صحيفة «نيويورك تايمز» تفرض رسوما على قراءة موقعها على الإنترنت

القراء سيتمكنون من قراءة المقالات الفردية عبر محركات بحث مثل «غوغل» و«ياهو» و«بينغ» دون رسوم

TT

اتخذت صحيفة «نيويورك تايمز» خطوة أغرت كثيرين وأفزعت كثيرين في مجال صناعة الصحف. فقد أعلنت يوم الأربعاء الماضي أنها ستطالب بعض القراء الدائمين على موقعها على الإنترنت بدفع رسوم مقابل الخدمة، الأمر الذي أثار ردود فعل كبيرة من جانب المحللين الإعلاميين والمستهلكين، بدءا من التشجيع وانتهاء بالصدمة. فاعتبارا من يناير (كانون الثاني) 2011 سيسمح لزوّار موقع NYTimes.com بمشاهدة عدد محدد من المقالات بصورة مجانية كل شهر، ولكن لكي يتمكن القارئ الراغب من الاطلاع على المزيد من الأخبار سيتوجب عليه أن يدفع رسوما محددة للدخول غير المقصور. أما المشتركون في الصحيفة الورقية، والمشتركون في العدد الأسبوعي للصحيفة يوم الأحد فسيتمكنون من الدخول بحرية إلى موقع الصحيفة دون أي رسوم إضافية. مديرو شركة «ذا نيويورك تايمز كومباني»، ناشرة الصحيفة العريقة، قالوا في تبرير هذه الخطوة إنهم يرغبون في بناء نظام قد يكون له تأثير طفيف على ملايين القراء العرضيين للموقع، في الوقت الذي يحاولون فيه جمع الأموال من القراء المنتظمين للصحيفة. غير أن الملمح الرئيس للخطة لم يتم الاستقرار عليه بعد، ومن بينه المبلغ الذي ستتقاضاه الصحيفة نظير الخدمة والاشتراكات على الإنترنت أو عدد المقالات التي سيتمكن القراء من متابعتها دون أن يدفعوا مقابلا لذلك. ويقول آرثر سولزبرغر، رئيس مجلس إدارة الشركة وناشر الصحيفة، في مقابلة معه: «سيسمح لنا هذا الإعلان بالتفكير في العديد من التساؤلات التي تهمنا جميعا. فلن يمكننا التوقف عند منتصف الطريق أو ثلاثة أرباعها، بل يجب علينا أن نقوم بذلك بالصورة الصحيحة». والواقع أن ناشري الصحف اعتمدوا على مدار سنوات على المستقبل الرقمي المدعوم بصورة أساسية بالإعلانات، رافضين الحصول على رسوم للولوج إلى موقع الصحف. واعتبروا أن من شأن هذا أن يعمل على تقليص عدد قرائهم على الإنترنت ودخول الإعلانات. لكن بعد عامين من التراجع في عائدات الإعلانات أخذ الكثير منهم يفكر مرة أخرى حول ما إذا كانوا سيتمكنون من الحصول على عائدات من القراء أكبر من تلك التي يحصلون عليها من المعلنين. هذا، ولقد امتدحت غالبية المحللين الماليين والكتاب المتابعين لعمل وسائل الإعلام الخطوة التي أعلنتها «التايمز» التي يعد موقعها، NYTimes.com، أحد أكثر المواقع شهرة في الولايات المتحدة، إذ يزوره أكثر من 17 مليون قارئ شهريا في الولايات المتحدة وحدها، وذلك بحسب موقع «نيلسن أو لاين». ويقول جيمس ماككويفي، المحلل الإعلامي في مؤسسة «فورستر ريسيرش»: لا يمكنك الاستمرار كـ«نيويورك تايمز» ما لم تجد مصدرا آخر للدخل. بينما يقول ميكي سيمونتون، المحلل في «ريتش راتينغ»: نتوقع أن تتمكن «التايمز» من تنفيذ استراتيجية كهذه. كما نتوقع أن تحذو الصحف الأخرى حذوها في المستقبل القريب. لكن من غير المتوقع أن ينجح سوى عدد قليل منها. من ناحية ثانية، لقي الإعلان ردود فعل متباينة على مستوى العالم. إذ علق فيلكس سالمون، الكاتب الشهير في وكالة «رويترز» قائلا: «الشركات الإعلامية الناجحة هي تلك التي تسعى خلف القارئ أولا، ثم تأتي بعد ذلك عائدات المتابعة، والشركات الفاشلة هي التي تبعد مشاهديها في محاولة لتضخيم عائداتها على المدى القصير». بيد أن كتابا آخرين أشادوا بفكرة الدفع بشكل عام مع أنهم انتقدوا أسلوب «التايمز». وكان آلاف من قراء الصحيفة قد بعثوا برسائل البريد الإلكتروني إلى الصحيفة، وقد نشرتها على موقعها