السعوديون يخرجون ملابسهم الملونة من خزائنها ويشعلون الحطب في المواقد

«فاكهة الشتاء» تستهوي السكان مع حلول موسم قارس

سعودي يبيع الحطب في الرياض (أ.ف.ب)
TT

أخرج السعوديون ملابسهم الملونة من الخزائن، وزاروا أسواق الحطب لأخذ نصيبهم منه ترقبا لشتاء توقع خبراء الأرصاد الجوية أن يكون قارسا ومطيرا ومختلفا عن مواسم الشتاء الماضية، وأشعل سكان معظم المناطق، خاصة الوسط والشمال، النار في المواقد بعد أن تحول طقس يوم أمس إلى أجواء ربيعية بتلبد السماء بالغيوم ونزول أمطار متفرقة متفاوتة الكمية.

وعلى الرغم من أن وسائل التدفئة الحديثة التي تعمل بالكهرباء أو الغاز أو الوقود متوفرة في الأسواق وفي داخل المنازل، فإن السكان يفضلون النار عليها ويعتبرونها فاكهة الشتاء التي لا تعوض ولا تنافس.

ودفع الاحتطاب الجائر الذي يمارسه بعض السكان والمقيمين إلى اتخاذ السلطات إجراءات بمنع بيع الحطب المحلي مع فتح باب الاستيراد من الدول التي تتوفر فيها هذه السلعة الرائجة والمطلوبة حفاظا على الغطاء النباتي في الصحارى ولزيادة مساحة الغابات التي تشكلها الأشجار المعمرة والموسمية من خلال إنشاء المحميات الطبيعية.

وشجع الطقس الذي ساد معظم المناطق منذ بداية دخول الشتاء وموسم الإنبات الذي يعرف باسم «الوسمي» وسقوط أمطار مبكرة، على رواج سلعة الحطب التي تعد من أساسيات الرحلات، بل إن نار الشتاء أصبحت ضمن أولويات السعوديين داخل منازلهم من خلال تخصيص غرف وملاحق داخل المساكن تعارف الناس على إطلاق اسم «المشب» عليها، وتأخذ هذه الغرف طابعا تراثيا سواء بطرازها المعماري أو بتجهيزاتها، وتكون عادة مبنية من الطين أو الحجارة أو الطوب والفخار، وبعضها يطلى بأصباغ مشابهة لمادة الطين.

وتزامن الطقس المطير والغائم مع حلول إجازة نهاية الأسبوع، وهو ما دفع السكان إلى التوجه إلى البراري ونصب الخيام فيها، في وقت تحركت فيه أسواق تأجير الخيام ومعدات الرحلات لتلبية طلبات المتنزهين.

واستيقظ سكان العاصمة السعودية منذ صباح أمس على أجواء ربيعية حيث تلبدت السماء بالغيوم ونزلت الأمطار على أماكن التنزه وداخل الأحياء بدرجات متفاوتة، وفضل البعض من السكان البقاء في منازلهم لمتابعة مباريات الجولة الرابعة من دوري «زين» للمحترفين، ثم انطلقوا بعد انتهاء المباريات إلى البراري وأدرج البعض اللواقط الفضائية مع أدوات الرحلات لمتابعة المباريات التي أقيمت عصرا ومساء.

ولأول مرة تمتع موظفو القطاع الخاص والمصارف بهذه الأجواء بعد أن حرموا منها طيلة العقود الماضية عندما كان يوم الخميس لا يدخل ضمن الإجازة الأسبوعية ولم يكن الطقس حينها بهذه المتعة.

وتتم عمليات بيع حمولة الحطب من خلال نقلها بسيارات صغيرة تتراوح أسعارها بين 500 إلى 600 ريال، وتصل إلى المستهلك بهامش ربح يصل إلى 100 ريال في الغالب على الأسعار السائدة بين الحطابين والباعة، في حين تصل أسعار حمولة سيارة النقل الكبيرة إلى ألفي ريال وتصل إلى المستهلك بسعر يزيد على سعر بيعها بـ500 ريال، كما تباع كميات صغيرة بحزم محدودة الأعواد أسعارها تتراوح بين 20 إلى 60 ريالا حسب جودة الحطب ونوعيته.

