فاطمة لوتاه تفتح للإبداع الفني الإماراتي نافذة على أوروبا

بتواضع صامت وفي اغتراب اختياري في معرضها في «فيرونا»

فاطمة تمنح مشاهدي أعمالها حرية تسميتها وحرية عنونتها («الشرق الأوسط»)
TT

لم أشك أبدا في قيمة الحركة التشكيلية الإماراتية ولا في أصالتها، رغم عدم أخذها مساحة معقولة في الحركة التشكيلية العربية، التي بدورها لم تبلور هوية خاصة في «بانوراما» العمل الفني والثقافي المعاصر على المستوى الأوروبي، أو العالمي، لأسباب لست بصدد شرحها الآن.

ولكن المحاولات الفردية لبعض الفنانين العرب، كل بأسلوبه وإمكانيته بين الإخفاق والنجاح، كان مصيرها دائما النسيان والضياع. فلو جمعت كل هذه الجهود الخاصة والفردية فنحن الآن من دون شك أمام بداية تكوينية لفن عربي متميز.

ومعظم الفنانين العرب سلكوا دروبا قاسية ليصلوا إلى ما وصلوا إليه بشكل وجهد فردي، ولا أعني هنا مساعدة الدولة ومؤسساتها «الثقافية»، فهم عانوا الأمرين. فلا الدولة ولا دوائرها الثقافية كانت على وعي بأهمية العمل الفني.

هنا فاطمة لوتاه بتواضع صامت وفي اغتراب اختياري صعب تفتح للإبداع الفني الإماراتي نافذة على أوروبا في معرضها الأخير في «فيرونا»، والذي انتقل إلى «دبي» بعنوان «الغزل» في تجربة فردية وفريدة. فهي في مشغلها الكبير في هذه المدينة الإيطالية حسمت أن تترك أثرا عربيا في هذا المثلث الجغرافي - التاريخي بين الفينيتو وتوسكانا ولومبارديا «مثلث» النهضة الأوروبية فنيا وثقافيا.

في هذا المشغل تحيك الفنانة «فاطمة لوتاه» ألوانها ومفرداتها التشكيلية بجرأة لا نظير لها، وكأنها تذوب على سطوح لوحاتها خصوصا الكبيرة منها، فهي على طول 8 أمتار من «الكنفاس» لا تقف على تفاصيل تشكيلية محددة أو اعتبارات كلاسيكية لتقارب الوحدات اللونية، فهي وكأنها تعبر مساحة سحرية في قرار التواصل، تاركة ألوانا حارة مستحيلة التناسق، وهذه تستقر، وفي النهاية تصطف الألوان لوحدها.

منذ 3عقود وأنا على اطلاع من قريب أو من بعيد على تجربة فاطمة، حيث معا بدأنا الدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد. في هذا المعرض فاقت حتى توقعاتها، باعتقادي، لأن إنجاز أعمال بهذا الحجم الكبير والهارمونية يحتاج أولا إلى الجرأة في نثر الألوان، ويحتاج لصفاء ذهن، وأيضا لقرار عاقل.

فاطمة رغم المغامرة «اللامعقولية» هي في مشروع جمالي مستمر، معتمدة تجربتها الطويلة في معظم الحركات الحداثية الأوروبية، وفي الوقت نفسه هي لا تتخلى عن هويتها الشرقية الإماراتية، فألوانها كأبسطة سحرية في حركة إشراق دائمة، وهي ألوان «الغزل» العذب الغامض، ففيها يذوب الشعر وتمتزج الكلمة مع اللون لتترك المشاهد في حيرة أو حرية التفسير. هنا يكمن الجزء الأكبر من العملية الفنية. ففاطمة تمنح مشاهدي أعمالها حرية تسميتها وحرية عنونتها، لأن أعمالها تثير هذا التناقض الساكن، فتبحث عن الكلمة ولا تراها ولكن «الغزل» مخيم على كل فضاءات أعمالها. فالاهتزاز بين اللوحة والمشاهد تلاحظه حيا وكأنما الألوان سرب من كلمات تسبح صاعدة أو هابطة متحركة في كل الأحوال، فمن يدخل عالم الألوان هذا تراه «متورطا» في وحدات تشكيلية ولونية فيها سيلتقي روحه.