تزايد الشائعات حول اكتشاف لوحة جديدة لليوناردو دافنشي في بوسطن

قد تضاف إلى أعماله القليلة التي تصل إلى 20 لوحة فقط

دافنشي: النحات والمهندس والكاتب والمخترع والعالم والموسيقي إضافة إلى كونه رساما، فقد صمم الرجل السفن وقباب الكاتدرائيات والمروحيات سابقا بذلك عصره
TT

هل العالم على وشك اكتشاف لوحة جديدة لليوناردو دافنشي؟ تلك العبقرية متعددة المواهب من عصر النهضة التي أنتجت اللوحة الأشهر في العالم (الموناليزا) والذي لم يترك لنا سوى 10 إلى 20 لوحة أخرى. إذا ما تأكدت الشائعات حول الصورة الموجودة في بوسطن فسوف تضاف إلى تلك الأعمال لوحة أخرى. ويقول خبراء الفن إن ذلك أشبه ما يكون بالدهشة لاكتشاف مسرحية لشكسبير أو ملحمة مفقودة لهوميروس. وإلى الآن لا نملك سوى لغز محير - ربما يكون عدم توافر أدلة حول شفرة دافنشي جديدة - يتدلى من خيط رفيع من الأسرار وعدد من الأدلة التي ظهرت الأسبوع الماضي. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد تلقت معلومة من أحد المصادر الذي لا يرغب في الإفصاح عن اسمه بأن متحف الفنون الجميلة في بوسطن يمتلك لوحة يعتقد أنها للفنان الإيطالي الشهير وأن عملية تجري للتحقق من أصلية اللوحة. وإذا ما تأكد أنها تعود إلى دافنشي فستكون تلك اللوحة الثانية لهذا الفنان في أميركا (اللوحة الأولى معلقة في المتحف الوطني للفنون). وقد أجرينا مكالمة مع فريدريك إيلكمان، أمين حقبة عصر النهضة في متحف بوسطن، عما إذا كان المتحف يمتلك تلك اللوحة، فقال «لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال». وسألناه قبل أن يغلق الخط «هل يمكننا أن نستشف الإجابة بنعم من هذا الرد؟».

جربنا بعد ذلك الاتصال بكاتي غيتشل، نائبة مدير المتحف، التي قالت عبر المتحدثة باسم المتحف «لا يمكننا التعليق على الأعمال التي يحقق فيها متحف الفنون الجميلة في أصليتها أو يفكر في اقتنائها». وأشارت دون غريفين إلى أنها لن تتمكن من تقديم المزيد من التعليقات.

وعندما سألنا خبير لوحات عصر النهضة، ميغويل فالومير فايوس، عما إذا كان يعلم أي شيء بشأن اللوحة، قال لنا في رسالة بريد إلكتروني إنه تناول الغداء يوم الثلاثاء مع أليكس نيغل، أستاذ تاريخ الفن في جامعة نيويورك، حيث تحدث إليه بشأن اللوحة الجديدة لدافنشي «بيد أنني لم أر اللوحة (ولا أعلم حتى بموضوعها)». من جانبه زاد نيغل من سخونة القضية ببريده الإلكتروني الذي بعث به إلينا والذي جاء فيه «كيف يمكنني أن أعلق على لوحة لم أرها؟ هل لديكم صورة لها؟». كلا نحن لا نملك صورة لها، لكن لدينا تخيل حول صالة رخامية مضاءة حيث نقف أمام مجموعة من الألوان - أهي طفل أم أنها ابتسامة أخرى تختفي تحت عينين لوزيتين - من يد دافنشي اليسرى، الذي غير مسار الرسم الغربي بموهبته الفذة ودفء مشاعره وتخطيه الحدود المألوفة. ولم نكن بحاجة إلى كتاب دان براون الأكثر مبيعا «شفرة دافنشي» كي نضع الرجل في دائرة الحيرة، لأنه موجود بها بالفعل. «إذا ما كنت تسعى إلى الخوض في بحر الغموض والعبقرية للأسرار، فدافنشي هو الشخص الأنسب لذلك».. يقول نيغل الذي قرر في نهاية الأمر أن يعلق على الخبر (وهو ما يعني أن لديه الكثير ليتكلم عنه بشأن دافنشي ومخاطر التأكد من أصلية اللوحة، لكنه أوضح أنه لم ير اللوحة، إذا ما كانت هناك واحدة فعلا). هل يمكن لكشف مفترض أن يثيرنا بهذا القدر؟ ولماذا استمر دافنشي في إمتاعنا كل هذا الوقت بعد 500 عام من وفاته؟ أعتقد أن السبب يكمن في مواهبه الهائلة التي كانت صاحبة سبق في كل المجالات. فهو النحات والمهندس والكاتب والمخترع والعالم والموسيقي إضافة إلى كونه رساما، بل ويمكنك إضافة المزيد من الألقاب إلى اسمه أيضا.

