اللغات الأجنبية تختفي من الفصول الأميركية.. عدا الصينية

الاتجاه الجديد يثير جدلا بين رجال السياسة والتعليم

تدريس اللغة اليابانية ليس الوحيد الذي تراجع، فقد توقفت آلاف من المدارس التي كانت تقدم اللغة الفرنسية، والألمانية، أو الروسية عن تدريس تلك اللغات (نيويورك تايمز)
TT

توقفت الآلاف من المدارس الحكومية عن تدريس اللغات الأجنبية خلال العقد المنصرم، وفقا لدراسة مولتها الحكومة، وهو ما يعد خبرا مؤسفا في ظل حاجة الأمة إلى تنوع لغوي يخدم أغراضها المالية والدبلوماسية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد برز في الآونة الأخيرة اتجاه مضاد لذلك، أثار جدلا بين رجال السياسة والتعليم؛ وهو مسارعة بعض المدارس في كثير من أنحاء أميركا لتقديم برامج لتعليم اللغة الصينية.

ومع أن بعض هذه المدارس تمول إقامة تلك الفصول على حسابها الخاص، فإن مئات من هذه المدارس تتلقى المساعدات؛ حيث ترسل الحكومة الصينية مدرسين من الصين إلى المدارس في أنحاء البلاد كافة، وتدفع جانبا من رواتبهم. وفي وقت الضائقة المالية، كان كثير من المدارس الأميركية يجد ذلك العرض مغريا للغاية.

ووفقا لما قالته بارثينا دراغيت، التي تدير قسم اللغات العالمية بمدرسة جاكسون؛ فإن المدرسة الثانوية بماسيلون بأوهايو جنوبي كليفلاند، كانت قد بدأت برنامجها لتدريس اللغة الصينية في خريف عام 2007 بنحو 20 طالبا فقط، وصل عددهم في الوقت الراهن إلى 80. وتضيف بارثينا: «لقد كان في إمكاننا الحصول على مدرس لغة صينية بالمجان. فعلى الرغم من أنني أرغب في إنشاء فصل لتدريس اللغة الإسبانية للمدارس الابتدائية، فإنني لن أستطيع الحصول على مدرس لغة إسبانية بالمجان». حيث يتقاضى مدرس اللغة الصينية بمدرسة جاكسون أجرا، تدفع الحكومة الصينية جانبا منه، بينما تدفع المنطقة باقي راتبه.

ومع أنه لا توجد سجلات دقيقة، فتشير التقديرات الأولية التي تعتمد على المسح الذي أجرته الحكومة إلى أن نحو 1600 مدرسة أميركية حكومية وخاصة تدرس اللغة الصينية، بعدما كان عدد تلك المدارس يبلغ 300 فقط قبل عقد واحد، ومن المرجح زيادة تلك الأرقام خلال الفترة المقبلة.

وإذا ما نظرنا إلى المدارس الأميركية التي تبلغ 27500 ما بين مدارس إعدادية وثانوية، والتي تقدم لغة واحدة أجنبية، تصل نسبة المدارس التي تدرس اللغة الصينية إلى 4 في المائة بعدما كانت 1 في المائة فقط في الفترة من عام 1997 إلى عام 2008، وفقا للمسح الذي أجراه مركز علوم اللغة التطبيقية، وهو مجموعة بحثية في واشنطن تموله وزارة التعليم الفيدرالية.

ومن جهتها، تقول نانسي رودز، مدير المركز وإحدى المشاركين في إعداد المسح: «يشير ذلك إلى تغير المشهد العام لتعلم اللغات في بلادنا».

ومن المؤشرات الأخرى على ذلك التوجه، هو تزايد أعداد الطلاب الذين يقومون بدخول اختبار تحديد المستويات المتقدمة للغة الصينية، والذي بدأ إجراؤه منذ عام 2007 بمعدلات متسارعة، حتى أنه من المرجح أن يتجاوز عدد الطلاب الذين يجرون اختبار اللغة الألمانية خلال العام الحالي، والتي تعد ثالث اللغات من حيث اختبارات تحديد المستوى بعد الإسبانية والفرنسية. وفقا لتريفور باكر، نائب رئيس «كوليدج بورد»: «لقد اندهشنا جميعا حينما علمنا بأن اللغة الصينية تمكنت من الانتشار بهذه السرعة، حتى أنها تجاوزت اللغة الألمانية».

وقبل عقد مضى، كانت معظم المدارس التي تقدم برامج لدراسة اللغة الصينية تقع على السواحل الشرقية والغربية. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأ كثير من المدارس في تدريس برامج اللغة الصينية في الولايات التي تقع في وسط أميركا، مثل: أوهايو وإلينوي في الوسط الغربي وتكساس وجورجيا في الجنوب، وكولورادو ويوتاه في جبل الروكي في الغرب.

ومن جهة أخرى، قالت كريس لفاكاري، مديرة الاتصالات بالجالية الآسيوية: «إن تزايد الاهتمام بدراسة اللغة الصينية لم ينتشر في الأماكن التي يقطنها الصينيون، بل في أماكن ليس بها أعداد كبيرة من الصينيين».

وكان لدى أميركا قبل ذلك دراسات حول انتشار دراسة اللغات الأجنبية، ولكنها كانت تشير إلى زيادة الاهتمام بإحدى اللغات ثم انخفاضه، فكان كثير من المدارس تدرس اللغة اليابانية في الثمانينات بعدما برزت اليابان كخصم اقتصادي، ولكن الآلاف توقفوا عن دراستها، وفقا لما رصدته الدراسة.