على الإنترنت يوم الأربعاء، ولقد فاق فيها عدد الذين دعموا الخطة أعداد الذين قالوا إنهم لن يدفعوا. لكن القرار بحد ذاته كانت له آثار سلبية على أسهم الشركة، وكانت أولى نتائج القرار انخفاض أسعار أسهم التايمز 39 سنتا لتغلق على 13.31 دولار. في أي حال، سيتمكن كل زوار الموقع من الدخول بصورة كاملة إلى الصفحة الرئيسة، وإضافة إلى ذلك سيتمكن القراء من قراءة المقالات الفردية عبر محركات بحث مثل «غوغل» و«ياهو» و«بينغ» دون رسوم. غير أنه بعد المقال الأول سيبدأ الإحصاء تجاه الحدود الشهرية. وللعلم، من بين الصحف الرئيسة الكبرى في أميركا اليوم تفرض «وول ستريت جورنال» و«نيوزداي» رسوما على قراءة صفحات رئيسة على موقعيهما على الإنترنت. كما تنفذ بعض الصحف الصغيرة مثل «ذا أركنساس ديموكراتيك غازي» و«ألبوكيركه جورنا» ذلك أيضا. ويتوقع أن ينضم المزيد خلال العام الحالي. الجدير بالذكر أن «التايمز» قامت بدراسة الأمر على مدار ما يقرب من سنة عبر البحث عن أرضية مشتركة بين المؤيدين والمعارضين لمعسكر الدفع. وقال المديرون التنفيذيون للشركة إن التغيرات ستتأجل سنة أخرى لأنهم بحاجة إلى إنشاء برنامج لنظام للدفع يعمل بصورة متكاملة بين الموقع وقواعد بيانات المشتركين. وتشرح جانيت روبنسون المدير التنفيذي للشركة أنه «ليست هناك عجلة في الانتهاء من البرنامج سريعا لكننا نرغب في الانتهاء منه بصورة صحيحة». في هذه الأثناء، داخل غرفة تحرير الأخبار في «التايمز»، حيث ساد الشعور بالموافقة على فكرة الرسوم، كان الانتقاد الوحيد متعلقا بتأجيل الموعد حتى عام 2011. إذ قال ديفيد فايرستون، نائب رئيس التحرير للأخبار الوطنية: «أعتقد أن ذلك كان يفترض القيام به قبل عدة سنوات، وعلى الرغم من الآلام التي قد يسببها ذلك في البداية، أعتقد أن علينا التخلص من الشعور بأن الجودة العالية من الأخبار تأتي دون تكلفة». «التايمز» كانت قد حاولت من قبل تطبيق أنظمة الدفع الأكثر حصرية لكنها تخلت عنها. فخلال التسعينات تقاضت رسوما من قرائها من خارج الولايات المتحدة، وخلال الفترة من عام 2005 وحتى 2007 تقاضت رسوما على الاطلاع على المقالات الافتتاحية وأعمدة الرأي. ويقول مديرو الشركة إن القرار الحالي لم يكن رد فعل على تراجع الإعلانات بل استراتيجية طويلة الأجل لتطوير استراتيجية دخل جديدة. وحسب كلام سولزبرغر: «هذا رهان إلى حد ما حول كيفية شكل الموقع في المستقبل، وهو أمر لا نتوقع أن يغير من الديناميكيات المالية للصحيفة بين عشية وضحاها». أمر آخر يستحق الذكر هو أن غالبية قراء الصحيفة الذين يتوجهون إلى موقع «التايمز»، كما هو الحال مع المواقع الأخرى، هم زوار غير دائمين لا يزورون الموقع سوى مرة خلال البحث أو الروابط على الإنترنت ولن يتأثر الكثيرون منهم بالنظام الجديد. أما القراء المتابعون للصحيفة والذين يشكلون غالبية زوار الموقع فالسؤال الأساسي: كم منهم سيدفع؟ وعليه تبحث «التايمز» عددا من الوسائل من بينها الدفع المباشر على غرار ما تقوم به صحيفة «وول ستريت جورنال» التي تتيح بعضا من مقالاتها بصورة مجانية للقراء، بينما تطلب مقابلا للمقالات الأخرى. لكنها رفضت فكرة تنويع الأسعار بناء على عدد المقالات التي يقرأها المستهلك وطريقة العضوية التي تتبعها وسائل البث المحلية. وكانت الطريقة التي انتهجتها الصحيفة، كما قال مارتن نيزنهولتز، نائب رئيس «التايمز» للعمليات الرقمية: «الطريقة التي بعد كثير من الأبحاث والدراسة قرّرنا أن تكون لها الأولوية. نحن نحاول زيادة الدخل ولا نقول بأننا نرغب في تفضيل هذا العائد على ذلك. نحن نرغب في زيادة العائدات ككل».

* خدمة (نيويورك تايمز)