مطعم للوجبات السريعة يتحول إلى ظاهرة في الأردن

عشاقه يقولون إنه أشبه بـ«ماكدونالدز» العالم العربي

يعترف الأردنيون أن الشاورمة وجبة مستوردة من الخارج لكن من الواضح أنها تحولت إلى وجبة محلية، بعد أن جرى تعديلها لتناسب الأذواق والعادات المحلية («نيويورك تايمز»)
TT

إذا نجحت في إبطاء حركة الصورة، هذا ما ستراه: ملعقة من الصوص، وقليل من البصل، وقليل من الطماطم، مخلوطة ببعض اللحم، ثم توضع داخل رغيف من خبز «بيتا».

لكن من يملك متسعا من الوقت كي يبطئ سرعة الصورة، فالزبائن محتشدون دائما أمام البوابة - تحت قيظ صيف الأردن أو في البرد القارس لليلة شتاء في هذه البلاد الصحراوية - خارج «ريم»، وهو مطعم صغير للوجبات السريعة يتميز بشهرة واسعة باعتباره أفضل مطعم يقدم ساندويتشات شاورمة من لحم الحملان والأبقار، على مستوى الشرق الأوسط.

خلف المنضدة، يقف علاء عبد الفتاح وهو يقلب المكونات بدأب وتركيز. ويعمل عبد الفتاح على إعداد الساندويتشات بسرعة كبيرة، حيث لا يتجاوز زمن إعداد كل واحد منها 4 ثوان. وعلق عبد الفتاح على المجهود الذي يبذله بقوله: «بمرور الوقت، نعتاد على الأمر»، وتوقف لحظة كي يمسح العرق من على جبينه، لكن سرعان ما عاود العمل بسبب الزحام الشديد من الزبائن.

يبيع هذا المتجر الضئيل، ذو الواجهة المفتوحة والمنضدتين المنصوبتين أمامه لصنع الشاورمة، أكثر من 5000 ساندويتش يوميا، بسعر نحو دولار واحد للقطعة. وحاليا، تملك الأسرة صاحبة مطعم «ريم» 4 مطاعم صغيرة في عمان.

ويؤكد حمزة المعيني (22 عاما)، الذي تنقل طويلا داخل عمان، ومر بالكثير من مطاعم بيع الشاورمة، كي يشتري من «ريم» تحديدا، أن «تناول الطعام هنا أصبح من الأمور الرئيسية في حياتي. لا بد لي من المجيء هنا أسبوعيا فهذا هو المطعم الأفضل على الإطلاق».

رغم ذلك، يعترف الأردنيون أن الشاورمة وجبة مستوردة من الخارج، ربما من تركيا أو اليونان، لكن من الواضح أنها تحولت إلى وجبة محلية، بعد أن جرى تعديلها لتناسب الأذواق والعادات المحلية.

لكن الوافدين إلى مطعم «ريم» لا يأبهون بذلك. لقد أتوا إلى هنا ليأكلوا فحسب، غالبا داخل سياراتهم، أو وهم يقفون خارج المطعم الصغير. ويحرصون أثناء تناول الطعام على الميل قليلا عند الخصر لتجنب تلطيخ الملابس بقطرات الزيت والصوص التي قد تتسرب من أسفل الساندويتش (حال إقدامهم على حماقة إلقاء الغلاف الورقي للساندويتش). ويعد هذا أحد المشاهد اللافتة للنظر في العاصمة الأردنية، ويعد في الوقت ذاته واحدا من المشاهد المألوفة لأي شخص سبق له المرور عبر الدائرة الثانية. (يذكر أن عمان مبنية على 7 تلال بـ7 دوائر مرورية). وتحتشد الجماهير طوال الوقت على مدار الأسبوع خارج هذا الكشك الضئيل.

من جانبه، علق ممتاز الشرفا بقوله: «إن هذا المطعم أشبه بـ(ماكدونالدز) العالم العربي»، مشيرا إلى أنه يلجأ إلى صديقه، محمد كسواني، ليوصله بالسيارة إلى المطعم لشراء ساندويتشين لكل منهما.

بطبيعة الحال، ليس بوسعنا الجزم بما إذا كان «ريم» يقدم الشاورمة الأفضل في الشرق الأوسط. والملاحظ أنه حتى داخل عمان، يوجد منافسون للمطعم. وفي الواقع، يعتقد البعض أنه يبقى للشاورمة طعمها اللذيذ، بغض النظر عمن يعدها.

