مسرحي تونسي يقيم معرضا لأقنعة مستمدة من قصص الأطفال

قدم فيه أكثر من 350 قناعا

كم هائل من الأقنعة كل منها تعيد إلى فترة الطفولة وعوالمها الغريبة العجيبة («الشرق الأوسط»)
TT

أقنعة عديدة احتلت جدران دار ثقافة «ابن خلدون» بالعاصمة التونسية، أقنعة تقدم نماذج لقصص الأطفال المعروفة، لوّنها وجمعها وتصور أشكالها المسرحي محيي الدين بن عبد الله. في البداية تندهش للكم الهائل من الأقنعة المعلقة بشكل متناسق وتعيدك تلك الأقنعة إلى فترة الطفولة وإلى قصص الأطفال بعوالمها العجيبة التي رافقتنا طوال سنواتنا الأولى، ولكنك بسرعة ستنتبه إلى غرابة بعضها، وإلى الألوان الزاهية للبعض الآخر، كما أن ملامح الوجوه المعلقة على الجدران ستثير فيك أحاسيس متضاربة.

محيي الدين بن عبد الله اختار أن يعرض حصاد سنوات طويلة من العمل المسرحي الموجه للأطفال وقدمه لأول مرة للعموم باعتباره الوحيد بين المسرحيين التونسيين الذي اختص بصناعة الأقنعة بناء على أحداث قصص الأطفال.

قصص عرفناها مثل «عنزة السيد سيغان» و«الأسد والثيران الثلاثة»، و«الراعي والذئب» وكذلك «الكلب الوفي» وجدت أقنعتها من ضمن المعروضات، أكثر من 350 قناعا عرضها محيي الدين بن عبد الله للعموم في معرض سماه «القناع والحياة» امتد من 10 إلى 14 يناير (كانون الأول) الحالي، وهو يؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الغاية الأساسية من وراء ذلك هي ترغيب الأطفال الصغار في المطالعة وتجهيز الفرق المسرحية وأساتذة التربية المسرحية ومنشطي الفضاءات الترفيهية والسياحية بأقنعة تغني عن الكثير من الكلام وتفتح شهية الأطفال لعوالم الخيال.

يقول بن عبد الله إنه اهتم بفن العرائس بكل تفاصيله من صناعة ودراسة وورش منذ سنوات طويلة، وإن المسرح يعتمد بشكل كبير على الأقنعة عند تقمص الأدوار سواء الأقنعة الاصطناعية أو الأقنعة المجازية.. ويجد بن عبد الله صعوبات جمة - كما أكد لنا ذلك - في نحت وتشكيل الوجوه ويقسم الأقنعة إلى ثلاثة أصناف القناع البشري والقناع الحيواني والقناع النباتي. وأكد بن عبد الله الذي نظم مثل هذا المعرض لأول مرة في تاريخه المسرحي، أن القناع يرجع إلى العهد القرطاجني والعهد الإغريقي والروماني وكل هذه الحضارات تعاملت بجدية مع المسرح وتركت شواهد عديدة على اهتمامها بالعروض المسرحية.

وحول موقف الزائرين من المعرض والكم الهائل من الأقنعة المعروضة في فضاء واحد، قال بن عبد الله إن الدهشة تنطبع على وجوه كثير منهم وهم ربما شاهدوا مسرحيات عديدة تعتمد على الأقنعة ولكنهم لم يروا في حياتهم مئات الأقنعة معروضة دفعة واحدة وفي مكان واحد. ولاحظ مازحا: «ربما أعجب البعض منهم بوجود القناع وربما فكر في اقتنائه فعالم اليوم يحتاج إلى كثير من الأقنعة». أما عن أسعار الأقنعة المعروضة فقد أكد بن عبد الله أنها تتراوح بين دينارين تونسيين و100دينار (بين دولار ونصف و75 دولارا أميركيا) والسعر مرتبط على وجه التحديد بنوعية القناع والمواد الأولية المستخدمة لصناعته. ويعتمد بن عبد الله على المواد الأولية التونسية في صناعة كل الأقنعة ويؤكد عدم اعتماده على مواد مستوردة من الخارج. ويعطي بن عبد الله الأولوية لمواد الصوف والطين والجبس والأقمشة المتنوعة ويود أن نتحدث عن مسرح القناع تماما كما تحدثنا في السابق عن مسرح خيال الظل.

وعبر لنا محيي الدين بن عبد الله عن اهتمامه بتجربة «كوميديا دي لارتي» الإيطالية التي تقدم شخصيات إيطالية في الشارع، وقال إن القناع الواحد لتلك الشخصيات يتطلب من ثلاثة إلى أربعة أيام من العمل وهو ما يبرر في جانب ما ارتفاع أسعارها. وأشار بن عبد الله إلى أن مجموعة كبيرة من الأقنعة لا تزال في ورشته الخاصة في منزله وهو حائر تمام الحيرة حول الطريقة المثلى في التصرف في ذلك الكم من الأقنعة الذي أصبح يقض مضجعه. سألته إن كانت تلك الأقنعة قد أثرت في شخصيته ولو قليلا لكنه راوغني بالقول: «أنا الذي يصنع تلك الأقنعة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتمرد عليّ». سألته إن كان يقرأ ما تحمله الوجوه، فقال لكل وجه تفاصيله المميزة سواء من البشر أو من الحيوان وكذلك النبات وقالب الجبس هو الأخطر في كل مراحل صناعة الأقنعة فهو الذي نعتمد عليه في تشكيل الوجوه، وكل السر يكمن هناك.