80% من الرجال الأوروبيين..أصلهم من الهلال الخصيب

البروفسور مارك جوبلنغ لـ «الشرق الأوسط»: الأوروبيون توارثوا الكروموسوم الذكري من مزارعين مهاجرين

انتقلت الزراعة إلى أوروبا على يد المزارعين المهاجرين من منطقة الهلال الخصيب الذين أورثوا كروموسوماتهم الذكرية إلى أبنائهم («الشرق الأوسط»)
TT

في دراسة علمية مثيرة، أعلن باحثون بريطانيون أنهم عثروا على دلائل تشير إلى أن الأصول الوراثية لغالبية الرجال في أوروبا تعود إلى الشرق الأدنى، وأن نحو 80 في المائة منهم ينحدرون من أقوام نزحوا من منطقة تقع إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط، قبل نحو 10 آلاف سنة مضت.

وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» قال مارك جوبلنغ البروفسور في جامعة ليستر الذي أشرف على الدراسة إن «الزراعة انتقلت إلى أوروبا على يد المزارعين المهاجرين من منطقة الهلال الخصيب الذين أورثوا كروموسوماتهم الذكرية إلى أبنائهم» في أوروبا. وقد ظهرت الزراعة لأول مرة في الهلال الخصيب الذي تمتد منطقته بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي، وتضم وادي الرافدين، أي دجلة والفرات، في العراق الحالي وسورية الطبيعية، بما فيها لبنان وكل فلسطين التاريخية والأردن، وجنوب شرقي تركيا، وقد ظل العلماء يتجادلون حول ما إذا كان انتشار الزراعة من الشرق إلى الغرب قد حدث بانتقالها من منطقة الشرق الأدنى على يد المزارعين المهاجرين فعلا من تلك البقعة من الأرض نحو أوروبا، أم بانتقال أفكار وتطبيقات الزراعة إلى السكان الأوروبيين الذين كانوا يقتاتون على الصيد وجمع الثمار.

إلا أن باحثي جامعة ليستر وضعوا حدا لهذا الجدل بعد أن قاموا بدراسة التركيبة الجينية المتنوعة للشعوب في أوروبا بحثا عن الحقيقة، ودرسوا تنوع الكروموسوم «واي» الذكري الذي ينتقل من الأب إلى أبنائه الذكور. وقال جوبلنغ إن هناك مدرستين علميتين حول انتشار هذا الكروموسوم في أوروبا وفي الشرق الأدنى: الأولى استندت إلى أن أقواما من البشر هاجروا من المناطق الدافئة نحو أوروبا بعد انتهاء العصر الجليدي الذي أخذ ينحسر قبل 14 ألف سنة مضت، إلا أننا توصلنا إلى استنتاج جديد هو أن انتشار الكروموسوم «واي» من النوع الشائع وجوده في أوروبا، بدأ ينتشر في عهد أقرب من ذلك، أي قبل 8 - 9 آلاف سنة مضت بفضل انتشار المزارعين المهاجرين.

وأضاف جوبلنغ أن «الدراسة ركزت الاهتمام على عملية توارث هذا الكروموسوم على نطاق أوروبا، الذي يحمله 110 ملايين رجل. وقد رصدنا أن هذه الخصائص الوراثية تتبع في أصولها خطا منحنيا متصاعدا يبدأ من الجنوب الشرقي حتى الشمال الغربي، ويصل تقريبا في تكرار وجوده إلى 100 في المائة تقريبا في أيرلندا». وتابع القول: «لقد دققنا في كيفية توزع هذا المنحنى وكيف يتغير ويتنوع في مختلف مناطق أوروبا، كما دققنا في تاريخ نشأته» لدى الرجال الأوروبيين.

ولدى سؤاله عن نطاق الدراسة ومدى شمولها للقارة الأوروبية قال جوبلنغ إن الدراسة شملت رجالا أوروبيين من بريطانيا وأيرلندا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والدنمارك واليونان ودولا أخرى.

وتعتبر منطقة الهلال الخصيب موطن أولى الحضارات في العالم وهي الحضارة السومرية، وظهرت فيها كبريات الإمبراطوريات القديمة: البابلية والآشورية. وقد مثل ابتكار الزراعة أهم حدث حضاري للبشرية، إذ إنه غير مجرى التاريخ وسمح لسكان الأرض بالعيش والديمومة والازدهار لكي يصل عددهم اليوم إلى نحو 7 مليارات نسمة. ومع الزراعة بدأ عهد التحضر وتحول الإنسان إلى السكن في مواقع ثابتة بدلا من التجوال بحثا عن القوت. وتوجت تلك المرحلة بثورة في العصر الحجري الحديث تميزت بظهور أدوات جديدة ساهمت في انتشار الزراعة، وظهور التجارة والكتابة والمعمار. وتوصل الباحثون إلى نتائج تفترض أن انتشار هذا الكروموسوم الذكري تم بعد انتشار الزراعة من الشرق الأدنى. وقالت الدكتورة باتريشا بالاريسك التي شاركت في البحث: «عموما، تعني النتائج أن أكثر من 80 في المائة من الأوروبيين الحاملين لكروموسوم (واي) الذكري، ينحدرون من مزارعين مهاجرين. وعلى النقيض من ذلك، فإن غالبية الخصائص الوراثية التي تأتي من الأم، تبدو منحدرة من النساء من جامعات الثمار» أي من النساء القاطنات في أوروبا حينذاك. وأضافت أن هذا يفترض تمايز وتفوق المزارعين المهاجرين على الذكور القاطنين في أوروبا، وازدياد تزاوجهم مع النساء الأوروبيات حينذاك، أثناء عملية الانتقال في أوروبا من مرحلة الصيد وجمع الثمار إلى مرحلة الزراعة.. ولعل المزارعين كانوا يعتبرون أكثر جاذبية من جامعي الثمار! وفي البحث الذي مولته مؤسسة «ويلكوم تراست» للأبحاث الطبية، ونشر في مجلة «مكتبات العلوم العامة - البيولوجيا»، أجرى الباحثون دراستهم على أكثر من 2000 رجل. وأظهرت النتائج أن 4 من كل خمسة من الأوروبيين من الجنس الأبيض لديهم أصول وراثية تعود إلى الشرق الأدنى. وتجدر الإشارة إلى أن انتشار الإنسان الحديث في أوروبا يعود إلى 40 ألف سنة. وكانت القارة مستوطنة قبل ذلك من قبل إنسان النياندرتال، وأجناس أخرى من الإنسان القديم لمئات الآلاف من السنين.