وليست دراسة اللغة اليابانية هي الوحيدة التي تراجعت، فقد توقفت الآلاف من المدارس التي كانت تقدم اللغة الفرنسية، والألمانية، أو الروسية عن تدريس تلك اللغات، وفقا لما اكتشفته الدراسة.

ولكي يعد الدراسة، فقد أرسل مركز علوم اللغة التطبيقية استبيانا إلى 5000 مدرسة أميركية، أعقبته اتصالات هاتفية بنحو 3200 مدرسة، بمعدل استجابة وصل إلى 76 في المائة.

وأكدت النتائج، التي تم الإعلان عنها خلال العام الماضي، أن تدريس اللغة الإسبانية منتشر في كل مكان. كما وجدت الدراسة أن 88 في المائة من المدارس الابتدائية ونحو 93 في المائة من المدارس الإعدادية والمدارس العليا التي تقدم برامج لدراسة اللغات الأجنبية، كانت تقدم اللغة الإسبانية في عام 2008.

ويرجع الانخفاض العام في تدريس اللغات إلى الانخفاض المفاجئ في تدريسها في المدارس الابتدائية والإعدادية؛ حيث ظل عدد المدارسة الخاصة والمدارس الحكومية العليا التي تقدم على الأقل لغة أجنبية واحدة ثابتا منذ عام 1997 وحتى عام 2008.

كما أشارت الدراسة إلى أن ثلث المدارس ذكر أن القانون الفيدرالي الذي يلزم المدارس الحكومية منذ عام 2001 باختبار الطلاب في الرياضيات واللغة الإنجليزية، استنزف الموارد التي كانت مخصصة لدراسة اللغات الأجنبية.

ويقول الخبراء إن هناك عوامل عدة أدت إلى ارتفاع معدلات دراسة اللغة الصينية، منها أن الآباء والطلاب والمدرسين يدركون أن الصين برزت كدولة من الدولة المهمة، ويعتقدون أن إجادة لغتها ربما يفتح أمامهم باب الفرص.

كما زاد من ذلك الاهتمام البرنامج المشترك الذي قدمه «كوليدج بورد» ومجلس اللغات التابع لوزارة التعليم الصينية «هانبان»، والذي يرسل منذ عام 2006 المئات من مديري المدارس الأميركية وغيرهم من رجال التعليم لزيارة المدارس في الصين، وتشارك «هانبان» في تكلفة تلك الرحلات. وقد عاد كثير من رجال التعليم الذين زاروا الصين وهم يرغبون في دراسة اللغة الصينية.

ومنذ عام 2006، أرسلت «هانبان» و«كوليدج بورد» أكثر من 325 متطوعا لتدريس اللغة الصينية «مدرس زائر»؛ للعمل مع المدارس الأميركية لتدريس البرامج الأساسية، ويدفعون للمدرس نحو 13 ألف دولار على حدة، ويستطيع المدرسون التجديد لمدة ثلاث سنوات إضافية.

وقد قامت وزارة الخارجية بتمويل مشروع أصغر لجلب المدرسين الصينيين إلى المدارس هنا شريطة أن يستمر المدرس عاما واحدا.

وفي العامين الأولين من تدريس اللغة الصينية، قالت منطقة جاكسون في أوهايو إنها وفرت أماكن لإقامة المدرسين الزائرين، وسيارة وبنزين التنقل، بالإضافة إلى الرعاية الصحية، وغيرها من وسائل الدعم بما يصل إلى نحو 26 ألف دولار.

وخلال العام الحالي، كانت المنطقة التعليمية تجلب مدرسين أكثر كفاءة لتدريس اللغة الصينية براتب 49910 دولارات، بالإضافة إلى وسائل أخرى للدعم، إلى جانب 13 ألف دولار كبدل انتقال يتلقاها المدرس من «هانبان»، وبذلك يعادل راتب المدرس الصيني تقريبا رواتب المدرسين بأوهايو.

ومن جهة أخرى، زارت السيدة دراغيت الصين مؤخرا بمصاحبة وفد موَّلته «هانبان» يتكون من 400 رجل تعليم أميركي من 39 ولاية، وعادت وهي شديدة التحمس بشأن برنامج جاكسون لتدريس اللغة الصينية. فتقول: «لدراسة اللغة الصينية مستقبل بالفعل». فستقوم مدرسة جاكسون الثانوية بإلغاء برنامج تدريس الألمانية الذي بدأ خلال الخريف الماضي.

ولم يستعن مؤسسو مدارس «يو ينغ» شبه الخاصة في واشنطن - والتي تدرس جميع الفصول بها يوما باللغة الإنجليزية ويوما باللغة الإسبانية، التي يدرس فيها نحو 200 طالب في مرحلة ما قبل الحضانة وحتى السنة الثانية من التعليم الابتدائي - بنظام الأستاذ الزائر عندما بدأ في خريف عام 2008. فتقول ماري شافنر، المدير التنفيذي للمدرسة: «ربما يكون ذلك مفيدا للمدارس الأخرى، ولكننا نريد أن يستمر مدرسونا معنا». وبدلا من ذلك، عينت «يو ينغ» خمسة مدرسين من الصين يعيشون في الولايات المتحدة من خلال نشر إعلانات على شبكة الإنترنت، ومن بينهم كان وانغ جو، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في عام 2001، وتخرج في جامعة ماريلاند.

* خدمة «نيويورك تايمز»