الأفلام بكل أنواعها تغزو المدن الكردية في شمال العراق

نسخ وبيع أحدث الأفلام على عربات متجولة

بفضل مناخ الحرية أصبحت تجارة الأفلام المدمجة غير مقيدة، وتباع على عربات متجولة، منها أحدث الأفلام التي أنتجتها شركات هوليوود حديثا («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر كردستان منذ ثمانينات القرن الماضي سوقا رائجة لنشر وتوزيع أفلام الفيديو والكاسيتات في العراق، ففي عهد النظام السابق كان تداول هذه الأفلام أو المتاجرة بها في بقية مناطق العراق محصورا في شركة حكومية وحيدة، وهي شركة «بابل» السينمائية التي كانت توزع أفلاما هزيلة من إنتاج عراقي عبر مكاتب الأسواق المركزية، فيما كانت الأفلام الأجنبية ممنوعة تماما من التوزيع في أنحاء البلاد، ما عدا تلك التي تعرض في صالات السينما العامة والتي كانت تخضع لرقابة حكومية مشددة. لكن كردستان كانت وما زالت خارج سيطرة الدولة من حيث هذه التجارة المربحة، لذلك تحولت محلاتها في ذلك الوقت إلى مركز مهم لبيع الأفلام السينمائية وتوزيعها على شكل كاسيتات الفيديو. ولم يقتصر الطلب حينذاك على سكان محافظات العراق الأخرى الذين كانوا يأتون إلى كردستان لشراء هذه الأفلام وتهريبها سرا إلى محافظاتهم، بل إن مهربين من إيران وتركيا كانوا يتاجرون بها بدورهم. واليوم تحولت معظم محلات الفيديو إلى بيع الأقراص المدمجة، وبفضل مناخ الحرية أصبحت تجارة الأفلام المدمجة غير مقيدة، وتباع على عربات متجولة، منها أحدث الأفلام التي أنتجتها شركات هوليوود حديثا. فقبل أسابيع طغت أخبار إنتاج فيلم أميركي يتحدث عن دمار العالم، وهو فيلم «2012» المأخوذ عن أسطورة شعب المايا، وما زال يعرض في الصالات الأميركية محققا أعلى الإيرادات، ولكن لم يكد يمر أسبوع على ظهور دعايات الفيلم في الفضائيات العربية حتى وجدناه مطبوعا على قرص مدمج ويباع فوق عربة متجولة بشارع «باتا» بمدينة أربيل، وذلك قبل وصوله إلى الصالات الأوروبية والعربية.

أخذنا الفضول لمتابعة الموضوع وكشف المصدر الذي جاء بأحدث الأفلام المنتجة في هوليوود إلى كردستان.. «سنتر أربائيلو» في أربيل، هو من أكبر وأشهر مراكز توزيع وبيع الأفلام والسيديهات في كردستان. وسألنا صاحبه ديدار شيرزاد عن مصدر هذه الأفلام الحديثة التي يبيعها فقال: «هذه الأفلام تأتي من سورية إلى بغداد، ومن هناك تصل إلى أربيل، ونحن لنا علاقة تجارية تبادلية مع مراكز التوزيع في بغداد، فيزودوننا بأحدث ما يصل إليهم، من أفلام وحفلات نجوم الطرب والألبومات الغنائية وغيرها».

وحول أكثر الأفلام رواجا في البيع قال ديدار: «هناك إقبال متزايد على أفلام الأكشن، وخصوصا أفلام الرعب، أما الألبومات فإن الحديثة منها عليها طلبات كثيرة، لأن شبابنا يلهثون وراء ألبومات النجوم والفنانين العرب، على الرغم من أن الكثيرين منهم لا يفهمون اللغة العربية، ولكنهم يتذوقون الغناء العربي الذي يتابعونه عبر الفضائيات العربية التي تدخل كل البيوت تقريبا في كردستان».

