوسة الواقعة على الساحل الشرقي التونسي. وعن العرض الذي سيقدمه قال الزرقاطي إن مداحا سيقدم العرض مرفوقا بضارب للطبل حتى يستنفر حواس المتفرج ثم يأتي دور الفداوي الذي سيقدم خرافة «كلامنا قياس» التي ستكون مسبوقة بدورها بمجموعة من الأحاجي والمواقف الهزلية والشعر. وأضاف الزرقاطي أن تراثنا الشفوي غني بالخرافات الخارقة، وهو ينطلق من ألف ليلة وليلة ليصل إلى حكايات عبد العزيز العروي في تونس. وقال إنه يقدم الخرافة في الشارع والمقهى والخيام الكبرى وقد تمكن خلال السنة الماضية من تقديم 30 عرضا للفداوي. وانتقد الزرقاطي بالمناسبة التأثير السلبي للفرجة على الصور المتحركة في صفوف الأطفال، قائلا إنها دمرت جانبا من المخيلة التي أسسها الفداوي خلال سنوات طويلة وما بنته الجدات من حكايات بسيطة وطريفة ولكن تأثيراتها على شخصية الأطفال كبيرة ومهمة للغاية.