«تريسيكل 2» عرض يسخر من الجمهور ويشتبك معه في «كازينو لبنان»

في سبيل الترفيه.. الصفع مسموح والخطف أيضا

TT

كل شيء يصبح صالحا لإضحاك الناس والترفيه عنهم في فترة الأعياد، بدءا بلجوء الممثلين للتنكر بحفاضات أطفال وشرب رضاعات الحليب، إلى تقمص شخصيات الكلاب، أو النزول إلى حيث يجلس الجمهور للاشتباك معه، وربما صفعه بكل محبة، إن اقتضى الأمر. ووجود فرقة «تريسيكل 2» في بيروت في الأيام الأخيرة من السنة الماضية واستمرار عروضها حتى الثالث من الشهر الحالي، أتاح المجال للمتفرج اللبناني أن يتعرف على اسكتشات لهذه الفرقة الكوميدية الإسبانية من دون أن تكون اللغة عائقا أمام التواصل أو التفاهم. فالفرقة التي قدمت عروضها على مسرح «كازينو لبنان» تنتهج الأسلوب الصامت، وتتوكأ على بضع كلمات بالإنجليزية وهمهمات غامضة، وإشارات بليغة، في ما تقوم أجساد الممثلين بلعب الدور الأساس.

تراهن «تريسيكل 2» على إضحاك جمهورها مرة كل عشر ثوان، وهي تسخر من مواقف عادية تتكرر في حياتنا اليومية وتبدو لنا في ظاهرها مكرورة وبسيطة. أمر عسير جدا على فرقة إسبانية في الديار اللبنانية، تحمل موروثها المختلف المغاير. لكن حتما لم يخرج الممثلون بخفي حنين، فقد ضحك الجمهور وانسجم حتى بدا وكأن الممثلين الثلاثة قد أفلحوا في حياكة روابط مع المتفرجين، وحثهم على ردود فعل غير منتظرة. بعض الاسكتشات بدت باردة، رغم أفكارها الساخرة، مثل حمل الرجال، وتكور بطونهم، وتعاملهم مع الأمومة بروح ذكورية لا تخلو من غضب وعصبية. واسكتش آخر، تحول فيه أحد الكراسي المكتبية المزودة بعجلات صغيرة إلى بقرة، يجرها الراعي ويحلبها. كما تحولت كراسي أخرى إلى قطيع من الخراف البيض التي تجوب المسرح، جيئة وذهابا، فيما رأينا أحد الممثلين قادرا على تأدية دور كلب بفضل بعض الإكسسوارات على رأسه، وقدرته على تقليد حركات الكلاب بمهارة.

اسكتشان استطاعت من خلالهما الفرقة أن تخرج بالجمهور عن طورة الجاد المقاوم للضحك، إلى لحظات من الدهشة والانفعال. لحظة خرج علينا الممثلون بحفاضات كبيرة، وكأنما هم أطفال بأحجام ضخمة، يخطون خطواتهم الأولى. ومع وجود «بالون» كبير ملون تنازعه المؤدون الثلاثة على المسرح، فرقع الحاضرون ضحكا، خاصة أن الغضب الطفولي والحرد المتواصل، كانا سمة تلك اللعبة التي أعادت الجميع إلى نقاء البراءة الطفولية.

