مئات الشركات تستعرض منتجاتها في أكبر معرض للزراعة والتغذية في العالم

نشطاء «السلام الأخضر» في برلين يلقون البطاطا المعدلة وراثيا بين أقدام وزيرة الزراعة

تاشطة بيئية تلقي بالبطاطا العضوية تحت أقدام وزيرة الزراعة الألمانية في افتتاح المعرض (رويترز)
TT

بدأ معرض «الأسبوع الأخضر» ببرلين زاهي الألوان رغم طغيان اللون الأخضر الذي يلون معاطف الفلاحين، المساحات الخضراء، والأبسطة والأغطية الخضراء التي تغطي منتجات المعرض. فالمعرض يحتفل هذا العام بميلاده الخامس والسبعين وقام قطاع الأفران والمخابز بإعداد تورتة تزن 60 كغم احتفالا بالمناسبة، وهي تورتة يشكل المارزيبان 60% منها ويبلغ نصف قطرها 120 سم وارتفاعها 40 سم.

وقامت وزيرة الزراعة الاتحادية إلزا إيغنر بافتتاح المعرض الرسمي يوم الخميس، قبل أن يفتح أبوابه 15 - 24 يناير (كانون الثاني) الحالي أمام الزوار. وكان على الوزيرة أن تتحمل نقد حماة البيئة قبل أن تتمتع بأكل قطعة من تورتة المارزيبان الكبيرة، إذ فاجأ ناشطو حماة البيئة، من منظمة «غرين بيس» (السلام الأخضر)، الوزيرة وهي تخترق أروقة المعرض فأفرغوا بين قدميها كيسا أخضر كاملا من البطاطا المعدلة وراثيا، والتي يحذر أعضاء المنظمة على الدوام من التعامل بها وإجازتها.

ولم تتوفر الفرصة للمختصين لتفحص نوع البطاطا التي تدحرجت بين قدمي الوزيرة ورجال حمايتها، ولكن المعتقد أنها من نوع «امفلورا» التي ينتجها عملاق الصناعة الكيميائية الألماني «BASF» بعد أن نال إجازة زراعتها في العام الماضي. وهي بطاطا معدلة وراثيا بشكل يضمن نموها السريع، وتحتوي على مواد مضادة للحيويات، ومصممة لمكافحة الجوع في البلدان الفقيرة وتزويد سكان البلدان النامية بالمناعة الكافية ضد الأمراض المعدية. وتعد الشركة الآن لإنتاج بطاطا معدلة عن «امفلورا» تحتوي على كمية أكبر من النشا، وبطاطا من نوع آخر تحتوي على نوع واحد من النشا، وتخصص فقط لإنتاج الصمغ من هذا النشا.

ووجه حماة البيئة انتقادات شديدة اللهجة للوزيرة التي وعدت بحظر إنتاج مثل هذه البطاطا في العام الماضي، وهو كما اشتهر «عام البطاطا» الذي أعلنته «غرين بيس» على المستوى العالمي. لكن الوزيرة فشلت كما يبدو أمام ضغط «BASF» الذي نجح اللوبي السياسي التابع له في إدخال إنتاج بطاطا «امفلورا» ضمن برنامج التحالف الحاكم بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الليبرالي.

ووزعت «غرين بيس» في المعرض خلاصة استفتاء للرأي أجرته بين السكان ويبين أن 77% من الألمان يرفضون إجازة زراعة وبيع البطاطا المعدلة وراثيا. ويتحدث البيان عن أكثر من 5000 نوع من البطاطا التي تزرع في العالم، والتي يصلح معظمها للتغذية والأغراض التجارية. ويذكر البيان بأن الألمان يسمون البطاطا «تفاح تحت الأرض» ويعتبرونها مصدرهم الغذائي الأول الذي تنبغي حمايته.

ولا يكتسب «معرض برلين الدولي للأغذية والزراعة والحدائق» اسمه من ميوله البيئية وعلاقته بحزب الخضر أو حماية الطقس، وإنما من المعاطف الخضراء للفلاحين الذين أسسوا أول معرض لهم من هذا القبيل عام 1926، ويعود الفضل إلى البرلينيين الذين أطلقوا لقب «الأخضر» على معرض الفلاحين. وما بدأ قبل 84 سنة في قاعة مرأب للسيارات بحضور 50 ألف زائر وعلى مساحة 7000 كم، تحول إلى أكبر معرض من نوعه في العالم يتوقع أن يمتد على مساحة 115 ألف متر مربع ويحضره 400 ألف إنسان.

وخص المعرض المجر بموقع البلد الضيف والشريك، واحتلت بذلك كامل القاعة 6 التي تنوعت عروضها بين البالنكا والبابريكا والسلامي ولحم البط. علما بأن 15% من صادرات المجر الزراعية تذهب إلى ألمانيا، وهي صادرات بقيمة 860 مليون يورو سنويا. وتعرضت المجر إلى الكثير من النقد في السنوات الأخيرة بسبب سياستها الزراعية التي أدت إلى إفلاس الفلاحين وضعف الرقابة على المنتجات.