من جهته، أوضح سامح شكري، الذي يعمل في مطعم «شاورمة موال»، أحد منافسي «ريم»، أنه «إذا تذوقت الشاورمة هنا وهناك لن تجد اختلافا».

ربما يكون هذا صحيحا، لكن تظل الحقيقة أن «ريم» يحظى بشهرة واسعة.

تأسس المطعم عام 1976 على يد أحمد علي بني حماد، الذي كان يعمل طاهيا في فترة سابقة في لبنان الذي يشتهر بالمطبخ الأفضل على مستوى المنطقة بأسرها. بعد فترة في لبنان، عاد أحمد إلى بلاده وأنشأ المحل، وهو عبارة عن مكان بالغ الضيق يتسع بالكاد لعامل الحسابات وفرنين رأسيين لطهي اللحم، وثمانية عاملين يعكفون على الطهي وإعداد الساندويتشات من دون توقف طوال اليوم.

لم يتغير الكثير منذ أن فتح المحل أبوابه للمرة الأولى، فيما عدا أن نجلي أحمد، سامر وخالد، هما اللذان يتوليان الإدارة حاليا. ويملك الشقيقان سيارة طراز «بورشه كاين» ويرتديان أفخم الثياب. وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يجني كثيرا من المال من وراء الشاورمة، قال سامر بني حماد، النجل الأكبر، ضاحكا: «نعم، نجني كثيرا من المال». ورث سامر أهم مسؤوليات العائلة عندما توفي والده منذ خمس سنوات، ذلك أنه يملك الوصفة السرية لصنع الشاورمة.

وأوضح سامر أن مفتاح نجاح «ريم» يكمن في مرق التخليل الذي يوضع فيه اللحم. يذكر أن سامر لم يعد يطهي الآن، مثلما اعتاد عندما كان صغيرا يعمل بجانب والده ويكشط الشاورمة أمام النيران الملتهبة طوال اليوم. ومع ذلك، يتولى إعداد مرق التخليل لأنه الوحيد الذي يعلم المكونات. وأكد أن «وصفة مرق التخليل لم تتبدل، لأنها من صنع والدي».

يجري وضع اللحم في مرق تخليل داخل مطبخ مركزي، ثم لفه حول أسياخ. ويجري وضع كرات من اللحم والدهن بالتبادل على الأسياخ لضمان قوام دهني ومذاق جيد للساندويتش. ورغم أن سامر تجنب مجرد التلميح إلى مكونات مرق التخليل، فإن مذاق الشاورمة يوحي بأنها تتضمن حب الهال الهندي، أو ربما القرفة، علاوة على تميز الساندويتشات بمذاق شديد الملوحة.

أثناء الطهي، يتحول الجزء الخارجي من اللحم إلى اللون الأسود. وهنا، يبدأ عمل أحد المسؤولين عن التقطيع، مثل عبد الفتاح، حيث يستخدم سكينا ذا نصل حاد في تقطع القشرة الخارجية للحم من أعلى لأسفل، مع الحرص على كشط الجزء المطهو فحسب، ثم ترك الأجزاء الصغيرة التي تم قطعها على النيران كي يكتمل نضوجها مع تساقط قطرات من الدهن عليها.

عندما تزداد كمية قطع اللحم الصغيرة المكومة في الأسفل، يعكف المسؤول عن إعداد الشاورمة على وضع باقي المكونات، على رأسها صوص مصنوع من حب السمسم.

يذكر أن «ريم» يستهلك يوميا أكثر من 1000 رطل من اللحم.

وأوضح سامر أن «عملاءنا ينتمون إلى مختلف الطبقات، فيمكنك أن تقابل بينهم وزيرا وعاملا وممثلا. كل هؤلاء من عملائنا، وكلهم يقفون وينتظرون دون تمييز».

من هذا المنظور، يبدو «ريم» وكأنه عامل يفرض المساواة الاجتماعية داخل مجتمع شديد الطبقية. لكن اسمه لا يوحي بمثل هذا المعنى العميق، حيث قال سامر: «ريم مجرد اسم عربي جميل. ولا يخص أي شخص نعرفه. لكن والدي كان يحب هذا الاسم كثيرا».

* خدمة «نيويورك تايمز»