كورنيش الإسكندرية.. طقس كرنفالي تجدده السفن كل عام

أضواء وزينة وألعاب نارية ابتهاجا بالعام الجديد

ليلة رأس السنة بالنسبة للبحارة ليلة خاصة جدا تزين فيها السفن بالأنوار والأعلام، وتطلق كل سفينة صافرتها لترد عليها باقي السفن، ونبدأ في إطلاق الصواريخ والألعاب النارية («الشرق الاوسط»)
TT

مع دقات ساعة منتصف ليلة أمس، وبدء اللحظات الأولى للعام الجديد، عاشت الإسكندرية «عروس المتوسط» احتفالا مميزا، شاركت فيه العشرات من السفن والقوارب المتناثرة في مينائها ومياهها عبر الأبواق، وشرائط الزينة.

فعلى طول الشريط الساحلي للإسكندرية، الذي يمتد إلى نحو 70 كم، تهادت السفن وقوارب الصيد واليخوت في منظر أشبة بزفة الأعراس مطلقة الألعاب النارية لتضيء صفحة السماء.

واعتاد أهالي الإسكندرية هذا الطقس الكرنفالي، وينتظرونه بلهفة واشتياق، ومع بدء المعزوفة المنبعثة من البحر، يبدأ الأطفال على الشاطئ في إطلاق الألعاب النارية في مشهد احتفالي رائع.

يقول مهندس محمد عوض، المسؤول عن الاتصالات اللاسلكية في إحدى السفن، لـ«الشرق الأوسط»: «ليلة رأس السنة بالنسبة للبحارة ليلة خاصة جدا، نزين السفن بالأنوار والأعلام، وتطلق كل سفينة صافرتها لترد عليها باقي السفن، ونبدأ في إطلاق الصواريخ والألعاب النارية، كما يتجمع ويحتفل كل طاقم السفينة حتى الساعات الأولى من الصباح، ويعد طباخ السفينة أشهى وأروع ما عنده من أكلات وأصناف، وندق الأكواب على مائدة الطعام منتظرين الدقائق الأولى من العام الجديد».

ويضيف: «من أهم التقاليد التي نتبعها كبحارة إعداد تورتة عملاقة تتوسطها قطعة نقود معدنية، ثم تقسم التورتة علينا، ولا بد أن ننهيها كلها، ومن يعثر على النقود نحتفل به ويصبح نجم الحفل الساهر على ظهر السفينة».

ويرى القبطان البحري، عزت الشهاوي، أنه «تقليد احتفالي فرضته حياة البحر، وهو تقليد عالمي متعارف عليه بين جميع البحارة، ولا يوجد ميناء حول العالم لا يحتفل به على هذا النحو، إنها حياة البحر، فنحن نكسر بكل طقوسها عزلتنا في عرض البحر، ونحاول تعويض الاحتفال بين أسرنا وأصدقائنا، كما أنه يبعث روحا من الألفة والبهجة بين جميع أفراد الطاقم».

وفي الميناء الشرقي بالإسكندرية، الذي يعد أقدم الموانئ الواقعة على البحر المتوسط، ويربط الإسكندرية بالعالم القديم، ارتسمت لوحة بديعة لونتها السفن والقوارب الصغيرة المتراصة بدءا من منطقة بحري، مرورا بمنطقة المنشية وحتى الشاطبي، مرتدية حلة من الأنوار المضيئة.

ويعتبر هذا الاحتفال الخاص بالعاصمة الساحلية لمصر موازيا لاحتفال مميز آخر خاص بكسر الأطباق والأشياء القديمة في اللحظات الأخيرة من العام المنتهي.

ويتذكر معظم السكندريين تلك اللحظات الاحتفالية التي انطبعت في ذاكراتهم منذ الطفولة باعتبارها ذكريات لا تنسى، وتروي السيدة، سمية عابدين، إحدى قاطني منطقة بحري، أن أبواق السفن، رغم ارتباطها لدى السكندريين بالغارات والحروب، إلا أنها تعزف سيمفونية بأبواقها في هذه الليلة المنشودة، وينتظرها الجميع بكثير من الصبر.

وتستطرد: «منذ كنت طفلة اعتدت أنا وإخوتي وجيراني أن ننتظر تلك اللحظة التي تدق فيها الساعة الـ12، لنسمع ونشاهد احتفالات السفن، خصوصا أن منزلنا يطل على البحر مباشرة». وتحكي السيدة، سلوى الشناوي، أنها كانت مخطوبة لجارها، وكانا يتواعدان للخروج في تلك اللحظة التي تعلن فيها أبواق السفن حلول العام الجديد، بحجة مشاهدة الألعاب النارية. ويقول شادي العربي، من أهالي الإسكندرية: «أحب أن أحتفل أنا وزوجتي كل عام بالسنة الجديدة بالسهر في أحد المطاعم المطلة على البحر، لنستمتع بتلك الأجواء الاحتفالية التي تؤديها السفن في عرض البحر، مع سحر الأضواء والموسيقى، وبالطبع نعود إلى منزلنا بعد منتصف الليل، تحاشيا لتلقينا كأسا أو طبقا أثناء إلقاء السكندريين إياها احتفالا بالعام الجديد». يذكر أن المصريين القدماء كانوا يحتفلون برأس السنة المصرية بركوب السفن والقوارب بأعداد كبيرة، يتنزهون بها على صفحة النيل كأحد مظاهر الاحتفال، كما كان ذلك تقليدا عند أهالي الإسكندرية من الجاليات المختلفة، حيث يزينون القوارب بالورود احتفالا بالعام الجديد.