وتتحدث إدارة المعرض عن ميل واضح في العالم نحو المنتجات الزراعية البيئية والطبيعية التي تستحق العلامة الخضراء، إلا أن تنوع الاحتجاجات ضد المعرض هذا العام قد يعني أن التيار البيئي لم يشق طريقه تماما بين المزارع التقليدية. ولهذا فقد تحول معرض 2010 إلى مؤتمر عالمي يشارك فيه أكثر من 150 سياسيا من كل العالم لدراسة سبل تقليص انبعاث غازي ثاني أكسيد الكربون والميثان ووضع أسس التوجهات البيئية القادمة لقطاع الزراعة. كما خصص المعرض هذه المرة جناحا خاصا لمعروضات «التجارة العادلة»، وهي مواد غذائية يفترض أنه جرى إنتاجها في العالم الثالث وفق أسس أجور وعمل إنسانية لا تستغل النساء ولا تشغل القاصرين وأطفال المدارس. وشمل المعرض مختلف أنواع البن والكاكاو والشاي والعصير والشوكولاته.

مع ذلك فإن حصة القطاع الزراعي من انبعاث ثاني أكسيد الكربون على المستوى العلمي ترتفع إلى 5.4%، ولم تسجل الأمم المتحدة أي انخفاض يستحق الذكر حتى الآن. ولهذا، وفي حركة احتجاجية أخرى ظاهرة، سكب الفلاحون الألمان آلاف اللترات من الحليب أمام بوابة «الأسبوع الأخضر» ببرلين احتجاجا على انخفاض أسعار الحليب.

وكان الفلاحون الألمان، وخصوصا «رعاة البقر»، بدأوا إضراباتهم منذ أكثر من سنة بسبب تردي أسعار الحليب وعدم حصولهم على المساعدات الموعودة من الاتحاد الأوروبي. وتعود الفلاحون، إشارة إلى احتجاجهم، على سكب آلاف اللترات من الحليب في الشوارع تعبيرا عن انخفاض قيمة الحليب.

ويطالب الفلاحون برفع سعر لتر الحليب بمقدار 5 سنتات تماشيا مع ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية. ويعتبر حماة البيئة أن السيارة عدو البيئة رقم واحد من ناحية إطلاق ثاني أكسيد الكربون، لكنهم ينظرون إلى البقرة، وخصوصا ذكور الأبقار، كأخطر مطلق لغاز الميثان الضار بطبقة الأوزون. إذ يطلق العالم 500 مليون طن من غاز الميثان إلى الجو سنويا، وتبلغ حصة غازات البقر نحو 70% من هذه الكمية تاركة 17% لمختلف أوجه الأنشطة الأخرى. ويعتبر البقر من أهم أسباب ارتفاع تركيز الميثان في الجو من 0.8% عام 1750 إلى 1.75% عام 2000.

وذكر تقرير لمجلس الشيوخ الأميركي أن البقرة الواحدة تخلف 50 كغم من النفايات يوميا. وتكفي 200 بقرة لإطلاق غاز نتروجين يعادل ما تطلقه بلدة من 5 - 10 آلاف نسمة بكامل منازلها ومعاملها. وإذا كان احتراق اللتر الواحد من بنزين السيارة يطلق 1000 لتر من غاز ثاني أكسيد الكربون فإن البقرة الواحدة «غير المفلترة» تطلق 150 - 250 لترا من غاز الميثان كل يوم.

وعلى من يزور المعرض الأخضر أن يسحب بعض المال من المصرف لتغطية تكاليف جولته لأن التظاهرة الغذائية العالمية، التي تحمل اسم «الأسبوع الأخضر»، عبارة عن مطعم وسوق كبيرين لقطاع الزراعة والتغذية. وأحصت إدارة المعرض أن كل زائر يدفع 25 – 75 يورو كمعدل عند زيارته المعرض، وهو مال مخصص للأكل وشراء المنتجات الجيدة والتمتع ببعض المشروبات. وسجل المعرض في العام السابق أرباحا تبلغ 40 مليون يورو، ومن المنتظر ارتفاعها هذا العام إذا ما صحت توقعات إدارة المعرض عن تخطي عدد الزوار حاجز الـ400 ألف زائر.

على أي حال، وبعيدا عن مشاكل المجاعات في العالم، ومطالب حماية البيئة، والتحول إلى المنتجات الطبيعية، يستطيع الزائر، والعائلات على وجه الخصوص، أن تتمتع كثيرا داخل قاعات المعرض الأخضر. فعدا عن المطاعم والحوانيت والمقاهي والألعاب، هناك الكثير من عروض الرقص والألعاب البهلوانية والمسابقات التي تحاول اجتذاب الزائر إلى هذا الجناح أو ذاك.

وتغص قاعات المعرض الكبيرة بكثير من الآلات والحيوانات والزهور والحبوب المعروضة بشكل جذاب. ويمكن للزائر أن يتمتع بأكثر من 30 ألف نوع من الزهور في «جنة الزهور»، كما يستطيع الأطفال مشاهدة أكثر من 11 ألف حيوان من الحيوانات الأليفة، التي تنتشر في مختلف الأجنحة.