ويفضل المستهلكون حطب «الأرطى» الذي ينمو في الصحارى الرملية ويتميز بأن جذوره ضخمة، وهو الأجود لعمليات التدفئة والطبخ، كما أن الدخان المتصاعد منه يعد مقبولا وغير مزعج، لكنه نادر ويحتاج جمعه إلى جهود مضاعفة. ويأتي «الغضا» في المرتبة الثانية من حيث الجودة، ويتميز بسرعة اشتعاله وشدة توهجه وحرارته، لكن ناره لا تدوم طويلا فسرعان ما يتحول إلى رماد مطفأ، كما أن رائحة دخانه غير مؤذية للعين، ولهذا السبب يفضل المعالجون بالكي استخدامه لمرضاهم. ويأتي نوع «السمر» في المرتبة الثالثة من حيث الجودة، لكنه الأكثر استخداما والمفضل لدى المتنزهين، خاصة في الرحلات القصيرة. أما حطب «الطلح» فإن استخدامه غير شائع لندرة وجود أشجار ميتة منه بسبب قدرته على تحمل العطش واخضراره، لذا فهو يعد نوعا صعب التقطيع، كما توجد أنواع أخرى من الحطب؛ وهي: الرمث والسلم والعجرم والقرص، لكن استخدامها غير شائع، وإذا استخدمت فإنها تكون مقصورة على إشعال أنواع أخرى من الحطب كالأرطى والسمر.

ونجحت الجهود التي أقرتها السلطات السعودية بخصوص الاحتطاب في إعادة الغطاء النباتي في كثير من المناطق إلى وضعها السابق، كما أقرت غرامات تطبق بحق المخالفين تتراوح بين 500 إلى 1000 ريال عن كل شجيرة أو شجرة على التوالي وتستوقف أجهزة أمن الطرق والدوريات الأمنية المحتطبين الذين يحملونها في سياراتهم متوجهين بها إلى الأسواق وإلزامهم بإبراز التراخيص الخاصة بذلك وفي حالة عدم وجودها يتم مصادرة الحمولة وتطبيق غرامات بحق المخالفين.

ويكتفي هواة الاحتطاب ورواد البراري من دعاة الحفاظ على البيئة بشراء الحطب من الأسواق أو التقاطها من الأشجار والجذوع الميتة أو من ما اقتلعته السيول الماضية، في حين يعمد البعض إلى قطع الأشجار حية وتخزينها أيام الصيف وبيعها في الموسم، كما برزت ظاهرة سكب المحروقات النفطية على الأشجار الخضراء لتموت ثم العودة إليها بعد عام لتكون جاهزة للقطع.

وكانت وزارة الزراعة قد نبهت إلى خطورة عملية الاحتطاب، مما يؤدي لتدهور الغطاء النباتي في البلاد بمعدلات سريعة، مما نتج عنه مشكلات جمة تتعلق بالتصحر وتدهور بيئة الإنسان والتنوع الحيوي والتسبب في حدوث تعرية هوائية ومائية للتربة وانخفاض في كمية المياه التي تغذي الطبقات الحاملة للمياه الجوفية، وما ينتج عن ذلك من زيادة معدل حدوث الفيضانات والسيول الجارفة التي قد تسبب خسائر بشرية واقتصادية.

وأشارت الوزارة في توضيح لها في هذا الشأن إلى أن الاحتطاب قد يؤدي إلى ازدياد معدلات زحف الرمال مسببا خسائر كبيرة للمنشآت والمزارع وازدياد مساحات الأراضي المتصحرة وبطريقة غير مباشرة لرفع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع في معدل درجات الحرارة ليسهم ذلك في التأثير على التغير المناخي بوجه عام.

وأكدت الوزارة بناء على تلك الأسباب وتماشيا مع الاستراتيجية العامة للغابات وخطة العمل الوطنية وتحقيقا لأهدافها ولأهمية المحافظة على الغطاء النباتي الطبيعي في المملكة ولتنامي مخاطر الاحتطاب على البيئة والتنمية المستدامة، على الالتزام بتنفيذ التوجيهات السامية بمتابعة القرارات الخاصة بإحكام الرقابة في جميع مناطق المملكة على مزاولة نشاط الاحتطاب بجميع مراحله بما في ذلك النقل والبيع، ومن ذلك منع بيع الحطب والفحم المحلي في أسواق الحطب والفحم والاكتفاء بالمستورد.

كما تم منذ عقد إيقاف إصدار تراخيص الاحتطاب والتفحيم ونقلهما وكذلك منع تصدير الحطب والفحم من داخل المملكة إلى خارجها منعا باتا، وتم نشر أكثر من 110 حراس غابات والتعاقد مع إحدى الشركات الأمنية المتخصصة لتوفير 112 حارسا ومراقب غابات مع تزويدهم بالسيارات وأجهزة الاتصال اللازمة، وصدر قبل سبع سنوات مرسوم ملكي يقضي بإعفاء الحطب والفحم المستوردين من الرسوم الجمركية وتم تفعيل هذه الإجراءات.