في يافا العربية.. سكن الأحلام للبعض يمثل كابوسا لغيرهم

مشكلاتها يطرحها فيلم فلسطيني يمثل إسرائيل في جوائز أوسكار 2010 عن حيها «العجمي»

كانت يافا ميناء ومركزا ثقافيا رئيسيا للعالم العربي قبل أن ينشئ مستوطنون يهود تل أبيب عام 1909 (رويترز)
TT

أثار الاحتفال بتل أبيب كمدينة ثقافية إسرائيلية ضجة عالمية في الأوساط السينمائية العالمية خلال انعقاد مهرجان تورونتو في كندا، الذي يختار كل عام مدينة يسلط من خلالها الضوء على الأوجه الثقافية لبلد ما.

الانقسام الذي أحدثه هذا الاختيار بين نخبة السينما العالمية كان أساسه أن المهرجان لم يراع الصراع السياسي الحالي وأيضا الجوانب التاريخية بالنسبة لهذه المدينة التي كانت مجرد حي يهودي من مدينة يافا العربية العريقة التي هُجّر أهلها. ومحاولات التهويد وإخراج ما تبقى فيها من عرب من أحيائها القديمة ما زالت مستمرة. كما تطمح المؤسسة اليهودية أن تحول البيوت العربية إلى تجمع للفنانين وذلك من خلال تضييق الخناق على سكانها الأصليين. كانت يافا ميناء ومركزا ثقافيا رئيسيا للعالم العربي قبل أن ينشئ مستوطنون يهود تل أبيب عام 1909. وفي حرب عام 1948 التي قامت بعدها دولة إسرائيل طرد معظم سكان يافا من العرب أو فروا وباتت المدينة القديمة الآن شبحا لما كانت عليه حيث ابتلعتها جارتها الحديثة.

إلا أن هناك مشكلات أخرى، مثل الفقر الذي يعاني منه سكان يافا العرب وهذا ما عكسه فيلم «عجمي» الذي يأخذ منه الفيلم اسمه ويتناول مخرجه مشكلات الشباب العرب في الحي. ووجهت الانتقادات لمخرجه لأنه حاول التعاطي مع مشكلات الحي دون الخوض بالسياسات الإسرائيلية التي أوصلت سكانه إلى هذا الحد. وقبل خمسة أعوام كان السكان يستيقظون من وقت إلى آخر على أصوات الفوضى ليلا بالمنطقة العشوائية وهو الموضوع الذي طرحه الفيلم الذي يمثل إسرائيل في مسابقة الأوسكار عام 2010.

الفيلات الجديدة التي يتم تشييدها والمطلية بألوان زاهية تحجب رؤية البحر المتوسط عن منزل عائلة حطاب الذي يتقشر الطلاء الرمادي من على جدرانه وهبط مستوى دعائمه. وتقول إستر سابا جارة حطاب «حيّنا يتقلص. لكن لماذا يجب أن نرحل.. هنا ربينا أبناءنا ونشأنا إذا أجلينا جميعا فقل لي من سيتبقى..» وعائلة إستر وحطاب من بين نحو 500 عائلة عربية تسعى جاهدة للاحتفاظ بموطئ قدم في حي العجمي وهو الجزء الذي يغلب على سكانه العرب من يافا التي تتحول بسرعة إلى بديل يحمل ملامح فنية للحداثة التي تتسم بها مدينة تل أبيب الإسرائيلية المجاورة.

وقالت إستر، 33 عاما، «يجب أن تساعدنا الحكومة على العثور على طريقة لشراء منازلنا أو سداد إيجار. بدلا من هذا يحاولون إخراجنا من هنا. إلى أين سنذهب.. وملكية معظم العقارات محل نزاع. وحي العجمي الذي كان ذات يوم منطقة عشوائية من المقرر هدمها في طريقها لارتقاء اجتماعي سريع والمطورون العقاريون لن ينتظروا.

وقالت يهوديت إيلاني، 49 عاما، وهي يهودية إسرائيلية وواحدة من سكان المنطقة وناشطة تحاول مساعدة الأسر على الاحتفاظ بمنازلها «هؤلاء الناس يعيشون في أكواخ تطل على منظر شاطئي يساوي مليارات الدولارات».

اليوم يقول سكان إن طواقم البناء التي تتوافد في الصباح الباكر وليس طلقات الرصاص هي التي تفسد الهدوء هنا.

ومن المفارقات أنه أهمل لفترة طويلة من قبل بلدية تل أبيب - يافا التي أبقت على الأزقة الضيقة والعمارة العربية التقليدية المتداعية.

لكن في حين أن حي العجمي كان يعتبر ذات يوم مكانا مؤذيا للنظر يغري طابع الحي اليوم من يهربون من الأسعار الباهظة والعمارات السكنية الشاهقة في تل أبيب. قبل ستة أعوام كان سعر المنزل هنا يتراوح بين 50 و60 ألف دولار. اليوم يصل سعر المنزل الذي لا تتجاوز مساحته 140 مترا مربعا إلى نحو 1.2 مليون دولار.

