«كما قال الشاعر».. فيلم وثائقي عن حياة محمود درويش الشعرية

للفلسطيني نصري حجاج مخرج فيلم «ظل الغياب»

نصري حجاج
TT

يعود بنا المخرج الفلسطيني نصري حجاج بفيلم آخر يتخذ من فلسطين موضوعا له، مشروعه الوطني الذي شغله سياسيا طيلة سنين حياته وفي محطاته الكثيرة التي توقف فيها خلال عقوده الستة، التي بدأت من بيروت مرورا بلندن وتونس ورام الله وانتهت ثانية في بيروت، مدينته المفضلة.

بعد فيلم «ظل الغياب» الذي حصل على الجائزة الفضية في مهرجان دبي السينمائي قبل عامين، ويحكي فيه قصة الوطن والمنفى والموت والحياة من خلال قبور الفلسطينيين المنتشرة في دول المنفى، يعود إلينا المخرج حجاج بفيلم «كما قال الشاعر»، الذي يجمع فيه عناصره المفضلة، أي السياسة والأدب، وبالتحديد مع الشعر، مادته المفضلة، وشاعره محمود درويش.

فيلمه الوثائقي «كما قال الشاعر»، والذي يرفض حجاج نعته بهذه الصفة، لاعتقاده أنه ليس وثائقيا بالمعنى الكلاسيكي، يأخذك في رحلة تمتد ثماني وخمسين دقيقة إلى الكثير من الأماكن التي عاش فيها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أو ألقى أشعاره فيها.

وقال حجاج لـ«رويترز» بعد عرض الفيلم مساء أول من أمس السبت على مسرح وسينماتك القصبة في رام الله: «هذا الفيلم ليس وثائقيا بالمعنى الكلاسيكي للفيلم الوثائقي لأن محمود درويش لم يكن شاعرا كلاسيكيا، لذلك هو محاولة أن يكون سينمائيا يتناسب مع حداثة أشعاره التي بدأت قراءتها قبل أربعين عاما».

وأضاف: «انتابني شعور بالخوف عندما قررت القيام بعمل سينمائي. لقد كان تحديا كبيرا. محمود درويش ليس موضوعا بسيطا، ولكنني أزعم أن روح محمود درويش كانت معي في كل مكان صورت فيه مشاهد الفيلم، والتي شملت عشر دول، وهذا خلق لدي الجرأة لعرض هذا الفيلم أمام الجمهور».

في الفيلم لم يقرأ محمود درويش أيا من أشعاره، وحرص حجاج على تقديم شاعره من خلال مجموعة من الأدباء والشعراء من جميع أنحاء العالم. منهم كان رئيس وزراء فرنسا الأسبق الشاعر دومنيك دي فالبا، الذي لم يقرأ فقط أشعار محمود الذي كان يعرفه شخصيا، وإنما حضر عرض الفيلم في دبي في مسابقة مهرجان دبي الدولي للأفلام في دورته السادسة في ديسمبر (كانون الأول). كما قرأ أشعار درويش بعض من حازوا على جوائز نوبل للآداب من أفريقيا والبرتغال.

رحل درويش في أغسطس (آب) عام 2008 إثر مضاعفات صحية بعد أن أجريت له جراحة في القلب في إحدى المستشفيات الأميركية وووري جثمانه الثرى في مدينة رام الله على تلة مطلة على مدينة القدس.

وكتب حجاج في دعوة الفيلم التي حملت صورة لدرويش والمكان الذي ووري فيه الثرى: «الفيلم رحلة بصرية في حياة وشعر الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش... محاولة للاقتراب من عوالم محمود، حيث تأخذنا الكاميرا إلى مدن ومنازل ومسارح وشخصيات عرفوا الشاعر وأحبوا شعره...».

ويستمع الجمهور في بداية الفيلم إلى عزف على البيانو تقدمه الموسيقية اللبنانية هبة القواس من وحي قصيدة درويش الأخيرة «لاعب النرد»، التي قرأها قبل رحيله بأسبوع على مسرح قصر الثقافة في رام الله.

ويذهب المخرج بالجمهور بعد هذا العزف الذي وصفه بأنه ارتجالي إلى مسقط رأس الشاعر في قرية البروة في الجليل الأعلى، ويقدم لنا لقطات من داخل منزل درويش، تظهر فيها صور له مع العائلة والأصدقاء، إضافة إلى رسومات له.

وينتقل المخرج مباشرة إلى هيوستن في ولاية تكساس الأميركية حيث أجريت العملية الجراحية لدرويش، والتي أدت مضاعفاتها إلى وفاته بعد أيام. ويظهر لقطات لما قيل إنه الفراش الذي رقد عليه درويش خلال فترة علاجه الأخيرة، ليقدم بعد ذلك مشاهد من الجنازة الحاشدة التي شهدتها شوارع رام الله في وداع درويش، وذلك على وقع صوت الشاعر من قصيدة «على هذه الأرض سيدة الأرض ما يستحق الحياة».

ويتضمن الفيلم قراءات شعرية لشعراء عالميين من فرنسا وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة وكردستان وإسرائيل ولبنان والأردن وتونس وسورية وتنزانيا، إضافة إلى شاعرة فلسطينية شابة «داليا طه»، جميعهم يقرأون مقتطفات بلغاتهم من أشعار درويش في الأماكن التي قرأ فيها مجموعة من أشعاره، كان يصاحبها في بعض الأحيان صوت درويش.

وأوضح حجاج أنه استمع إلى ستين ساعة تسجيل بصوت درويش حصل عليها من أرشيف محطات تلفزيونية عربية، اختار منها تلك المقاطع التي يستمع إليها الجمهور في الفيلم.

وأضاف: «الشعراء الذين تم اختيارهم للظهور في الفيلم وهم يقرأون من أشعار درويش، منهم من كان على علاقة شخصية بدرويش، وآخرون كانوا على علاقة بأشعاره الخالدة أبدا».

ويعود حجاج بالجمهور إلى حيفا ليقدم ما قال إنه معلم الطفولة، نمر مرقس، وهو يقرأ من أشعار درويش، ترددها ابنته أمل غناء، وبعد ذلك إلى لبنان، إلى مقر مجلة الدراسات، وإلى رام الله حيث كان مكتب درويش، وإلى عمان حيث يظهر مكتب الشاعر وقلمه وبعض الأوراق المبعثرة عليه.

ويظهر في الفيلم شاب يقدم بلغة الإشارة مع خلفية صوت درويش مقتطفات من قصيدة «لاعب النرد». ويختتم حجاج فيلمه بما قال إنه مشهد تمثيلي لحصان في صحراء تونس يحاول الصعود من حفرة وسط الرمال ويؤدي حركات تتناسب مع صوت درويش في أثناء قراءته مقاطع من «جدارية محمود درويش»، ومنها: «وأنا أنا.. لا شيء آخر.. واحد من أهل هذا الليل.. أحلم بالصعود على حصاني فوق فوقَ.. لأتبع الينبوع خلف التلّ.. فاصمُد يا حصاني.. لم نعُدْ في الريح مختلفين».

وأشار حجاج إلى أن الفيلم سيعرض بالتزامن في الثالث من فبراير (شباط) في بيروت وحيفا نظرا لأهمية بيروت وحيفا في تجربة درويش الشعرية، كما سيعرض في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الأردنية عمّان، إضافة إلى عرضه في مهرجان للندن للأفلام الفلسطينية في أبريل (نيسان) المقبل.