وسألناه عن الأفلام الحائزة على جوائز الأوسكار أو غيرها فقال: «هناك نخبة محددة تبحث عن هذه الأفلام المميزة، لكن الإقبال عليها ضعيف جدا».

لفت نظرنا حديث ديدار عن إقبال شباب الجيل الحالي على أفلام الرعب تحديدا، فلجأنا إلى الباحث الاجتماعي حسن ياسين من مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية لتحليل أسباب إقبال الجيل الحالي على هذه النوعية من الأفلام الخطرة والمؤثرة على السلوكيات الفردية، فربطه بالانتشار الواسع لأخبار الإرهاب والقتل في العالم، وقال: «إن الشرائط الخبرية للقنوات الفضائية التي تمر أمام نظر المشاهد، وهي تنقل بين كل لحظة وأخرى أخبارا عن انفجارات وقتل ودمار في كل مكان بالعالم، لا بد أن تترك هذه الأخبار اليومية أثرا كبيرا في نفوس الشباب، بما يعودهم على مشاهدة مناظر القتل والتدمير ويدفعهم الفضول إلى البحث عنها في الأفلام، وهذا أمر خطير على المجتمع، فبحسب أحدث الدراسات العلمية ثبت أن للوراثة دورا كبيرا في انتقال أنماط السلوك البشري، وهو دور يوازي في تأثيره الاكتساب، وعليه فإن الجيل الحالي ليس معرضا للخطر فقط بل الأجيال القادمة أيضا. والأخطر من ذلك أنه حتى الأطفال الصغار باتوا لا يستمتعون بالألعاب الطفولية البريئة، بل لاحظنا أن معظم الأطفال الذين يستخدمون أجهزة البلاي استيشن أو الأتاري يقبلون على أفلام الأكشن والضرب والقتل، بديلا عن أفلام كرة القدم والشخصيات الكرتونية والألعاب المسلية الأخرى».

ويستطرد «سوق الأفلام من حيث نوعية المعروض يلعب دورا في غاية الخطورة للمجتمع ويؤثر في تغيير سلوكيات الفرد، فعلى سبيل المثال الفيلم الذي تتحدثون عنه وهو الفيلم الأميركي «2012» الذي يتحدث عن نهاية العالم والذي عرض حديثا، ويوزع هنا في كردستان، أثار هذا الفيلم ضجة كبيرة داخل المجتمع الكردي إلى حد تدخل الخطباء وعلماء الدين الإسلامي، باعتباره يتحدث عن «يوم القيامة»، فقد حشد هؤلاء العلماء جهودهم لاستغلال قصة الفيلم لتفسير بعض النصوص الدينية وتحليلها، وأبلغوا الناس أن «الساعة قد دنت».

ولم يقتصر الأمر على علماء الدين في كردستان فحسب، بل حتى المجتمع السويدي تأثر بقصة الفيلم، وبات يفكر هل صحيح أن هناك نهاية لهذا العالم؟! ولذلك أعود وأقول إن نوعية الأفلام مهما كانت قصصها وسيناريوهاتها فإنها تؤثر في سلوك الفرد وتفكيره، وعليه لا بد أن نفكر في ضوابط وكوابح لمراقبة نشر مثل هذه الأفلام وتوزيعها، أو على الأقل أن نحصر تداولها في أضيق نطاق حسب الفئات العمرية، ولا يتحقق ذلك من دون تشريع قوانين خاصة».

ولا يقتصر عرض الأفلام على محلات ومراكز بيع السيديهات أو المراكز المجازة بمزاولة هذه التجارة مثل «سنتر أربائيلو» الذي يعتبر أيضا مركزا لإنتاج الأعمال الفنية والألبومات الغنائية لفناني كردستان، فهناك أيضا قنوات تلفزيونية محلية تعرض أحدث الأفلام الأجنبية المترجمة إلى اللغة الكردية أو المدبلجة منها.

