العراقي هيمت يحفظ شارع المتنبي في صندوق

كأن الرسام الكردي يخاف على ملتقى المثقفين البغداديين من الزوال

TT

لم يكن شارع المتنبي في وسط العاصمة العراقية بغداد مثل غيره من الشوارع، خصوصا بالنسبة للمثقفين ومن لسعتهم نحلة القراءة الذين يجتمعون فيه، صباح كل جمعة، لشراء الكتب والمجلات الجديدة أو لمبادلة القديمة منها أو اقتناص نسخة نادرة من مطبوع عتيق.

لذلك، عندما وصلت موجة التفجيرات إلى أحياء بغداد القديمة وهاجمت سيارة مفخخة «المتنبي»، يوم الخامس من مارس (آذار) 2007، وقتلت ثلاثين شخصا ودمرت الشارع بالكامل وحرقت خمس عشرة مطبعة وأربعين مكتبة، شعر أهل الشعر والصحافة والأدب في بغداد بأن يد الإرهاب قد وصلت إلى رؤوسهم.

الفنان الكردي العراقي، هيمت محمد علي، المقيم قي باريس، سمع بالخبر، وشعر مثل غيره من عشاق الكتب بأن النار قد امتدت إلى ذاكرته. وكان رده عليها سلسلة من اللوحات المستوحاة من حريق المتنبي، ضمتها مجموعة من الدفاتر المحفوظة في صندوق مرسوم من أوجهه كافة ومزين بحروف من زمن المطابع القديمة ومن خطوط النساخين السابقين. كأن الفنان يخاف على هذا الرمز الجغرافي العريق من الزوال ويسعى لجمع نبذة عنه في حيز صغير يمكن نقله ساعة الطوارئ.

يكاد اللونان الأحمر والأسود يطغيان على اللوحات. إنها درجات اللهب والسخام حين تمتد إلى حافات الورق وتلتهم المخطوطات وتشوه الكتب الجميلة وتغتال مصادر المعرفة. وقد قام هيمت بعمل متأن، ولم تكن رسومه انفعالية وبنت لحظتها، دون أن تغيب عنها فداحة الجريمة التي تعرض لها الشارع وهول مصاب المثقفين في نقطة لقاءاتهم في زمن عزت فيه النوادي وصار مقهى الشابندر المكان الذي يجمعهم، عند الطرف الداخلي للشارع، كل أسبوع.

صحيح أن الحكومة سارعت إلى ترميم المكان وإعادة تعمير شارع المتنبي، لكن أصداء التفجير ما زالت تسكن الذاكرة وما أتى عليه الحريق لن يستعاد. لهذا فإن ما كتبه الأدباء العراقيون عن شارعهم العزيز وما رسمته ريشة الفنانين سيبقى بمثابة البيان الاحتجاجي الصاخب على الاستهانة بالثقافة ودفعها إلى مؤخرة المشهد العبثي العراقي. ولد هيمت محمد علي في كركوك، عام 1960، وكان ينزل في إجازاته إلى بغداد ويزور «المتنبي» ويتزود منه بما يحتاجه من كتب، وفيه يلتقي رفاق العاصمة. وهو قد تنقل في البلاد وأقام معارض، ثمانية منها في اليابان، والبقية في فرنسا وهولندا والنمسا وسويسرا. وصدر عن تجربة هيمت كتاب بعنوان «تمائم العزلة»، من تأليف برنار نويل وفاروق يوسف.

وقد أنجز جداريات في اليابان والبحرين والمغرب، وأقام سبعة معارض مع شعراء عرب وأجانب، بينهم أدونيس والفرنسي أنريه فالتر والياباني كوتارو جينازومي، كانت خطوطه وألوانه فيها ترافق حروفهم. كما أصدر أكثر من ثلاثين كتابا بالاشتراك مع شعراء مثل ميشيل بوتور ومحمد بنيس وقاسم حداد وسعدي يوسف.

وعن تجربة هيمت محمد علي، أيضا، تم إنجاز فيلمين وثائقيين، الأول من إخراج فؤاد ميمي والثاني من إخراج فريال بن محمود.