نساء السعودية في 2009.. عام عنوانه «لأول مرة»

مناصب قيادية غير مسبوقة للمرأة في مختلف القطاعات

د. لمى السليمان مع الشيخ صالح كامل رئيس الغرفة التجارية الصناعية بمدينة جدة
TT

تكاد تكون عبارة «لأول مرة» الأكثر تكرارا لوصف أبرز أحداث الواقع النسوي في السعودية خلال عام 2009، إذ شهد هذا العام وصول المرأة لمناصب قيادية غير مسبوقة في مختلف القطاعات، مثل: «أول نائبة وزير، أول مديرة قناة حكومية، أول نائبة لرئيس غرفة تجارية، وغيرها»، بالإضافة إلى إنجازات علمية واقتصادية رائدة حققتها المرأة، وهو ما يجعل العام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة عاما تاريخيا في مسيرة السعوديات، بعد أن لاحقتهن «الفلاشات» والمفاجآت طيلة الـ12 شهرا الماضية.

كانت البداية مع تعيين نوره الفايز في منصب نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون البنات، شهر فبراير (شباط) الماضي، كأول سيدة سعودية تشغل هذا المنصب الوزاري، وهو ما أعطى إشارة لدخول المرأة السعودية مرحلة المناصب القيادية في بقية الوزارات والقطاعات الحكومية، حيث علقت الفايز حينها لـ«الشرق الأوسط» قائلة «أعتقد أن هذه هي البداية لوزارات أخرى».

وقد نال خبر تعيين الفايز اهتماما وجدلا محليا ودوليا أيضا، بعد أن اختارتها مجلة «التايم» الأميركية ضمن قائمة الشخصيات الـ100 الأكثر تأثيرا في العالم، شهر مايو (أيار) الماضي، حيث احتلت المرتبة الحادية عشرة، متجاوزة بذلك الرئيسين الأميركي باراك أوباما، والفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي جاء في المركز الـ14، وقد وصفت المجلة تعيينها بـ«التغيير الصغير الذي أحدث زلزالا».

ولم يكن «أول الغيث قطرة»، بل قطرات ومفاجآت اجتاحت قطاعات حكومية أخرى، فبعد مرور أقل من 4 أشهر على خبر تعيين الفايز، صدر قرار تعيين الدكتورة أروى الأعمى في منصب بارز في وزارة الشؤون البلدية والقروية، إذ تمت ترقيتها إلى منصب مساعد الأمين العام لشؤون تقنية المعلومات بأمانة جدة، ولتكون بذلك أول سعودية تشغل منصبا قياديا على مستوى أمانات المدن. وفي مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أسندت وزارة الثقافة والإعلام مهمة إدارة القناة السعودية الخامسة «أجيال» للإعلامية سناء مؤمنة، لتكون أول مديرة لفضائية سعودية، وهو ما يمثل أعلى منصب نسائي حكومي إعلامي في السعودية، إلى جانب أن سناء مؤمنة أصبحت من النساء العربيات القلائل اللواتي حصلن على هذا المنصب القيادي في قطاع الإعلام.

وعلى ضوء هذه القرارات الحكومية غير المسبوقة، دخل القطاع الخاص على خط فتح الباب للمرأة السعودية لشغل مناصب أولى من نوعها، إذ أصدر الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة «المملكة القابضة»، شهر مارس (آذار) الماضي، قرارا يقضي بتعيين ندى العتيقي في منصب المدير العام لمركز «المملكة»، لتكون أول سعودية تتبوأ منصبا قياديا في مجلس الأسواق التجارية والمراكز الإدارية، وهو ما جاء تماشيا مع قرارات مجلس الوزراء السعودي التي تدعم الدور القيادي للمرأة في البلاد.

وفي السابع من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، احتفت الأوساط الاقتصادية باختيار الدكتورة لمى السليمان نائبة لرئيس الغرفة التجارية الصناعية بمدينة جدة، لتحقق بذلك أعلى منصب تناله المرأة على مستوى الغرف التجارية، بعد أن كان أقصى طموح للمرأة هو الفوز في انتخابات عضوية مجلس إدارة الغرف التجارية، وعلقت السليمان حينها بالقول «إنه لشرف لي وللمرأة السعودية انتخابي لمنصب نائب الرئيس، وهي مسؤولية وامتداد كبير لما حققته المرأة من مناصب متقدمة في بلادنا».

جاء ذلك بعد أن نافست السليمان بشراسة في انتخابات مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، محققة 557 صوتا انتخابيا، لتكون كذلك أول امرأة سعودية تصل إلى مجلس إدارة غرفة تجارية بالانتخاب مرتين متتاليتين، وهو ما اعتبر إنجازا صعبا، في ظل تعثر معظم التجارب النسائية المماثلة لسيدات الأعمال السعوديات اللائي خضن التجربة الانتخابية في بقية الغرف التجارية.