المشكلة الشائكة هي مصير سكان حي العجمي العرب البالغ عددهم 20 ألف نسمة ويعيش 80 في المائة منهم تحت خط الفقر. ويعيش نحو ربعهم في عقارات تديرها الدولة تحت مسمى «ملكية الغائبين» وتريد الحكومة الإسرائيلية بيعها الآن.

وتقول إسرائيل إن هذه المنازل هجرها ملاكها العرب خلال حرب 1948 التي أنشئت الدولة اليهودية على أثرها. وحين انتهت الحرب سيطرت الدولة عليها لتكون إسكانا عاما للأسر اليهودية والعربية.

ويقول لاجئون انتهى المطاف بكثيرين منهم في مخيمات بقطاع غزة، إن أسرهم طردت من يافا وما زالوا يزعمون أحقيتهم بمنازل هناك.

ويقول معظم سكان العجمي العرب إنهم يعيشون في منازل كانت أسرهم تمتلكها ذات يوم ويجب معاملتهم باعتبارهم الورثة الشرعيين. لكنهم «مستأجرون محميون» انتهى حقهم في المنازل بعد جيلين من حرب عام 1948.

وقالت إيلاني «لو كنت من الجيل الثالث تصبح محتلا في يوم مولدك».

ويكافح «المحتلون» الطرد الآن. ويقولون إن شركة «عميدار» التي تعاقدت معها دائرة أراضي إسرائيل لإدارة العقارات تسعى لتحقيق مكسب سريع من خلال بيع منازلهم. وقال سامي أبو شحادة، ممثل حي العجمي في مجلس مدينة تل أبيب يافا، إن الحكومة أصبحت شركة تسعى لتحقيق أرباح.

وقالت وزارة الإسكان لـ«رويترز» إنه يجب توجيه أي أسئلة تتصل بالمسائل المرتبطة بقانون «ملكية الغائبين» لدائرة أراضي إسرائيل. ولم تردّ دائرة أراضي إسرائيل ولا «عميدار» المتعاقدة معها على طلبات متكررة لإجراء مقابلات إما عبر الهاتف أو كتابة.

لطيفة حطاب، إحدى حالات أسر الجيل الثالث التي تحاول إثبات حقوقها القانونية والتاريخية في المنازل التي تعيش بها. وعرضت «عميدار» على عائلة حطاب التي أقامت ثماني دعاوى قضائية مختلفة تسوية معقدة.

وقالت لطيفة التي يحتل منزلها المكون من طابق واحد مساحة نحو 120 مترا مربعا «قالوا إن لنا حقوقا في 60 في المائة من هذا العقار لأن والدة زوجي من الجيل الثاني لكن الأربعين في المائة المتبقية لهم. يريدون منا أن نشتريها. لكن تخيل ما هي القيمة التي يقولون إن نسبة الأربعين في المائة تساويها.. مليونا شيكل (54 ألف دولار) أو أكثر.. كيف لي أن آتي بهذا المبلغ؟» وعلى الرغم من أنها تشغل عقارات تساوي ملايين الدولارات فإن العائلات المنخفضة الدخل مثل عائلة حطاب لا تستطيع البيع أو الحصول على قروض كبيرة لأن ملكيتها محل نزاع.

وتقول إستر سابا إن من الواضح أن الهدف هو إخراج العرب. وأضافت «لو كانت الحكومة تريدنا هنا لكانت بنت بعض المساكن التي نستطيع تحمل تكلفتها المالية... بدلا من هذا أنشأوا متنزها. ماذا سنفعل بمتنزه.. نحتاج إلى منازل».

ويقول سكان العجمي من العرب إنهم يتلقون تشجيعا على الانتقال إلى مدن داخل إسرائيل مثل اللد أو الرملة حيث توجد أعداد أكبر من السكان العرب والمساكن الرخيصة.

وقال عمر سكسك، وهو ممثل للعرب بالبلدية، إن المسألة وراءها أكثر من مجرد قوى السوق، وإن ارتفاع أسعار المساكن يرافقه جهد سياسي استراتيجي لإخراج العرب من حيفا. ويشارك سكسك زميله في مجلس البلدية أبو شحادة الرأي والذي قال إن الأغلبية الساحقة من الأثرياء ومن يشغلون مناصب إدارية هنا يهود.

وأضاف أبو شحادة أن تلك هي المشكلة لأن هناك اتجاها للارتقاء الاجتماعي في كل مكان، وأشار إلى أن الضحايا هنا هم العرب والمستفيدون هم اليهود.

وتقول إيلاني، الناشطة اليهودية، إنه ليس هناك بديل قابل للتنفيذ لحي العجمي بالنسبة لعرب يافا - سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين - الذين يريدون مواصلة العيش في منطقة تل أبيب الحضرية.

وتابعت أن «هناك فرص عمل في العجمي لقربه من تل أبيب. لا يستطيعون الانتقال إلى مناطق مجاورة ليست بها مساجد ولا كنائس ولا مدارس تدرس باللغة العربية».

«ولماذا ينبغي أن يرحلوا لأن ثريًا ما يستطيع دفع ثمن الأرض التي عاشوا عليها دائما..»