فقد صمم الرجل السفن وقباب الكاتدرائيات والمروحيات، سابقا بذلك عصره. كما منح العالم أفضل الرسوم الدينية المعروفة - لوحة «العشاء الأخير» - كما صمم الأنظمة الدفاعية لإيطاليا. وصنع لملك فرنسا ما يشبه أسدا ميكانيكيا يخرج من جسده الزنبق.

وتقول الأسطورة إن دافنشي مات بين ذراعي الملك - قصة اختلف في صحتها لا تزيد سوى في حبنا له كالقصص التي تحكي شراءه عصافير حبيسة ليطلق سراحها وتلك المحيطة بالجنسية في رسوماته (تلك الظلال للإثارة الجنسية في رسوماته). كانت رسوماته السبب الأكثر في شهرته، على الرغم من قلتها، من بين تلك اللوحات اللوحة الأشهر «موناليزا» و«فيرجين إن ذا روك» و«القديس جيريني في البرية» و«الهيام بماغي» وهي أعمال غير مسبوقة بالنسبة لألوانها الابتكارية وأساليبها المؤثرة ومطابقته المذهلة للعضلات والعظام والتعبيرات الإنسانية. ولعل اهتمامه الشديد بالتفاصيل أحد الأسباب الرئيسة وراء قلة إنتاجه، لكن ذلك كان دافعه وراء الابتكار. قال نيغل «لم يكن مهتما بالأمور العملية لإنهاء عمل، لكنه كان أكثر اهتماما بالقيام بأمر لم يقم به أحد من قبل».

كان الأمر على درجة بالغة من الأهمية بالنسبة للمتحف الوطني عندما وضع لوحة دافنشي المسماة «جانفيرا دي بينتشي» والتي اشتراها عام 1967 بخمسة ملايين دولار والذي كان في حينه أعلى سعر يدفع لعمل فني. وعندما تسلمها كارتر براون مدير المتحف كان نظيره ومنافسه الرئيس في متحف متروبوليتان للفنون توماس هوفنغ. وقد روى مات سكودل من «البوست» بعد وفاة هوفيغ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) قوله «كنت أصحو في الثالثة صباحا لأقول: يجب أن نحصل على هذه اللوحة، وعندما أصبح مسنا سأقول ليوناردو. وسيقول الناس في دار المسنين «يا للأسى إنه يظن نفسه ليوناردو». الحقيقة أنه حيثما يوجد ليوناردو يمتزج الفن والعشق. ويقول نيغل «سيغير ذلك من حظوظ متحف الفن الجميل إذا ما ثبتت أصلية اللوحة.. وإذا ما تمكنت من إثبات أصلية اللوحة فستدر عليك الكثير من الأموال. وعندما يكون هذا محور الاهتمام تشعر بضغوط كبيرة كي ترغب في أن يكون الشيء حقيقيا». ترجع أنباء اكتشاف لوحة دافنشي إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) عندما اكتشفت لوحة اعتقد أنها غير معروفة تعود إلى القرن التاسع عشر لفنان ألماني تعزى إلى الفنان الإيطالي وقدرت قيمتها بأكثر من 150 مليون دولار. لكن الشكوك لا تزال سارية بين الخبراء بشأن أصلية اللوحة. اكتشاف أي نتائج جديدة بشأن دافنشي - فقد كان واحدا من أكثر الفنانين الذين تعرضت أعمالهم للتقليد - سيكون أمرا بالغ الصعوبة، كما يشير إلى ذلك جون بريور مؤلف كتاب «ليوناردو الأميركي: حكاية الهوس والفن والمال». وقال: كلنا لدينا هذا الخيال بأننا صرنا أفضل وأفضل في عملية التحقق من أصلية اللوحات، لكن التكنولوجيا الجديدة وعلوم الطب الشرعي والتصوير بالأشعة تحت الحمراء ستخبرنا فقط بما إذا كانت ليست من عمل شخص آخر. فالتكنولوجيا العلمية جيدة في الكشف عن الأخبار الملفقة. وكي نتمكن من القول بـ«نعم» كما هو الحال في القول بـ«لا»، فإن ذلك يعتمد على العين الواعية لخبير الفنون. وهذا أمر بديهي. بالنسبة لشخص تسببت موهبته الفذة في الكثير من عمليات الاحتيال والتخمينات اللا نهائية والروايات المثيرة في العصر الحديث يبدو أن الغموض سيظل يشكل جزءا من قصته.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»