وعلى المستوى الانتخابي أيضا، حققت المهندسة السعودية نادية بخرجي الفوز النسائي الوحيد في انتخابات عضوية مجلس إدارة هيئة المهندسين السعوديين، التي عقدت شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك للمرة الثانية على التوالي، إذ كانت قد فازت في الدورة السابقة ثم فازت مرة أخرى في الدورة الأخيرة، مدعومة بـ614 صوتا انتخابيا، لتنتزع المقعد النسائي الوحيد في هيئة المهندسين من جملة 10 مقاعد، تنافس عليها نحو 60 مرشحا من الرجال.

ولم تقتصر عناوين «لأول مرة» على النطاق المحلي فقط، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حصلت السعودية غادة باعقيل على جائزة أفضل مشروع تجاري نسائي في العالم، من منظمة «شباب الأعمال العالمية» (YBI)، التي تشرف على الجائزة وتنظمها، لتكون بذلك أول عربية تحصل على الجائزة التي يتنافس عليها سنويا عشرات المشاريع الشابة من مختلف أنحاء العالم.

وجاء اختيار مشروع باعقيل الذي يحمل اسم «مركز المدينة لأطفال التوحد»، ضمن نحو 40 مبادرة مستقلة لمشروعات الشباب، التي تنتمي إلى منظمة «شباب الأعمال العالمية»، إذ تفوقت غادة، التي تحمل شهادة الماجستير في التوحد، على منافسيها في الجولة الأخيرة، وقد أعلن عن فوزها في حفل توزيع الجوائز في قصر سانت جيمس في لندن، خلال الأسبوع العالمي لمبادرة شباب الأعمال.

ومن غادة باعقيل إلى غادة المطيري، العالمة السعودية التي نالت اهتماما إعلاميا غير مسبوق، بعد ظهور اسمها على لائحة المخترعين الجدد في أميركا، شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ونيلها أرفع جائزة للبحث العلمي في أميركا، ودعمها ماليا بقيمة 3 ملايين دولار، حيث تحاول غادة اكتشاف معدن يُمكّن أشعة الضوء من الدخول إلى جسم الإنسان في رقائق تسمى «الفوتون»، وبما يسمح بالدخول إلى الخلايا دون الحاجة إلى عمليات جراحية.

بالإضافة لذلك، فالمطيري (32 عاما)، تترأس مركز أبحاث بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وكانت المؤسسة الوطنية للصحة في أميركا أعلنت عن اسمها كمخترعة جديدة في مجال البحث العلمي، في احتفال بمقر المؤسسة الحكومية الأميركية قرب واشنطن. وتناقلت وسائل الإعلام المحلية سيرتها ومنجزاتها بتوسع، إذ قدمت قبل ذلك عشرة أبحاث، ومؤلفا علميا باسم (التقنية الدقيقة)، تمت ترجمته في ألمانيا واليابان وأميركا.

وأثناء هذا العام أيضا، وتحديدا في شهر أكتوبر الماضي، أدرجت مجلة «فايننشيال تايمز» الدكتورة ناهد طاهر، وهي المؤسس والرئيس التنفيذي لبنك جلف ون، ضمن قائمة أفضل 50 سيدة أعمال في العالم لعام 2009، لتكون بذلك سيدة الأعمال العربية الوحيدة التي تم إدراجها في القائمة، ويهدف التقرير، الذي تم إعداده بالتعاون مع مجموعة «إيغون زيندر» العالمية، إلى تكريم النساء المتميزات في مجال الأعمال حول العالم، الأمر الذي مثل إضافة جديدة لمسيرة سيدات الأعمال السعوديات.

أمام ذلك، تصف الدكتورة انتصار فلمبان، وهي عضو مجلس إدارة المنظمة العالمية للاتحاد الأفروآسيوي ومديرة المنظمة في السعودية، عام 2009 بـ«العام الذهبي للمرأة السعودية»، وتضيف في حديثها الهاتفي لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «المرأة في بلادنا استطاعت تحقيق إنجازات كثيرة مع إتاحة الفرصة لها، ومتفائلون بأن يشهد عام 2010 نقلات وإنجازات جديدة».

وكانت الأميرة لولوة الفيصل، المشرفة العامة على جامعة عفت بجدة، قد أوضحت لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركتها في منتدى المرأة الاقتصادي الذي عقد بمدينة الخبر مايو الماضي، أن أبرز معوق يواجه المرأة يكمن في كونها لا تعلم حقوقها التي يكفلها لها الدين الإسلامي، فيما قالت عبر كلمتها الرئيسية في المنتدى «النساء السعوديات يشكلن نصف عدد سكان المملكة، إلا أنهن يشكلن 1 في المائة فقط من صانعي القرار»، في مطالبة منها بتفعيل دور المرأة السعودية في صنع القرار.

يأتي ذلك في حين تُجمع بعض القيادات النسائية السعودية خلال حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن أوضاع المرأة شهدت تحسنا كبيرا في السنة الأخيرة، انسجاما مع تعيينها في مناصب ظلت لسنوات حكرا على الرجال فقط، ومع إصدار مجموعة من القرارات الوزارية التي تنادي بتوسيع فرص المشاركة النسائية في العمل والتعلم، مما يجعلهن متفائلات بأن يكون العام المقبل امتدادا للنقلات النوعية التي تحققت في 2009، على صعيد «المناصب القيادية» والقرارات الداعمة للمرأة السعودية.