المسلمون يجدون مزيدا من الأغذية «الحلال» على رفوف المحلات الأوروبية

السوق تنمو بنسبة 16% سنويا وتصل قيمتها إلى 5 مليارات يورو في ألمانيا

عزت الشركة السويسرية التي شرعت في إنتاج المواد الغذائية الحلال في الثمانينات 5 في المائة من عوائدها العام الماضي إلى منتجات الحلال
TT

أصبح من السهل، خصوصا في السنوات الأخيرة، على المسلمين في أوروبا الحصول على أطعمة حلال. الجزارون منتشرون في جميع المدن الأوروبية، وهم يحصلون على ذبائحهم من مسالخ تراعي كل الشعائر الإسلامية في الذبح، من البسملة وتصفية الدم، والتي تعتبر من أساسيات تعريف اللحم الحلال. وإذا حصل المسلم على هذا النوع من اللحم الحلال وتفادى تناول لحم الخنزير يكون قد حصل على ما يريد من أطعمة بأمان.

لكن، وللأسف، هناك الكثير من الأطعمة التي قد يتسرب إليها بعض المواد المحرمة إسلاميا، والتي قد لا تبدو ظاهرة للعيان، إذ تدخل بعض المواد مثل الدهون المحرمة في تحضير بعض الحلويات والمعجنات والخبز.

هذه التفاصيل تم التغلب عليها لدى اليهود لأن المحرمات في المأكولات عندهم، بالرغم من التشابه مع المسلمين، يلتزمون بها بطريقة أكثر صرامة في شعائرهم الدينية بخصوص المأكولات. فعند دخولك المتاجر الضخمة (السوبر ماركت) في المدن البريطانية تجد قسما خاصا للعديد من الأطعمة والمأكولات والتي تحتوي على المعلبات والبقوليات والحبوب والفواكه المجففة، والتي لا تحتوي على أي لحوم أو حتى مكونات قد تدخل في طهيها مواد محرمة حسب الطقوس اليهودية. هذا القسم من المتجر مخصص للأطعمة «الكوشر»، أي الحلال بالنسبة لليهود. هذا بالنسبة لليهود الذين يشتركون مع المسلمين في تحريم لحم الخنزير. إلا أن أطعمتهم حتى تكون (كوشر) حلالا تحتاج أكثر من خلوها من لحم الخنزير، أو أن تذبح لتصفية دم الذبيحة من الدم، كما هو الحال بالنسبة للذبح على الطريقة الإسلامية، وهذا ما يشتركون فيه أيضا مع المسلمين. وحتى تكون أطعمتهم «كوشر» فعلى الحاخام أن يراقب كل عمليات إنتاجها مثل فصل الأوعية المستخدمة في الطهي، التي يستخدم بعضها للحوم وبعضها لمنتجات الحليب ومشتقاته، وغيرها من القوانين التي تجب مراعاتها.

أما بالنسبة للمسلمين فإنه لا يوجد مثل هذا النوع من الأقسام المخصصة للمأكولات الحلال في السوبر ماركت. ربما قد يكون ذلك لسهولة تعامل المسلمين مع ما يسمى بالحلال أو الحرام من المأكولات، والتي تتلخص في طريقة الذبح، ونوعية اللحوم، إن كانت لحم خنزير، أو غيرها من المحرمات. لكن هناك بعض المواد المحرمة، مثل دهن الخنزير، التي قد تدخل خلسة في الأطعمة الجاهزة، خصوصا الحلويات الأوروبية، والتي لا تضاف إلى قائمة المكونات على أغلفة الأطعمة. فمثلا تنتشر حلوى «غومي بيرس» في ألمانيا، حيث يعشقها الأطفال من جميع الخلفيات. وتبدو الحلوى سهلة الأكل، مثل جميع المواد المحللة التي يسهل تصورها، لكن قاعدتها الجيلاتينية التي تؤخذ من البروتينات الحيوانية، ومنها الخنزير، جعلتها بعيدة عن متناول الأطفال من أبناء المسلمين الملتزمين.

تقول إنجين أرغوين، التي تبيع شركتها منتجات تلبي المعايير الإسلامية «المسلمون في ألمانيا يريدونها أيضا، لكنهم لم يستطيعوا أكلها لفترة طويلة من الزمن».

في عام 2001، بدأ «هاريبو» مصنع الحلوى في إنتاج «غومي بيرس» ببروتينات مستخرجة من غير المنتجات الخنزيرية كي يتلقى شهادة «حلال». ويقول هاريبو إن خط إنتاج الـ«غومي بيرس» الحلال الذي يباع في ألمانيا موجود في تركيا.

السوق الألمانية تحتاج إلى المستهلك التركي المسلم بسبب كثرة أعداد المهاجرين الأتراك، إذ يتواجد ملايين منهم في ألمانيا، أضف إلى ذلك أن المنتجات التي يمكن أن يتناولها المسلم باطمئنان قد تجد سوقا لها، ليس في أوروبا فقط، وإنما في أسواق الدول الإسلامية.