فقبل فترة قصيرة عرضت إحدى القنوات الإسلامية المحلية فيلما عن سيدنا «يوسف» عليه السلام وهو من إنتاج إيراني. وقد عرض الفيلم مدبلجا مرة ومترجما أخرى إلى اللغة الكردية، رغم أن المذهب السني، وهو مذهب مالكي هذه القناة التلفزيونية الكردية يمنع تمثيل الأنبياء في الأفلام أو ظهورهم فيها، وقد صدرت فتاوى تستنكر تمثيل سيدنا يوسف، ولكن يبدو أن قاعدة «الجمهور عاوز كدة» طغت على النواهي الشرعية؟!.

فضلا عن ذلك وجدنا في أسواق أربيل فيلما آخر عن أبي الأنبياء سيدنا «إبراهيم» عليه السلام وهو أيضا من إنتاج إيراني، وهناك أنباء عن إنتاج فيلم إيراني آخر يحكي قصة سيدنا «سليمان» عليه السلام، وهذا يؤكد أن الشركات الإيرانية ماضية في غزو أسواق الأفلام المدمجة بتصوير جميع أنبياء الله، وأن كردستان والعراق على استعداد لعرض تلك الأفلام على الملايين عبر التلفزيونات والفضائيات.

الجانب الرقابي لسوق الأفلام مفقود تماما بحسب ناصر حسن مدير قسم السينما في وزارة ثقافة إقليم كردستان، وهو مخرج سينمائي معروف ويقول «لا توجد رقابة للحكومة على أسواق الأفلام، تسويقا وتوزيعا وإنتاجا، والسبب هو عدم وجود قانون بهذا الشأن». وحول الفيلم الأميركي «2012» المتسرب إلى أسواق كردستان يقول «هذه النسخة مصورة داخل صالة السينما، وليست النسخة الأصلية، وبذلك فلا يمكن منع توزيعها».

ويستطرد «المشكلة هي أن الشركة المنتجة للفيلم لا تعرف من تقاضي إذا أقدم أحد ما على طبع أفلامها وتوزيعها بطريقة غير مشروعة، وإذا عرضت في الفضائيات أو صالات العرض فيحق للشركة المنتجة أن تقاضيها، أما تصوير الأفلام داخل الصالة ثم تسريبها وطبعها في الخارج فيصعب مقاضاة موزعيها، ثم إن العراق الذي هو دولة ضمن المنظومة الدولية لا وجود فيه لقانون يحمي حقوق الملكيات الفكرية لا اليوم ولا قبل ذلك، أنتم تتذكرون أن قناة «الشباب» التابعة لعدي صدام حسين، وهي قناة فضائية حكومية، كانت تعرض أفلاما من دون أي رقيب أو حسيب، ومن دون أي اعتبار لحقوق ملكية الآخرين، ويبدو أن هذا شجع على انفلات الرقابة، وسهل الاستيلاء على حقوق الآخرين».

سألناه «أنت مخرج سينمائي ولك حقوق في الأعمال التي تنتجها، ألا تعتقد أن هناك ضرورة ملحة لعرض قانون على البرلمان الكردستاني لحماية حقوقك الفكرية والإنتاجية؟» أجاب «صحيح هناك حاجة ملحة جدا لذلك، وقد طرحنا هذا الموضوع مرارا على البرلمان ومنذ تسعينات القرن الماضي، وذهبنا نحن مجموعة من الفنانين إلى البرلمان وعرضنا عليهم ذلك، لكنهم أجابونا بأن هناك قوانين أكثر أهمية من ذلك، فأهمل طلبنا، وما زالت أفلامنا ونتاجاتنا الفنية تطبع منها الآلاف وتباع في الأسواق من دون أي اعتبار لحقوقنا».

وهكذا تبقى دعوات حسن ياسين الباحث الاجتماعي الذي أكد على ضرورة تشريع قانون رقابي يمنع تسويق الأفلام التي تؤثر على سلوكيات الفرد والمجتمع، ودعوة ناصر حسن بتشريع قانون آخر يحمي حقوق الملكيات الفردية، مجرد آمال بانتظار التحقق عبر البرلمان الكردستاني.