أما الاسكتش الثاني، فلم يكن أقل إضحاكا وإمتاعا، فبدل الطفولة هذه المرة حلت الأنوثة، وجاءنا ممثلان بثياب مضيفتي طيران، أخذتا توزعان الصحف على الحاضرين في الصالة، برقة وإغواء في البدء، مع غمزات من طرف العين. لكن سرعان ما تحولت الرقة إلى غضب واستشاطة كبيرين. وأخذت المضيفتان، بضرب الجمهور بالصحف، وهما تقذفان بالرزمات الورقية على وجوه وأكتاف الحاضرين، بعد أن نزلتا إلى الصالة. أمر فاجأ الجمهور وأثار موجات من الضحك الحاد الذي ترافق مع دهشة. لكن الحاضرين الذين تعرضوا للضرب بالصحف سرعان ما أخذوا المبادرة برد فعل عفوي، وأخذوا يلتقطون الرزم والأوراق، ويصفعون بها المضيفتين. لعبة مدروسة من الفرقة الكوميدية التي أرادت أن تصل إلى ذروة الإضحاك بإشراك الحاضرين في العرض. ولمزيد من الإضحاك، استمرت المضيفتان في تأدية واجبهما، كما يحدث حين تتهيأ الطائرة للهبوط، وبدأتا بلملمة الصحف محافظتين على عصبيتهما الاستفزازية المضحكة ونظراتهما العدوانية في بعض الأحيان. ولم يوفر الناس فرصة، فإذا بأحد الجالسين يتحرش بأحد الممثلين المتنكرين بزي مضيفة، في ما هي تبدي ذعرا في البداية يتحول إلى رضا حين تقرر أن تجلس في حضنه وتداعب شعره. وهكذا اختلطت الهوية الذكورية بالأنثوية، والغضب بالتهريج، وبات المتفرج جزءا من العمل الكوميدي، الذي جعله غير قادر على الحياد.

تسابق الجمهور على صفع المضيفتين ورد الصاع صاعين، كما تسابق الحاضرون الرجال على تمثيل دور المفتونين بالمضيفتين الجويتين اللتين هبطتا في «كازينو لبنان». واستطاع الممثلان الإسبانيان تقمص الأنوثة المختلطة بالرجولة، بطريقة جعلت الناس لا يكفون عن الضحك، خاصة حين طلبتا أرقام هواتف بعض الرجال، وكشفتا عن سيقانهما للإغراء.

اسكتشات متلاحقة، قطعتها محطات للسخرية من السحرة الذين يحاولون إقناع الناس بأنهم يقومون بأعمال خارقة. والحقيقة أن الممثلين الثلاثة الذين لعبوا كل الأدوار، في مختلف الاسكتشات، مستعينين بديكورات بسيطة لها توظيفات تعددية، تمكنوا من شغل المسرح، على مدى نحو ساعة ونصف الساعة، بنقل الجمهور في أجواء تأخذهم من الحقول إلى المراحيض، ومنها إلى عيادة أحد أطباء الأسنان، أو إلى صالة عرض يصطف فيها الممثلون الثلاثة. ومن ملامح الوجوه وحركة الأجساد صعودا ونزولا، بهجة أو حزنا، ومع بعض الإكسسوارات كالنظارات أو المناظير، نعرف أن المشهد أمامهم يتغير. فمرة هم في محاضرة، ومرة أخرى في كنيسة، أو يتفرجون على مباراة كرة القدم، وبعدها هم في سينما، فحينا يشاهدون فيلما كوميديا ومرة أخرى غراميا أو حزينا.

أحد الاسكتشات دارت أحداثه في دورة مياه. وهنا لمزيد من الإضحاك تمت الاستعاضة عن المراحيض والمغاسل برسمها على لوح كبير، كما تم استخدام صوت الماء الدافق من الحنفيات وطقطقة آلات تنشيف اليدين بشكل بارع، من خلال تسجيلات، وظفت بمهارة، لاستكمال الأجواء. وهو ما سنشاهده أيضا في الاسكتش الأخير عند طبيب الأسنان. وهنا كانت سخرية كبيرة من الخوف الذي يصيب زائري عيادات أطباء الأسنان، الذين يفتعلون أي حجة لتأخير دورهم، ويعيشون لحظات رعب في غرفة الانتظار.

«100% تريسيكل» هو اسم العرض الذي بقي صامتا أو أشبه، ومع ذلك فإنه وظف أجساد الرجال الثلاثة ومهارتهم في التمثيل وتقمص الأدوار لينتزع الضحك انتزاعا، ويورط المتفرجين بالمشاركة الحية، خاصة مع انتهاء العرض، ونزول أحد الممثلين إلى القاعة. فقد ظن الجمهور أن الممثل يريد تحيتهم لكنه جر إحدى النساء من يدها وخرج بها مسرعا وكأنه يختطفها، في ما هي تركض بصحبته بذهول.