وتباع منتجات حلال من شركة «إيكو» في نحو 3 آلاف سوق تركية في ألمانيا، ومنها سوق «كاندي» والطعام المحفوظ ماغي من «هاريبو». وتقول أرغوين «إنه مع هاريبو، فإن موضوع الطعام الحلال في ألمانيا تلقى القدر المناسب من الشهرة». ويوجد في ألمانيا نحو 3.5 مليون مسلم من مسلمي أوروبا، والبالغ عددهم 20 مليون مسلم أغلبهم من المهاجرين قدموا إلى القارة في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.

وقد كافح المسلمون في أوروبا الغربية طويلا للحفاظ على ثقافاتهم فضلا عن عاداتهم الغذائية. وقد جلب التطور في السوق أكثر من مجرد «غومي بيرس» الحلال إلى أسواق البقالة في القارة.

فهناك نحو 400 شركة في ألمانيا توفر منتجات الحلال بحسب هيئة الرقابة والترخيص لمنتجات الحلال في أوروبا الكائنة في روسلشيم.

يقول محمود تاتاري، الذي شارك في تأسيس هيئة الحلال عام 2001 «الاتجاه في تصاعد، السوق تنمو بنسبة تبلغ نحو 16 في المائة سنويا، وتقدر قيمتها حاليا بما يتراوح بين 4 مليارات و5 مليارات يورو».

هذا الحجم الضخم لسوق الحلال الأوروبي بدأ وبخطوات حثيثة يترك بصماته في كل مكان وفي جميع مظاهر الحياة في أوروبا. معظم المدن البريطانية الكبيرة أصبحت تتمتع بجوانب إسلامية واضحة ولا تشاهد هذا فقط من خلال الجوامع المنتشرة هنا وهناك. وعندما تتجول في الشوارع الرئيسية في هذه المدن تقرأ باستمرار على واجهات المحلات إعلانات عن أن «هذه المجزرة تبيع اللحم الحلال». لقد امتدت هذه الثقافة لتطال الملاحم والدكاكين التي لا يملكها مسلمون. أضف إلى ذلك أن معظم المطاعم الهندية بدأت هي الأخرى تعلن أن وجباتها استخدم في طهوها لحوم حلال. كما انضم الكثير من المطاعم الصينية في لندن إلى سوق المأكولات الحلال، وأصبحت هي الأخرى تعلن عن نفسها أيضا بنفس الطريقة. يتحدث تاتاري عن النمو أو الازدهار الصحيح في المنتجات الحلال. وبشكل عام فإن المواد المستخلصة من نباتات هي حلال، فيما عدا المنتجات السمية بحسب جمعية التغذية الألمانية.

ويتزايد الاهتمام بين الشركات التي تريد توفير منتجات للسوق الإسلامية، لأن التجارة في منتجات الحلال تحقق ازدهارا ليس فقط في ألمانيا وأوروبا، بل في العالم أجمع، حيث تفيد التقديرات بأن المسلمين سيشكلون 30 في المائة من سكان العالم بحلول عام 2025.

وفي فرنسا امتد الأمر ليطال مطاعم الوجبات السريعة، وليس فقط محلات الشاورما التي يمتلكها عرب ومسلمون، وإنما أيضا مطاعم تقدم البيرغر. كما قامت سلسلة مطاعم «بيرغر كينغ» الأميركية، ليس فقط في الدول الإسلامية والعربية، وإنما في المناطق التي يتواجد فيها مسلمون بتقديم وجبات بيرغر حلال. وتوجد أوسع أسواق الحلال في ماليزيا وإندونيسيا والشرق الأوسط. وفي أوروبا؛ في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

والخنازير، وهي جزء من الطعام الألماني، تمثل مشكلة بالنسبة للمسلمين لأن الإسلام يحرم أكل لحم الخنزير. وترخص هيئة الرقابة على الغذاء الحلال لمنتجات العديد من شركات الأغذية الأوروبية الكبرى، منها «نستله» و«لانغنيس» وغيرها. وتحمل المنتجات التي تنتجها شركات الأدوية مثل «باير» و«باسف» و«ميرك» خاتم الحلال.

ويقول تاتاري «إن المنتجات الغذائية تمثل نحو 90 في المائة من المواد المرخصة».

ويوجد في مختلف أنحاء أوروبا أكثر من 4 آلاف منتج حلال في السوق. وقد اكتشف تجار التجزئة الحلال هذا، وأعطوا اهتماما لطلبات من كبرى سلاسل المتاجر الكبرى الألمانية. وبحسب تقديرات محللي الصناعة فإن الشركات الضخمة منتجة المواد الغذائية، مثل «نستله» جمعت أموالا طائلة من منتجات الحلال بأكثر من المنتجات العضوية.

وعزت الشركة السويسرية التي شرعت في إنتاج المواد الغذائية الحلال في الثمانينات 5 في المائة من عوائدها العام الماضي إلى منتجات الحلال. وخارج الحدود أنتجت «نستله» مشروبات الحلال ومنتجات الألبان والشيكولاتة وأكثر من 300 منتج من منتجات الحلال.

وقالت المتحدثة باسم الشركة، نينا باكيس، «إنه من ضمن 456 مصنعا لـ(نستله) في جميع أنحاء العالم، فإن 75 منها يحمل ترخيصا لمنتجات الحلال ومن بينها أكثر من 100 خط إنتاج».